معارضة.. أم قطع غيار

> صالح علي الدويل :

> توطئة: تفرس النعمان وجوه ثلة من العرب حضرت مجلسه، وقام متصنعا الغضب فلطم أحدهم لطمة شديدة، فتلفت الإعرابي مذهولا، وإذ لا ناصر له قال: «حرٌ انتصر». فأعادها الملك ثانية، فتنهد الإعرابي وقال: «لو مُنِعتَ الأولى ما أتيت بالثانية».

مُنعت أحزاب المشترك أن تلتقي جماهيرها في الساحات العامة أثناء جولات الاستحقاق الرئاسي، وخصصت لها ساحات خلفية!! وأستأثر بتلك الساحات حزب الحكم، وكان ذلك بمثابة (قرع عصا) لأحزاب ارتضت أن تكون قطع غيار للعملية الانتخابية.

إن ديمقراطية لاتقبل للمعارضة أن تخاطب جمهورها في نفس ساحات تحشيد حزب الحكم لن ترضى لها الوصول إلى (قصر السبعين) الذي يقف على جوانبه العشيرة وأولاد العم!!.

ولما تمت الترتيبات لمناقشة قانون الانتخابات وما يتفرع عنه من لجان، بدا وكأن المعارضة تضغط للحصول على مكاسب تثري العملية الديمقراطية، وتحد من مقاييس (الكلفتة)* الديمقراطية، وتضع أسس تحد من الهلامية، وتعالج المثالب والقصور التي يحتويها القانون القديم بحيث تنبثق لجان تتصف بالنزاهة والحيادية والمصداقية، إلا أن حزب الحكم حسم خياراته وأحيا القانون القديم الذي لولا عيوبه الجسيمة ما تمت مناقشة بديل له، فديمقراطية (ديْوَلة القَبْيَلة) لم تحضّر الساحة بعد حرب 1994 لإنشاء (نظرية عادلة للحكم)، إنما مهدت الساحة لحياة سياسية لاتكون المعارضة فيها ندا سياسيا بل تابعا محللا، يحل أزمات السلطة ويفك اختناقاتها ويزودها بالفتاوى التي تطلبها، وهذا مثبت في شهادة ميلاد بعضها، بينما البعض الآخر سار على ذات المسار عندما أصبح التعامل معه يسير على قاعدة (اشربي وإلا ذبحتش).

على هذه الخلفية اقتحم مدير دائرة الإعلام في حزب الحكم المؤتمر الصحفي للمشترك ووزع تهمه بالانفصالية والعمالة والظلامية وتعطيل الحياة الديمقراطية.. إلخ، في تصرف فج، يوضح بجلاء هزالة هذه الديمقراطية واستبداد حزب حكمها وهشاشة المعارضة وهوانها في مواقف بائسة، تتساوى المسلكيات فيها بين ما هو (بلطجي) وما هو حزبي، وتتقزم مساحات الحرمة السياسية فجأة، فيصبح الأمن متفرجا أو مساعدا أو طرفا في تلك (البلطجة)، ويصير التعدي والتجريم والتصرف اللامسئول حقا يستند إلى أثرَة الحكم لمّا يرى أن أوعيته السياسية قد بدأت تترفع قليلا عن دور (قطع الغيار).

إننا نفاخر العالم إعلاميا بديمقراطية نسوقها بأنها تشكل حالة متقدمة في جوار إقليمي مجدب نظريا من تلك الحياة، وتسيطر عليه الأسر الحاكمة، والحقيقة أن ممارسة ذلك الجوار للعملية السياسية فيها صدق ووضوح، وتخلو من (التقية السياسية) في الخطاب والممارسة والآليات، وهي وصفات تتجسد في ديمقراطيتنا التي لاترى في المعارضة إثراءً للحياة السياسية، بل أوعية لتسويق النظام دوليا، وتسخير هذا الآلية الإنسانية لهيمنة قبلية وأسرية واضحة، وتمهد الأرضية للتوريث السياسي عبر آلياتها حتى يصبح القول المأثور (ديمة خلفنا بابها) من آليات ديمقراطيتنا!!.

إن الذين مارسوا الديمقراطية يقبعون في الزنزانات، وتوجه لهم التهم الجنائية، لأنهم عرضوا مطالبهم في الساحات العامة، وقالوا إن لهم وطنا شريكا في الوحدة، بينما من سفكوا دماء أبناء القوات المسلحة طيلة خمس حروب أصبحت قضيتهم تفاوضية، ويقفون على المربعات التي حرروها شاهرين أسلحتهم، وما يثير الشك والريبة المعايير المزدوجة في التعامل مع الحالتين، فهي معايير لاتعني إلا احترام النظام لمن كانوا يسمون أسرى تمرد مسلح، وتنكيله بأسرى الديمقراطية!!.

إن على المشترك حسم خياراته، فمؤشرات تراجعه في هذه الجولات واضحة، وإلى جانب ذلك فإن مؤشرات تهافته على المشاركة تحت أي سقف واضحة، ولم يبق لديه إلا مربع السجناء السياسيين الجنوبيين وغيرهم، فيجعل منهم مربعا لتسويق التنازل إذا ما قبلت السلطة بأرقام للسجناء فقط.

إن القضية الجنوبية ليست قضية المشترك، وإن كان الكثير من أفراده الصادقين يصطفون إلى جانب العدل في هذه القضية التي بدأت إرهاصاتها رافضة لأسلوب الضم، وصرخت بمظالمها في الساحات العامة، وتشكل ملامحها ومحدداتها في الزنزانات والمحاكمات، ويساعد في تجسيدها والالتفاف حولها وإبرازها عسكرة المدن وأساليب الإقصاء والتضييق التي يتعرض لها أبناء هذه القضية.

* كلفتة: لفظة شعبية، تعني أن تضع على الشيء ما يغطي عيوبه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى