تراجيديا فضل عبدالكريم..

> فضل النقيب:

> السيرة التي أجملها الأستاذ حسن صالح شهاب للسلطان فضل عبدالكريم بن فضل بن علي ضمن كتابه القيم (العبادل سلاطين لحج وعدن) تصور شخصية درامية بامتياز، تتوفر على عناصر المأساة الشكسبيرية، في نسيج ألق الحكم ومغانمه ومخاطره، والمخاطرة المشؤومة حتى فقدانه والانطفاء، ويمكن تحويل قصة السلطان إلى مسرحية أو فيلم سينمائي مشوق، حيث الملك والأبهة، والتآمر ومحاولة اغتيال أطاحت بإحدى عينيه فاستبدلها بعين زجاجية كره معها النظر إلى الناس، فانصرف إلى العزلة ولما يزل وليا للعهد في الثامنة عشرة من عمره، لايعطف عليه سوى عمه الشهير أحمد فضل القمندان، الذي زوجه إحدى ابنتيه، وأوصى له أيضا بأملاكه في (الحسيني)، ولكن ابنتي القمندان عارضتا تلك الوصية، وإحداهما زوجته، وهذا يدل على أن في القصور القليل من السرور والكثير من القبور.

ومما فاقم المأساة أن السلطان كان عقيما لاينجب، وقد نقم في سنته الأخيرة على أخيه علي عبدالكريم- آخر سلاطين لحج الشرعيين (1958)- شعبيته وقدراته القيادية، وكان علي هو الذي يدير دفة الحكم منذ مرض والدهما الذي توفي فيه، فالسلطان كان منصرفا إلى نفسه مع خاصته في مجالس القات والطرب، وقد أصبح مزواجا أملا في خليفة له، وأصبح خطرا يخشى شره بعد زواجه من ابنة الأمير أحمد يوسف بقوة السلاح، وهذا ما أرعب جميع الأمراء الذين فروا إلى عدن بمن فيهم علي عبدالكريم، ومن عدن بدأت تتجمع سحب المأساة في معركة (كسر العظم) بين السلطان والأمراء، وتظهر السلطات البريطانية على الخط في هذا المنحنى تقدم رجلا وتؤخر أخرى، لأنها تخشى من تطورات تقود إلى المجهول، بينما هي مطمئنة للمعلوم، فلحج هي بوابة عدن، وحدودها في خاصرة الإنجليز، فيما الأجواء السياسية ملغومة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تولى السلطان مهامه في يوليو 1947، وتعقدت أوضاع العائلة الحاكمة في مطلع الخمسينات بعد أن هرب السلطان فضل إلى تعز، وتولى أخوه علي مقاليد السلطنة في 5 يونيو 1952.

أما قصة الهروب فهي ذروة المأساة، فقد سجن السلطان الأمير أحمد مهدي بسبب إشاعة عن اجتماع تآمري مزعوم، ثم ألحق به عمه الأمير حسن بن علي (عم أحمد مهدي)، ويبدو أن فوبيا المؤامرات كانت قد تحكمت في عقله وسلوكه مضافا إليها مرض الزهايمر الذي زلزل ذاكرته ودهورها.. وقد بقي الأميران سجيني (القصر الحجري) ستة أشهر، وكان السلطان إذا ما جاشت نفسه وتذكر إصابته في عينه يخرج في ظلام الليل ليطلق النار باتجاه القصر الحجري، حتى قرر في إحدى الليالي استدعاء الأميرين بحضور قاضي لحج وهددهما بالقتل إن لم يكتبا اعترافا باشتراكهما مع أخيه علي عبدالكريم في تدبير مؤامرة لعزله، وقد أجهز على الأميرين في الليلة نفسها، وكان القاضي آخر من رآهما.

هنا جرى تجاوز جميع الخطوط الحمراء، فحين يسيل الدم تخرج جميع الوحوش والثعابين والعقارب من جحورها، و(المأساة - الملهاة) في الموضوع نسيان السلطان لعملية القتل، وحينما أكد له من يثق بهم من خلصائه ذلك استهول الجرم، وخرج هاربا إلى تعز ومنها لجأ إلى المملكة العربية السعودية.

ومن أغرب فعلات السلطان توجيهه للمدافع نحو القصر الحجري في حفل زفاف أخيه علي، وكان قد دعا إلى الحفل الإمام أحمد ووالي عدن وسلاطين المحميات وشيوخها، وتم قطع الكهرباء في مشهد سينمائي، حيث ذكر المؤلف حسن صالح شهاب، أن «النساء خرجن مرعوبات، تاركات أحذيتهن وشياذرهن في القصر، وقد عادت النساء اللواتي حضرن من عدن سافرات»، وكان المبرر شكه في وجود مؤامرة.

السلطان من مواليد 1901، ومعنى ذلك أنه عايش الحربين العالميتين بأهوالهما، وقد ورث عن أبيه 4 ملايين روبية، وهي ثروة عظيمة في زمانها، و3 قصور فخمة أعظمها قصر الشكر على ساحل صيرة.. كل عناصر التراجيديا موجودة، فأين الكتاب من ذوي الخيال المبدع؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى