القضية الجنوبية ومثلث برمودا

> محمد علي محسن:

> القضية الجنوبية للأسف لم يوجد لها تعريف محدد وحاسم لا في فكر وقاموس حملة راية القضية في الشارع ولا في رؤية وفهم النخبة السياسيـة والصحفية المؤيــدة والمناصرة، فكل يعرفها ويفهمها من مكانه وموقعه, وليس بحسب موقعهــا ومكانهــا كقضية جوهرية في الدولة الموحدة، لا أتحدث هنــا عن السلطــة ورفضهــا الاعتراف بوجود قضية جنوبية، لكن أجدني متحدثا عن السلطة كضلع موازٍ في العملية السياسية المحتدمة الجدل والفهم لماهية القضية، فلا يعني رفض الاعتراف بها من جهة الحكم إغفال اعترافه الضمني أو رؤيته المغايرة.

في كل مرة يتم فيها طرح القضية للنقاش أو الحوار أجد مقولة الدكتور جلال أمين، حاضرة بقوة, إذ كان المفكر الاقتصادي المصري قد شبه حالنا العربي في زمن العولمة بحال ثلاثة عميان وفيل، فكل من الثلاثة العميان وصف الحيوان الضخم وفقا لموضع يديه من أجزائه فواحد عرفه من ذيله وآخر من خرطومه أو قدمه، القضية الجنوبية على هكذا نحو من الفهم أو التعريف، بها من الثلاث الجماعات الملامسة لها بناء وتموضع من حركة الشارع، فأحزاب المشترك مثلا تعد المسألة الجنوبية في سياق منظومة سياسية تستدعى الإصلاح أو التغيير، أما على صعيد كل حزب فهنالك اختلافات عدة تجعل من الصعوبة بمكان الاتفاق حول صيغة جمعية لتعريف القضية الجنوبية باعتبارها مشكلة سياسية بدرجة أساسية، الحال ذاته يتطابق مع هيئات الحراك- النضال- الجنوبي، فرغم أن معظم قيادات ونشطاء الحق الجنوبي هم منشقون عن تكتل المشترك، وبالذات الحزب الاشتراكي إلا أن الناظر في مجمل ما يعتمل في الميدان سيخلص لحالة من التيه وفقدان البوصلة، وجميعها نتاج لغياب التعريف للقضية الجنوبية، التي وإن بدت محل إجماع كافة القوى المنطوية تحت مسمى واحد إلا أن هذا الإطار العام منقسم على نفسه لأكثر من مسمى وقيادة، وهو ما يعني وجود أكثر من جهة وخيار ومفهوم للقضية.

ثلاثة أضلاع رئيسة شكلت بدورها مثلث القضية الجنوبية، أول هذه الأضلاع السلطة المنتصرة في حرب 94م، فلولا إصرارها على معالجة القضيــة بعيدا عن أية التزامات سياسية لما وصلت الحالــة إلى مرحلة متأخرة، فيما الضلــع الآخر الشريك المهزوم في الحرب (الاشتراكي)، الذي كانت القضية أكبر من أن يحملها لوحده وفي ظرفية استثنائية كتلك التي أعقبت الحرب حتى الوقت الحاضر غير المواتي لحزب مازال يتعافى تارة وأخرى يعاود انتكاسته، وفي هكذا وضعية ما بين الاستفاقة والغيبوبة كان على الضلع الثالث الولادة وبأشكال متعددة من المسميات وليس آخرها أو أولها الهيئات والجمعيات والقيادات الرافعة للواء القضية الجنوبية.

ربما يقول البعض إن كافة القوى السياسية والاجتماعية مساهمة في الحراك وغير الحراك في مناصرة القضية أو ضدها في السلطة أو المعارضة في الداخل أو الخارج.. نعم توجد قوى أخرى خارج سياق هذه الثلاثية (السلطة والمعارضة والنضال الجنوبي)، ولكنها في المحصلة أكثرية تفتقر للقيادة الكاريزمية الميدانية وللتنظيم والوسيلة، وقبل كل هذه الأشياء الرؤية الفكرية الموصلة للغاية المنشودة، لايكفي الحديث عن وجود حق يستلزم النضال والتضحية، بل ما هو حقك وبرهانك ووسيلتك، الناظر إلى ما يجري سيجد القضية الجنوبية أشبه بذلكم الفيل الضخم والعميان الثلاثة.

فبعد هذه السنوات والقضية كل ينظر لها من الزاوية الموجودة فيها ومع تعدد الرؤى والأماكن تضخمت وزادت الخلافات حول ماهية الجنوب أو حقه، فعندما تكون القضايا الكبرى عرضه للاجتهادات والأهواء الشخصية فعلى الجميع تصحيح المسار، وهذا باعتقادي يبدأ بتعريف وفهم القضية الجنوبية من النواحي السياسية الجغرافية والاجتماعية.. إلخ، فمن دون رؤية واضحة ومحددة المعالم والأهداف تبقى كل المسارات محفوفة بخطر الوقوع في ذات المثلث البرمودي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى