الاعتذار فالتعويضات عن فترة احتلال بريطانيا لـ (عدن).. إلى من ينبغي تقديمها؟

> أديب قاسم:

> لنفرض، اعتبارا بمبادرة الصحفي الكبير الأستاذ (فاروق لقمان) في دعوته المنشورة في أحد أعداد صحيفة «الأيام» لمطالبة بريطانيا بتقديم الاعتذار ودفع التعويضات عن فترة احتلالها عدن ومعها أيضا مناطق جنوب اليمن فيما عرف وقتها بالجنوب العربي، لنفرض أن هذه القضية جرى تحريكها والدفع بها كي تصبح حقيقة، وعلى افتراض أن فترة الاستعمار البريطاني ليست من نوع جرائم الاستعمار بالمعنى الوحشي والدقيق كالتي مارسها الاستعمار الإيطالي ضد الشعب الليبي الشقيق طيلة 32 عاما، أو التي مارسها الاستعمار الفرنسي ضد الشعب الجزائري الشقيق طيلة 130 عاما، ولكن بحسب المقولة السياسية الشهيرة إن «الاستعمار البريطاني هو أرحم أشكال الاستعمار» لنقل نظير التبعات التي خلفها الاستعمار البريطاني طوال سنوات حكمه (129 عاما) منذ بدء احتلاله عدن، من حيث توقف حركة التقدم والنهضة في هذه البلاد التي تعاقبت عليها أشكال الاستبداد والظلم والقهر والمهانة حتى ما بعد رحيله، وهو ما أدى إلى تعطيل آلة الزمن، وانتهاءً بدخول عدن والجنوب في مربع الفقر والذل والتهميش والاستقلال الضائع.

ترى إذا ما فتح هذا الملف شأن الملف الإيطالي بجرائمه الاستعمارية وتقديمه الاعتذار والتعويض للشعب الليبي، وتقدمت بريطانيا باعتذار علني رسمي (وهو ما سبق أن رفضته في أثناء زيارة الملكة اليزابيث للهند)، لمن سوف يتم تقديم هذا الاعتذار، وهو ما يسمى في العرف الإنجليزي amende honorable ما يعني اعترافا رسميا بالإساءة مع اعتذار مذل يقدم إلى من أسيء إليه أو إلى من تعرض شرفه للإهانة.

كذلك التعويضات المالية وغيرها من استحقاقات فترة 129 عاما، ترى من هم مستحقوها؟

أهي حكومة الدولة الاشتراكية (سابقا)؟.. أم حكومة دولة الوحدة؟.. أم الأمراء والمشايخ والسلاطين؟.. أم الشعب؟!.

الحقيقة إن كل من أساء إلى عدن والجنوب إبان حكم السلاطين في السابق، كذلك إبان حكم الاشتراكي، أو حاليا إبان حرب 1994م وما خلفته من مآسي ما بعد الوحدة لم يتقدم ولو باعتذار (عادي) عما ألحقه بشعب هذه البلاد الجنوبية من جرائم قتل وسجن وتشريد وحرمان، وتدمير، واحتواء وإلغاء، واحتلال للآخر وإبعاد وتهميش عنصري، ونهب وسلب للأراضي والممتلكات وإفقار حتى العظم!.

فإذا كان الشعب الإنجليزي (البريطاني)John Boll* بحكوماته المتوجة برباط ملكي، والذي يمتلك كل مقومات الحضارة مدركا للأضرار التي تسبب بحدوثها، في حدود مستعمرته السابقة (عدن) وما جاورها من مناطق الجنوب- بكل ما لحقها من المآسي- فحتما لن يكون اعتذاره وتعويضاته مجرد تبادل للمصالح والمنفعة مع حكومة دولة اليمن، بل لابد أن يكون التزاما أخلاقيا وإنسانيا من قبل الجانب البريطاني، وفي هذه الحالة فإن فواتير الاستعمار ينبغي أن تدفع لشعب الأرض المستعمرة (أفرادا وتركيبا) يدا بيد، ولدى بريطانيا الكثير من الوثائق التي تتضمن هوية العنصر الذي عاش وعانى في كنف الاستعمار، وتبعات ذلك بما يتعرض له من معاناة لايزال يجر آثارها حتى الساعة.

من جانب آخر، عليها ضخ استثماراتها لترميم وإصلاح وتطوير البنية التحتية لـ(عدن) بالدرجة الأولى.. كإنشاء عدد من المساكن والمنشآت الخدمية والكهرباء والمياه وتغطية حاجات المستشفيات وغيرها.. وإنشاء شبكة من الطرقات، ومنها مد سكة حديد داخلية تشمل الجزء الذي خضع لإدارتها، وتقديم منح دراسة لطلاب من عدن وسائر مناطق الجنوب العربي (سابقا).. بل وفتح أبواب الهجرة أمام الإنسان العدني والجنوبي للارتزاق أو العيش في المملكة المتحدة.. وما هنالك من احتياجات لبرء الجراح الغائرة التي سببها الاستعمار البريطاني للشعب (الجنوبي) اليمني!.

وحبذا من ثم، لو أن بريطانيا في إطار علاقات الصداقة، اتخذت قرارا بالتعاون مع حكومة دولة اليمن لإدارة المنطقة الحرة عدن شأن (هونج كونج) و(مكاو)، وأكدت مواقفها من خلال المشاريع التجارية والاقتصادية والثقافية والسياحية، التي من شأنها توفير فرص عمل لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل لاسيما في عدن.. وعندئذ لنا أن نقول: شكرا بريطانيا.

(*) هي كنية الشعب الإنجليزي، وتعني الإنجليزي النموذجي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى