باستعادة الوحدة تزدهر الديمقراطية

> قاسم داود علي:

> تشهد الحياة السياسية العامة حالة من الجدل الذي تشتد سخونته كلما اقتربنا من الموسم الانتخابي القادم، حيث ترتفع درجة حمى الاختلافات والاتهامات المتبادلة بين مكونات المنظومة السياسية (سلطة ومعارضة وما بينها)، ويجري ذلك في وقت تشهد أوضاع وأحوال البلاد والعباد تدهورا عاما وخطيرا، وفي مختلف مجالات الحياة، تضرب في صميم الدولة والمجتمع، ولم تستثن شيئا.. البحر، البر، الأرض وما فوق سطحها وما في باطنها، نرى اليمن تنزلق وبوتيرة متسارعة، لانقول نحو المستقبل المجهول، وإنما ويا للهول نحو الكارثة!! التي تشير إليها وتدل عليها التطورات والأحداث التي تشهدها، وواقع الحال الذي نعيشه، وتؤكده التقارير والأبحاث وجملة المعطيات الخاصة بالحالة اليمنية.

لا أعني من هذه المقدمة للموضوع إرجاع المسئولية عن هذه الأوضاع إلى ما سمي بـ(الديمقراطية الناشئة)، التي قدر لها أن تصاب بأمراض وأعراض الشيخوخة وهي ماتزال تحبو، إذ إن حكما كهذا يجافي الواقع وتعوزه الحكمة والصواب.

اقترن تبني الديمقراطية بإعلان الوحدة السلمية والطوعية بين الشمال والجنوب عام 1990، والتي قامت على قواعد وأسس الحوار والشراكة والتوافق، وعدت رديفا للوحدة، وإحدى أهم دوافع وعناصر المشروع الوحدوي.

لذلك فإن الانقلاب على الوحدة ومشروعها ووثائقها واتفاقياتها ودستورها قد شكل في ذات الوقت انقلابا على الديمقراطية.

ولا ريب أن الوضع الذي تشكل بعد حرب 1994 العدوانية وعلى أنقاض وحدة مايو السلمية الطوعية وشراكة الجنوب، وتحت مظلة الوحدة المعمدة بالدم وعودة الفرع إلى الأصل والضم والإلحاق، وعبر عن إرادة ومصالح الطرف المنتصر في الحرب لايمكنه أن يكون حاملا وحاضنا لعملية ديمقراطية حقيقية أو أن يشكل عاملا إيجابيا فيها وملبيا لأسسها ومتطلباتها.

كان من بين أبرز النتائج الخطيرة للحرب هو أنها قوضت إمكانية بناء واستكمال وتشكيل منظومة مؤسسات الدولة الجديدة الموحدة ونظامها السياسي القائم على التعددية السياسية والحزبية باعتبارهما الأوعية التي أنيط بها مهمة حمل ورعاية الخيار الديمقراطي المستهدف والمشروع الوطني كله.

أما وقد ضربت الوحدة في الصميم وعطل مسارها باستباحة الجنوب الذي أخرج من المعادلة الوطنية بإلغاء شراكته في السلطة والثروة والقرار وبوسائل القوة والإكراه والغدر، فمن العبث وفي وضع كهذا البحث عن عملية ديمقراطية حقيقية ومتجدرة، إذ لايستقيم الظل والعود أعوج.

كان ولايزال الوضع يتطلب أولا وقبل كل شيء مواجهة هذه المعضلة الرئيسية، وهي استعادة الوحدة عبر تسوية وطنية تعيد للجنوب دوره وشراكته ومشاركته الكاملة، وتعالج نتائج الحرب وآثارها وتداعياتها وتلغي ما ترتب عليها، وتعيد للوضع الذي تشكل بعد مايو 1990 توازنه الطبيعي، وتضع أسسا سليمة وواقعية ومقنعة لكل الأطراف، تكفل بناء دولة الوحدة ونظامها السياسي التعددي بما يصون ويحفظ مصالح وحقوق شركاء الوحدة (الشمال والجنوب) ويوفر ضمانات كافية تحول دون تكرار ما حدث عام 1994 من حرب وانقلاب، وتحول دون أن يستقوي أي من الطرفين على الآخر.

إن مثل هذه الإجراءات والخطوات تعد ضرورية، ولها الأولوية لاستعادة الوحدة والديمقراطية، وتشكيل أساس للنجاح في المشاريع التنموية والتطويرية والتوجهات الإصلاحية العامة الأخرى.

إن معضلة الانتخابات البرلمانية القادمة والاختلاف السياسي القائم حول إجراءاتها وآلياتها والمشاكل والصراعات التي لازمت كل الدورات الانتخابية التي جرت ما بعد عام 1994 وتراجعها هي إحدى تجليات انتكاسة التوجيه الديمقراطي الذي يعود بدوره إلى أزمة الوحدة والتراجع عن مشروعها.

وبما أن القضية بهذا القدر من الوضوح فلماذا اللف والدوران حولها، وإضاعة المزيد من الوقت والجهد والطاقات، وإطالة أمد الأزمات والانقسامات ومعاناة هذا الشعب المغلوب على أمره؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى