بلاغ لممثلي الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بخصوص العقوبات ضد معتقلي كرش

> د.محمد علي السقــاف:

> لست من هواة الاستنجاد أو «الاستقواء بالخارج» حسب أدبيات السلطة، فهذه هي المرة الثانية منذ سنوات طويلة التي أتوجه فيها إلى ممثلي الدول المانحة وممثلي المؤسسات المالية الدولية لطرح موضوع عدم استقلالية القضاء اليمني واستخدامه كأداة بيد السلطة السياسية في محاربة خصومها السياسيين من مستقلين ومعارضة.

والقضاء هو أحد المجالات التي تسعى فيها بعض الدول المانحة كبريطانيا إلى إصلاحه، وتقديم دول أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا أوجها أخرى من الدعم لإصلاح القضاء وإحداث تقدم في مجالات حقوق الإنسان، ولكن للأسف لم يلمس المواطن ولا أفراد النخبة اليمنية وغيرها وجود تحسن وتقدم في هذا المجال، بل على العكس من ذلك يكتشف المرء- وأنا واحد منهم منذ تولي الدفاع كمحام عن المناضل حسن باعوم- مدى التفاوت الكبير الموجود بين بعض التشريعات التي ليست نموذجية في الحفاظ على حقوق المواطن والممارسات على أرض الواقع، إضافة إلى الحالة المزرية لأوضاع السجون اليمنية التي تسيطر على إداراتها ثقافة وعادات وتقاليد متجذرة في التخلف ولم تتغير منذ عصر الدولة العثمانية. ولعل الأخطر في كل ذلك عسكرة وأمننة القضاء والنيابة العامة بشكل خطير، إضافة إلى شمول هذه الظاهرة وانتشارها بين عدد من المحامين حسب تداول البعض بصوت خافت لهذا الجانب. وبناء عليه فإن الضمانات الدستورية والتشريعات الدولية لحقوق الإنسان لاتستطيع تأمين حقوق المواطن ضد الانتهاكات السلطوية. وهذا أمر خطير للغاية كما أوضحناه في الحلقة (3) من مقالنا في صحيفة «الأيام» بتاريخ 4-5/9/2008 (العدد5499) بعنوان (الدولة التي تدوس بقدميها على الدستور والقوانين والاتفاقيات المصادق عليها).

فإذا كان السيد رئيس الجمهورية قد اتخذ قرارا بالعفو الرئاسي بتاريخ 11 سبتمبر الماضي بإطلاق سراح 12 معتقلا من قادة الحراك الجنوبي وقرار إطلاق سراح العلامة محمد مفتاح تم الترحيب بهذه القرارات إلا أنها لاتمثل إلا رأس قمة الجليد، حيث القاعدة الواسعة من بقايا جبل الجليد تحتاج إلى جهود مكثفة في تغيير التشريعات المرتبطة بحقوق الإنسان والحريات العامة بشكل خاص والنظام القضائي، إلى جانب إعادة النظر في أعضاء السلطة القضائية والمحاكم لتتماشى مع المعايير الدولية في هذا النطاق. وهنا أطرح أمام القارئ وأمامكم قضية معتقلي كرش بمديرية القبيطة محافظة لحج، يتبين لكم من خلال هذا الطرح الغياب شبه الكامل- إن لم يكن الكامل- لاستقلالية القضاء اليمني ووقوعه تحت هيمنة السلطة السياسية والهيئات الأمنية من جهة، ومن وجهة أخرى غياب المساواة في تطبيق قرار العفو الرئاسي في التمييز بين الشخصيات (النجومية) لقادة الحراك الجنوبي وآخرين (وإن لم يشمل ذلك الصحفي الحر عبدالكريم الخيواني) ومعتقلي كرش الستة من المواطنين البسطاء من ناشطي الفعاليات السياسية للحراك الجنوبي الذين مايزالون يقبعون في سجن صبر المركزي بمحافظة لحج حتى كتابة هذه الأسطر. هل تعلمون أن عقوبة السجن التي حكمت عليهم تتراوح بين 3 سنوات إلى أربع سنوات ونصف السنة لأربع تهم وجهت إليهم، منها التهمة الأولى: ترديد وإذاعة دعايات مثيرة بقصد تكدير الأمن، هل تعرفون ماهو موضوعها؟ أنهم رددوا «ثورة ثورة ياجنوب» ومطالب بالاعتراف بالقضية الجنوبية .. عقوبة ذلك التي أصدرتها المحكمة السجن لمدة سنة للبعض وسنة ونصف السنة للبعض الآخر!.

نعود إلى التهم والعقوبات بعد قليل لنستعرض أولا بإيجاز وقائع القضية والتحيز الواضح والصريح لقاضي المحكمة، لنرى بعدها أسماء المعتقلين ومهنهم وأعمارهم والتهم التي وجهت لهم وعقوباتها.

أولا: وقائع القضية وموقف قاضي المحكمة

بعد الوحدة بين دولتي اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990م اتفق على شعار مسح آثار التشطير بين الدولتين بإجراء تقسيم إداري جديد، الذي لم ينفذ إلا بعد حرب 1994م بأربع سنوات، منها فصل مديرية الضالع من محافظة لحج باستحداثها كمحافظة ليسمح ذلك بإضافة عدد من المديريات من 3 محافظات من دولة ج.ع.ي (سابقا)، وعوضت محافظة لحج بإضافة مديريتين إليها من محافظة تعز ذات الكثافة السكانية، وهما (القبيطة والمقاطرة) وتم إلحاق كرش كعزلة هامشية بمديرية القبيطة، وبحكم ذلك لقلة عدد أبنائها لم يحظوا إلا بالفتات من الخدمات والمشاريع، وبسبب ذلك تحديدا شهدت عزلة كرش في الأول من أبريل 2008م مظاهرة غاضبة للشباب العاطلين الذين عادوا خالي اليدين من معسكرات الاستقبال لطالبي التجنيد العسكري بالجند وذمار، وبرر أمين عام محلي القبيطة الموقف بأن حصة مديرية القبيطة في التجنيد العسكري 50 حالة تسجيل، وهي قليلة جدا لأن القبيطة كثيفة السكان، لذلك من حينها يطرح سكان عزلة كرش مطلب فصلهم عن مديرية القبيطة وتأسيس مديريتهم المستقلة.

وفي 7 من الشهر ذاته (أبريل) خرجت مسيرة سلمية تؤكد على الطلب السابق، رافعة لافتات قماشية عنوانها (الاعتراف بالقضية الجنوبية والمساواة) وترديد شعار حسب ما ورد في حيثيات حكم المحكمة «ثورة ثورة ياجنوب» ووفق التغطيات الصحفية لأحداث 7 أبريل الماضي خاصة مانشره الصحفي الشاب أنيس منصور لصحيفة «الثوري» بتاريخ 18/9/2008م، حيث أشارت أنه بعد دقائق قليلة من انطلاق المسيرة «ارتفع دخان القنابل المسيلة للدموع عنان السماء واهتزت خدمات المباني بقذائف الدوشكا والبازوكا والرصاص الحي.. وتحولت مدينة وسوق كرش إلى معسكر للأمن المركزي» وفي اليوم التالي للحدث نشرت صحيفة «الوحدوي» بتاريخ 8/4/2008م أن محافظتي الضالع ولحج بدتا صباح الثلاثاء «أشبه بساحة حرب تعج بالدبابات والآليات العسكرية الثقيلة وتكتظ بجنود الأمن المركزي وقوات مكافحة الشغب» وجاءت الصورة في سرد الأحداث بشكل مغاير ومختلف في حيثيات حكم المحكمة، والأمر المريب هنا وجود ثلاث روايات متناقضة فيما بينها في سرد وقائع ماحدث يوم 7/4/2008م ، الرواية الأولى وفق محضر إثبات الواقعة المؤرخ في 7/4 والمرفق بملف القضية يتناقض مع محضر الضبط المرفوع من إدارة أمن المديرية المؤرخ في 7/4، في المحضر الأول حدد توقيت الحدث في الساعة الثامنة صباحا، وفي المحضر الثاني حدد توقيت الحدث في الساعة التاسعة صباحا.

رواية المحضر الأول: «إنه في تمام الساعة الثامنة من صباح يوم الإثنين الموافق 7/4/2008م بدأت حشود تنطلق من المناطق المجاورة لكرش، وكانوا يرددون هتافات تسيء إلى أمن الوطن ومعادية للوحدة. ومن تلك الهتافات (ثورة ثورة ياجنوب) واتجهوا إلى إدارة أمن المديرية وكانوا يريدون الدخول بالقوة وعند صدهم ردوا بالرجم بالحجارة على رجال الأمن مما أدى إلى حدوث إصابات بليغة في صفوف العسكر وتم إسعافهم إلى.. وهم الجندي علي أحمد عجلة و... وتهشم زجاجات (أحد) أطقم الأمن المركزي وكذلك زجاجات سيارة المواطن أكيد ناجي أحمد من أهالي كرش، كما قاموا كذلك بقطع الطريق العام خط عدن- تعز، وذلك بوضع أحجار على الأسفلت مما أدى إلى توقف حركة السير فيه، حيث استمر ذلك حوالي ساعة إلا ربع حتى تمكن رجال الأمن من تفريق المظاهرة وإلقاء القبض على عدد من المتظاهرين» (توقيع قائد الحملة رائد/غانم ناصر أحمد الحميدي/ورائد.../والرائد/...وختم وتوقيع مدير أمن القبيطة مقدم/ سمير عبدالله قائد).

رواية المحضر الثاني: «إنه في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الإثنين الموافق 7/4 في منطقة كرش تم ضبط المتهمين المذكورين في قرار الاتهام وهم..... أثناء قيامهم بقطع الطريق العام وإثارة الشغب والاعتداء على أفراد الأمن وترديدهم شعارات مخلة بالوحدة الوطنية، كما هو مبين في المحضر المرفق تحت توقيع قائد الحملة العسكرية رائد/غانم ناصر الحميدي، ورئيس قسم البحث الجنائي رائد ... وختم وتوقيع مدير أمن م/القبيطة ...».

الاختلاف والتناقض هنا مقارنة بالرواية الأولى أن ضبط المتهمين تم أثناء قيامهم بقطع الطريق العام وإثارة الشغب والاعتداء على أفراد الأمن العام، اختلاف التوقيت وتسلسل الوقائع يثيران الريبة، لأن الرواية الأولى ذكر فيها توجه المتظاهرين إلى إدارة الأمن ورغبتهم دخولها بالقوة فأدى منعهم إلى الرد على قوات الأمن برجمها بالحجارة، بينما في الرواية الثانية تبدأ وقائعها أثناء قيام المتهمين بقطع الطريق العام بدءا من الساعة التاسعة ..إلخ.

مخالفات المحكمة وقاضيها:

- في إشارات المحكمة إلى تشريعي العقوبات والإجراءات الجزائية لعام 1994م، سميا بقانون الإجراءات الجزائية وقانون الجرائم والعقوبات، في حين أنهما صدرا في شكل قرارين جمهوريين بقانون، وهو مايتناقض مع مبدأ شرعية الجرائم العقوبات. وقد يعذر القضاء والمحكمة إذا كانت وزارة الشؤون القانونية في إصداراتها للأعداد الخاصة ببعض القوانين تقع في الخطأ مثل تسميته على الغلاف وفي أسفل الصفحات الداخلية ( قانون الإجراءات الجزائية) طبعة سبتمبر 2003م بدلا من القرار الجمهوري القانون!.

-خطأ مطبعي في الصفحة الأولى من الحكم بتوقيت الحدث في 4/7/2008م بدلا من 7/4/2008م وفي تسمية المتهم الثالث من قبل النيابة العامة في الصفحة الأولى عبد سركال محمد فضل، بينما جاء اسمه في منطوق الحكم عبد سركال محمد مقبل (بدلا من محمد فضل) !!

-مسئوليات قاضي المحكمة: برفضه تسليم ملف القضية ومنطوق الحكم لهيئة الدفاع قرابة شهرين للطعن بالحكم الابتدائي بطريق الاستئناف حتى جاءت فترة الإجازة القضائية.. هذا جانب وجانب آخر استناد القاضي إلى المادة (15) من القانون رقم (29) لسنة 2003 بشأن المظاهرات والمسيرات لمعاقبة المتهمين كعقوبة شهرين حبس في حين هذه العقوبة لمن «دعا أو نظم مظاهرة أو مسيرة خلافا لأحكام هذا القانون».

بينما المتهمون كانوا في الأساس مجرد أشخاص شاركوا في مظاهرة خلافا لأحكام هذا القانون، ولم يكونوا هم الجهة من نظم أو دعا إلى المظاهرة (المادة 11 من القانون) وعقوبة المشاركين الحبس لمدة لاتزيد على 15 يوما! وتوجه القاضي مثل بقية القضاة إلى تفضيل عقوبات السجن عند تخييرهم من قبل المشرع بين السجن أو فرض غرامة مالية!!

ونكتفي بهذا القدر من الإشارات لننتقل الآن إلى استعراض أسماء المعتقلين ومهنهم وأعمارهم والتهم التي وجهت لهم وعقوباتها.

ثانيا : المتهمون/ التهم/ العقوبات

1- المتهمون : اتهمت النيابة 9 أشخاص، اثنان منهم من العاطلين عن العمل واثنان ينتميان إلى الجيش وطالبان والبقية من أصحاب المهن البسيطة: عامل/سواق/ مزارع، أعمار خمسة منهم مابين 19 سنة إلى 26 سنة، والأربعة الآخرون من 35 إلى 60 عاما، وغالبيتهم من القرى، لكنهم جميعا من عزلة كرش.

2- التهم: وجهت إليهم أربعة تهم هي كالآتي:

(أ) التهمة الأولى: ترديد وإذاعة دعايات مثيرة وعبارات مغرضة، وذلك بقصد تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وذلك لأن المتهمين رددوا شعار (ثورة، ثورة ياجنوب)، وطالبوا في هتافاتهم بـ«تأسيس مديرية كرش مستقلة، والاعتراف بالقضية الجنوبية».. ليس من الواضح أن الهتاف بـ «ثورة، ثورة ياجنوب» يمس بأمن اليمن والوحدة، بينما المقصود من ذلك الشعار مطالبة أبناء الجنوب باسترداد حقوقهم المسلوبة وثروتهم المنهوبة وأراضيهم المصادرة لصالح قلة من المتنفذين. فهل أولئك يعتبرون وحدويين، والمطالبون بحقوقهم هم أعداء الوحدة.. متناسين أن الجنوب هو الأول المبادر إلى الوحدة منذ فترة الاستعمار البريطاني، وليس الآخرون.

ونود الإشارة هنا إلى أن إعلانات كالإعلان الفرنسي عام 1789 لحقوق الإنسان والمواطن أباح الحق في مقاومة الاستبداد، ونصت الفقرة الثالثة من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 بأنه «ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم».. أما بخصوص مطلب المديرية المستقلة لكرش كأحد عناصر التهمة الأولى من الغريب أن رئيس الجمهورية قد وجه بإعادة النظر في التقسيم الإداري لمناطق كرش أثناء لقائه مشايخ كرش، الذين أكدوا مطلبهم مجددا عند التقائهم يوم 5/9 الماضي اللجنة الخاصة بالتقسيم الإداري، لماذا لم يؤخذ ذلك كتهمة ضدهم ويعاقبون عليها؟!.. وجاءت عقوبة التهمة الأولى بالاستناد إلى المادة (136 عقوبات) بالحكم على جميل هزاع، وشكيب علي سالم محمد، ومحمود سالم المحذوقي بالسجن لمدة سنة مع النفاذ، وسنة ونصف حول التهمة الأولى نفسها على كل من عبد سركال محمد مقبل، وهشام محمد صالح محمود مع النفاذ، وعبدالله فارع يحيى بالسجن لمدة عام مع النفاذ.

(ب) التهمة الثانية: التعدي بالقوة على موظف عام، والمقصود بذلك التهمة التي وجهت للمتهمين بقيامهم برجم رجال الأمن بالحجارة، وكأن رجال الأمن تعاملوا مع المتظاهرين بحنية بالغة بأن ردوا عليهم برجمهم بالفل والكاذي المشهورين في لحج.. لماذا جاء التوقيع على المحضر الثاني من قبل ما سمي بقائد الحملة العسكرية؟ مما يؤكد مشاركة الجيش لقوات الأمن في قمع المظاهرات والمسيرات السلمية باستعمال قذائف الدوشكا والبازوكا والرصاص الحي، بل واستخدام الدبابات والآليات العسكرية الثقيلة، وعقوبة هذه التهمة - بالاستناد إلى المادة 171/2 عقوبات - الحكم بالسجن لمدة سنة ونصف على كل من جميل هزاع، وشكيب علي سالم، ومحمود سالم عبدالله المحذوقي، وبالسجن سنتين على عبد سركال محمد مقبل، وهشام محمد صالح حمود، في حين حكم على عبدالله فارع يحيى العبد لمدة سنة بالنسبة للتهمة الثانية.

(ج) التهمة الثالثة: الإضرار بالمال، والمقصود بذلك تهشيم زجاجات أحد أطقم الأمن المركزي.. وبالاستناد إلى المادة 321 عقوبات، تم عقاب المتهمين الثلاثة السابقين (جميل هزام، وشكيب ومحمود سالم) بالسجن لمدة 6 أشهر، بينما حكم على المتهمين التاليين عبد سركال وهشام محمد صالح بعقوبة السجن لمدة 8 أشهر، والمتهم عبدالله فارع بالسجن لمدة 6 أشهر، بسبب إلحاقهم أضرارا مادية للممتلكات العامة والخاصة، من خلال اتهامهم بتكسير زجاجات أحد الأطقم، اعتبرها القاضي تستحق العقوبة بالسجن بين 6-8 أشهر، لأنها من الممتلكات العامة، في حين تهشيم سيارة أحد المواطنين حكم على المتهمين بدفع مبلغ 20 ألف ريال قيمة (فريم) مع إصلاح السيارة الخاصة بالمجني عليه أكيد ناجي.. فهل يعقل مساواة سجن 6-8 أشهر بمبلغ التعويض 20 ألف ريال؟! أليس من مسؤولية الأجهزة الأمنية توفير شباك واقية أمام زجاج الأطقم لحمايتها، أم أن إهمال تلك الأجهزة وسائل الحماية يسمح لها باستغلال مادي أوعقابي للطرف المتهم لتبرئة نفسها من التقصير؟!.. أليس مثيرا قيام السلطة بإشعال حرب 94م ضد الجنوب ثم التوجه إلى المجتمع الدولي بطلب مساعدته لدفع ما قدرته من خسائر الحرب بمبلغ 11 مليار دولار، ومطالبة الدول المانحة المساهمة في إعادة إعمار صعدة لحرب خامسة هي أشعلتها؟!.

(د) التهمة الرابعة: بخصوص الاشتراك في مظاهرة ومسيرة خلافا لأحكام قانون تنظيم المسيرات، وبالاستناد إلى المواد (4/10/13/15) من القانون حكم على المتهمين المذكورين بعقوبة السجن لمدة شهرين المنصوص عليها في المادة (10)، بينما كما سبق إشارتنا إليه فإن المادة (10) تتعلق بمن دعا أو نظم مظاهرة أو مسيرة خلافا لأحكام القانون، في حين وصف القاضي نفسه في منطوق الحكم على التهمة الرابعة أنها تتعلق بالاشتراك في مظاهرة، وفي هذه الحالة كان من المفترض تطبيق نص المادة (11) من القانون التي تعاقب كل شخص اشترك في مظاهرة... خلافا لأحكام القانون ولم يستجب لأوامر رجال الشرطة بالتفريق بالسجن مدة لا تزيد عن 15 يوما أو غرامة لاتزيد على 5 آلاف ريال. ولولا أن قاضي المحكمة متحيز للاعتبارات الأمنية ولموقف الأمن من أفراد الحراك السلمي الجنوبي لكان بإمكانه أن يكتفي بالعقوبات المنصوص عليها في قانون المظاهرات والمسيرات، ولأنه يريد مع السلطة كبح جماح الحراك ومعاقبة نشطائه أشار في التهمة الرابعة إلى المادة (15) من قانون المسيرات الذي ينص في فصل العقوبات على أن «لاتخل العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون بأي عقوبات أخرى أشد منصوص عليها في القوانين الأخرى النافذة» وبموجب هذا النص دخل إلى القرار الجمهوري بقانون الخاص بالجرائم والعقوبات لعام 94م ليمكنه هو والنيابة العامة من الابتكار وفرض عقوبات مشددة عليها كموضوع إطلاق دعاية وشعارات ضد الوحدة الوطنية، ولهذا لم يكن غريبا أن تحصد المجموعة الثانية تشديدا في العقوبات حول التهم نفسها وهما عبد سركال محمد مقبل (ضابط في الجيش) وهشام محمد صالح حمودة (جندي متقاعد) عقوبات بالسجن أربع سنوات وأربعة أشهر مقارنة بالمجموعة الأولى ثلاث سنوات وأربعة أشهر، والأخير عبدالله فارع سنتين وعشرة أشهر.

وفي باب سوء حالة السجون وممارسة التعذيب أشار المتهم شكيب علي سالم أنه تعرض للسب والضرب وكذا هشام محمد صالح حمود وتعذيبهم من خلال التجويع بإعطاء المتهمين أربعة أقراص خبز وعدد المحتجزين في الحجز 20 سجينا!!

والخلاصة: نقول لممثلي الدول المانحة إنكم لو حصرتم اهتمامكم على محاربة ما تسمونه بالإرهاب والقاعدة فإن وضع رؤوسكم في الرمال كالنعامة عن حال القضاء اليمني وحالة السجون والتشريعات المخالفة لحقوق المواطن فإنكم بذلك حتما ستضاعفون أعداد من تسمونهم بالإرهابيين، وتكاثر أعداد المتعاطفين مع القاعدة، وربما أعداد أعضائها.. هل نسيتم ما جاء في المبادرة الأمريكية ثم الأوروبية لتصبح مبادرة الشرق الأوسط الكبير أنكم شخصتم تنامي أعمال العنف فيها يعود إلى نهب أنظمتها الاستبدادية ثروات شعوبها التي ترى في استمرارية تلك الأنظمة حصولها على دعمكم وحمايتكم لها؟ فهل آن الأوان أن تفيقوا أو تولوا الاهتمام في صرف دعمكم ومساعداتكم لإصلاح القضاء والقضاة والسجون بشكل جذري، ورقابة أكثر حزما؟ هل بالإمكان في طريق الإصلاحات العمل مع الحكومة للتوصل إلى إطلاق المعتقلين في السجون، لأن غالبيتهم اعتقلوا بتعليمات وخارج الأطر الدستورية والقانونية؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى