ما بعد الإفراج

> د. عيدروس نصر ناصر:

> كثيرة هي الاتصالات التي تلقيتها من عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية الحكومية وشبه الحكومية التي تطلب مني تعليقا على إطلاق سـراح المعتقلين السياسيين، وكنت أعرف أن ما يطلبه الأخوة الصحفيون هو ليس ما يتناول حقائق وملابسات وحيثيات الاعتقــال الذي سبق إطلاق المعتقلين، بل إنهم يبحثون عن ما يشبع رغبات رؤسائهم من عبارات الشكر وآيات الثنــاء والإعجــاب والاستحسـان، وهو أمر لايمكن أن يصدر عن كل من يبحث عن العدل وإحقاق الحق ونصرة المظلومين وتثبيت حكم القانون.. لذلك فقد حرصت على التنبيه بأن ما سأقولــه قد لايعجب من أرسلهم للاتصــال بي، لكن بعضهم أصر على أن يأخذ مني تصريحا حتى وإن لم يتضمن ما يبحث عنه من أرسلهم، وعلى كل حال لم تقم أية صحيفة كمـا لم يقم أي موقع إلكتروني ممن اتصل بي صحفيوهم بنشر شيء مما قلته.

لذلك حرصت على أن أقطع الطريق على باقي الصحف والمواقع الإلكترونية الحكومية وشبه الحكومية من خلال إيضاح ما قلته وما سأقوله لأي صحفي سيطلب رأيي في قضية إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وحرصا على حق القراء الكرام الذين يفترض أن يكونوا قد اطلعوا على هذا الرأي في الصحف والمواقع الحكومية وشبيهاتها من خلال الآتي:

- إن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين جرى اعتقالهم على خلفية نشاطهم الاحتجاجي السلمي والقانوني أو كتاباتهم الصحفية أو نشاطهم الثقافي والفني هو تصحيح لخطأ سياسي وأخلاقي ارتكب في حق هؤلاء الناشطين السياسيين، وكنا نتمنى أن يتم تصحيح هذا الخطأ فور وقوعه بدلا من التنكيل بهؤلاء الناشطين فترة استمرت أكثر من خمسة أشهر بالنسبة للبعض في ظروف غاية في القسوة والعزلة، بل كنا نتمنى أن لايحصل مثل هذا الخطأ في الأساس، لأن تصحيح الخطأ بعد ارتكابه لايمكن أن يتساوي مع عدم ارتكابه بأي حال من الأحول.

- إن تصحيح هذا الخطأ لن يكتمل إلا بتعويض ضحايا هذه الإجراءات الحمقاء التي ارتكبتها وترتكبها أجهزة الأمن ضد الناشطين السياسيين، وذلك من خلال التعويض المادي والاعتذار العلني عما ألحقته بهم هذه السياسة غير الرشيدة وغير المسئولة من أذى معنوي وجسدي ونفسي.

- كنت أتمنى أن تتجه الأجهزة الأمنية- وما أكثرها في بلادنا- إلى ملاحقة القتلة والمجرمين وقطاع الطرق ولصوص المال العام وما أكثرهم، بدلا من مطاردة الناشطين السياسيين الذين لم يرتكبوا ما يلحق أي أذى بالبلد، أما هؤلاء فقد كان ينبغي تكريمهم، لأنهم يكشفون للسلطات أخطاءها مجانا ويدلونها على الطريق الصحيح في إدارة شؤون البلاد.

- إن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لايسقط حق أي منهم في مقاضاة الجهات والأفراد الذين تسببوا في انتهاك القانون من خلال اقتحام منازلهم في أنصاف الليالي وإثارة الرعب بين النساء والأطفال، ثم الاعتقال غير القانوني والإخفاء القسري لهؤلاء الناشطين لعدة أشهر دونما أي تهمة أو أمر قضائي.

- إنني أتمنى أن تكون حماقة اختطاف الناشطين السياسيين وإخفائهم شهورا كاملة قبل إطلاق سراحهم بعد معاناة جسدية ونفسية شديدة هي آخر صور الانتهاك لحقوق الناشطين السياسيين، وأن تكف الأجهزة الأمنية عن الاعتقاد بأن السخط من السياسات الرسمية وعدم الرضا عنها لن يتم إخماده إلا بالتنكيل والقسوة والقهر والإكراه، وبدلا من ذلك يتم الاتجاه إلى المعالجة العملية والعلمية لجذور المشكلات وليس لنتائجها.

- وأخيرا إن اعتقال هؤلاء الناشطين السياسيين ثم إطلاق سراحهم بعد أشهر من الإخفاء والتنكيل والانتهاك لحقوقهم الشرعية والقانونية لاينبغي أن ينسينا الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت في كل من عدن وردفان والضالع وطور الباحة وحضرموت وغيرها من مناطق اليمن، ولا أن ينسينا القضية الأساسية التي تقف وراء كل هذا، وهي القضية الجنوبية المتصلة بالأرض والإنسان والتاريخ والثروة والانتماء والهوية، لذلك سيكون من الحكمة استكمال خطوة الإطلاق من خلال الكشف عن المتسببين بقتل شهداء الحراك السلمي، وتقديمهم للقضاء العادل ليأخذ العدل مجراه، ومن ثم الإقرار بوجود القضية الجنوبية كمدخل لحل كل ما يترتب على ذلك من تفرعات.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى