نعوش الموت..!!

> د. عبدالباري دغيش:

> تباعا ودون انقطاع تُبحر (نعوش الموت) من سواحل الصومال، بحمولتها البشرية الثقيلة صوب ما يعتقد أنها شواطئ النجاة هروبا من جحيم الحروب والمجاعات اللانهائية، وهروبا من جحيم القتل المجاني بدم بارد.

ها هم البشر الذين تتهدد حياتهم مخاطر الجوع والخوف كمتلازمة موت بطيء متواصل في أوطانهم، لم تعد تهمهم أو تخيفهم في سعيهم للنجاة احتمالات الكارثة، ولا أين وكيف يموتون؟، أفي البراري والصحاري عطشا، أم في عرض البحر والشواطئ غرقا، أم على عتبات أبواب الجيران تسولا وتوسلا، أم في مقالب النفايات حرقا!.

طالما وأن الظروف الوطنية لبعض جيراننا في القرن الأفريقي توحشت، وأصبحت لا توفر لهم سوى خيارين إثنين للموت (جوعا أو قتلا)، يجب أن نتوقع نحن في دول الجزيرة والخليج أن يرن جرس البيت مرارا وتكرارا وفي أية لحظة من ساعات الليل أم النهار..سيكون خلف الباب أناس يسألونك المساعدة، ولن يكون بوسعك عندئذ النوم أو الحياد أو الاعتذار.

يجب أن تصنع شيئا ما حينئذ، لذلك على الأغنياء أن يلتفتوا للفقراء ومشاكلهم إما لوجه الله أو دون ذلك، حماية للسلامة والسكينة، فلا يمكنك أن تؤمن أو تأمن وجارك جائع، ولا يمكنك أن تدعي الصحة وجارك مريض، فالأسوار العالية والحصينة وإن كانت ضرورية لرد الطامعين وصد المبتزين، لكنها لوحدها لن تكون كافية لرد الجائعين الخائفين، فلكي نحمي أنفسنا علينا أن ننظر إلى أبعد من أرنبات أنوفنا، وأن تتجاوز نظراتنا البحر إلى الضفاف الأخرى:كيف يعيش جيراننا هؤلاء؟..وما هي مشاكلهم؟.. وما الذي يدفعهم لركوب البحر والمغامرة بحياتهم؟..لابد أن لديهم أسبابهم الوجيهة الواجب بحثها والتعامل معها لا التعامي عنها.

إن الأمن القومي لليمن ولدول مجلس التعاون الخليجي مترابط ومتداخل ومتبادل التأثر والتأثير مع أمن منطقة القرن الأفريقي جنوبا، وأمن العراق وإيران شرقا، وأمن بلاد الشام وتركيا شمالا، وأمن مصر والسودان غربا..فهل يمكن أن نعي ونتعاطى إنسانيا ودينيا وأخلاقيا وسياسيا واستراتيجيا مع حقائق وعلائق الجغرافيا والتاريخ؟.. لقد قدم إلى الجزيرة العربيــة أبرهة الأشرم من القرن الأفريقي وبأذان من الشرق، وإليــاس جاليوس من الشمــال، ومحمد علي من الغرب.. وفي عالمنا الذي تتقارب حدوده وتضيق فضاءاته مثلما تقتحم الصور والأصوات غرفة نومك سيقتحم الآخر سكونك عنوة، وستقف حائرا لا حول لك إلا أن تشتري سكونك وهدوءك.. فلتعملوا ذلك قبل أن يصلوا إليكم!! وذلك بوسع القادرين المقتدرين أينما كانوا في الجزيرة والخليج أوغير ذلك..لنعمل جميعا على حل مشاكلهم هناك في القرن الأفريقي لنعمل على مساعدتهم لحل مشاكلهم هناك في أوطانهم لنجبرهم - إن استدعى الأمر-ولنذهب إليهم بـ( مشروع مارشال عربي!).. أليسوا إخوتنا؟.. أليسوا طائفة منا؟.

إن الجوع والخوف مظاهر طاغية وقاهرة، وتلبيتها ضرورات حياتية إجبارية تسوق البشر غريزيا كالقطعان، فلا يمكن تأجيلها كدوافع البحث عن الرفاهية والعيش الرغيد، أو دوافع البحث عن العلم والمجد والتوسع والسيطرة.

ثم ألا يجب أن نكون نحن وإخوتنا في القرن الأفريقي كالجسد الواحد أو كالبنيان المرصوص؟.. فلنعمل إذن على تلبية حاجات الجائعين والخائفين إن كنا حقا مسلمين ومؤمنين، وإلا فإن القرن الذي ليس بوسعه النطح سينغرس في أجسادنا عنوة، فوالله لا يأمن متخم النوم وجاره يتضور جوعا.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى