قراءة في كتاباته في مشواره الصحفي ..العميد باشراحيل و«الأذكياء» .. لأبي الفرج بن علي بن الجوزي

> نجيب محمد يابلي:

> حقا لقد كانت المصادفة جميلة وأنا على تخوم إعداد موضوعي المطول عن جوانبمعينة من كتابات العميد محمد علي باشراحيل عبر مسيرته الصحفية النيرة، إذ وقع بيدي كتاب «الأذكياء» لابن الجوزي، ووقع نظري بداية على الباب الأول: ذكر فضل العقل.. جاء فيه:

«عن ابن عباس أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فقال: يا أم المومنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده، وآخر يكثر قيامه ويقل رقاده، أيهما أحب إليك؟ قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني عنه، فقال: أحسنهما عقلا.. قلت يا رسول الله: أسألك عن عبادتهما، فقال: ياعائشة إنما يسألان عن عقولهما، فمن كان أعقل كان أفضل في الدنيا والآخرة».

عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجبوا بإسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله».

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول شيء خلقه الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة، ثم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟، قال: اكتب مايكون وماهو كائن إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل، وقال: «وعزتي لأكملنك فيمن أحببت، ولأنقصنك ممن أبغضت».

اقتضت الأمانة العلمية أن أعطي الرجل حقه، والشواهد أمامي لاحصر لها، وجلها يؤكد بأن العميد محمد علي باشراحيل دأب على الدوام على ترجيح عقله في أقواله وأفعاله، وهاهو باشراحيل يطل على قرائه يوم 9 ديسمبر 1958م، (أي قبل نحو نصف قرن) من نافذة «يسألونك»، وورد في إجاباته عن أسئلة عبدالرب أحمد علوان وشوقي عبدالرب حسن:

«أجل أنا من أبناء عدن.. وطبعا أنا في عدن من زمان..

عمري أربعون سنة، ولي خمسة أطفال.. درست الصحافة كمهنة وواجب ورسالة في مدرسة الحياة، ومن التجارب العديدة التي عشتها في صفوف الشعب»..

أطل العميد باشراحيل من النافذة نفسها على سؤال القارئ نبيل عبدالعزيز: «كيف استطعت أن تخلق من نفسك صحفيا ناجحا مع أنك كنت مجهولا في الصحافة؟». وجاء رد العميد: «إن العمل المتواصل في خدمة الصحافة ثلاث سنوات ونصف السنة يكفي لكي يخلق في المشتغل بهذه المهنة صحفيا ناجحا، إذا ما آمن بعمله لا كمهنة فحسب، بل ورسالة أيضا».

أسبغ الله على العميد باشراحيل نعمة العقل، لأن واقعنا على المستويين الوطني والقومي زاخر بالمزايدات والشطط والشطحات التي أحالت مجتمعنا إلى حطام. أقف أمام هذه العينة التي تمثلت بجملة أسئلة قدمها خالد سعيد يحيى من المعهد الفني بالمعلا، ومنها سؤال يتعلق بخوض المعركة الانتخابية، فجاء رد باشراحيل:

«إن المجلس التشريعي هو نواة البرلمان، ووجوده ظاهرة لازمة لنظام الحكم الديمقرطي، فالشعب يحكم عن طريق نوابه المنتخبين، وأنت تعرف المكاسب التي يجنيها الشعب من حكم نفسه بنفسه بواسطة نظام ديمقراطي.. وعدن تحكمها الآن حكومة استعمارية ولم يكن نظامها يكفل لها أن تعبر عن رأيها في دفة الحكم وتشارك فيه، ولكن النظام الحاضر يسمح بإشراك الشعب في الحكم نسبيا، الأمر الذي يتيح للقوى الشعبية أن تسيطر على الموقف بالتدريج ويجعلها تقرر مصيرها بالطرق الملائمة لأمانينا القومية في التحرر والوحدة».

(«الأيام» - 1958/12/5م - يسألونك)

وفي الباب نفسه من العدد السابق نفسه وجه القارئ حسين عبدالله (من عدن) سؤاله للعميد: «لماذا لا تحتج في المجلس التشريعي على سيل المهاجرين وتطالب بإجلائهم؟»، فجاء رد العميد على هذا النحو:

«إن المهاجر إلى أي بلد ليس له الحق في اكتساب حقوق دستورية إلا إذا استوفى الشروط اللازمة من حيث مدة الإقامة والسلوك، وإلا إذا تقدم بطلب اعتراف الدولة به كمواطن له حقوق وعليه واجبات، أما إذا ارتضى العيش في بلد يعتبر فيه موطنا فهو عرضة للقوانين المعمول بها هناك وليس للمجلس التشريعي دخل في إجلائه».

حمل العدد المذكور نفسه سؤالا قدمه القارئ محسن العيدروس هذا نصه: «أجب بكل صراحة: هل استطعت أن تحقق الوعود التي بذلتها للناخبين في انتخابات المجلس البلدي.. إن عاما قد مضى الآن على تلك الانتخابات فما هو المدى الذي قطعته في تحقيق ماتعهدت به للشعب العدني؟».

رد العميد باشراحيل: «اسمح لي أولا أن قول لك بأن كلمة (شعب عدني) تسمية في غير محلها، إننا في عدن جزء من شعب واحد هو الشعب العربي.. أما فيما يتعلق ببقية سؤالك فإن مايبدو لي منه أنك لم تكن مطلعا على ما كتبته في الانتخابات الماضية.. إنني لم أقدم وعودا كما أشرت، غير أني قلت للناخب إنه إذا منحني ثقته فسأقوم بخدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، ولقد مضت على تلك الانتخابات المشار إليها تسعة أشهر.

وأعتقد أنني برهنت خلالها على صدق ما وعدت به، ولك أن تسأل غيري إن كنت لاتعلم، لأنني أكره التطبيل والتزمير لما قمت به، باعتباره جزءا من واجبي الذي يجب أن أعمله في صمت دون أن أمُنّ على الشعب».

العميد باشرايحل وقراءة ذكية في الشأن اليمني

في مرجع سابق لـ «الأيام» (16 ديسمبر 1958م) وفي باب «يسألونك» أجاب العميد باشراحيل عن سؤال للقارئ عبداله عبده ثابت: «مارأيك بزعيمي اليمن الزبيري والنعمان هل يخدمان القضية اليمنية؟».

أجابه العميد: «الذي أعرفه عن الزبيري والنعمان عندما قدما إلى عدن وأسسا الجمعية اليمنية الكبرى أنهما طليعة الحركة اليمنية التحررية في اليمن، والحركة منذ ذلك العهد مرت بأطوار عديدة ومختلفة، تعرض الأستاذ نعمان بصددها للنقد العنيف، ويظهر أن مجال النشاط حيث يعيشون الآن ضيق الأفق لعوامل خارجة عن إرادتهم، ولا أحب أن أبدي رأيي في سؤال خطير كهذا قبل أن تتوفر لدي الأسباب التي تقنعني بصوابه».

بالعودة إلى القارئ شوقي عبدالرب حسن («الأيام» - 9 ديسمبر 1958م) الذي وجه سؤالا للعميد في باب «يسألونك» : «مارأيك في الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة؟».

أجابه العميد: «خطوة ظاهرها يدعو إلى التفاؤل، ولكن العبرة بالعمل لا بالقول.. إن الأوضاع في اليمن سيئة، وحالة الشعب العربي هناك تدعو إلى الرثاء والحسرة! والمطلوب هو تغيير هذه الأوضاع الفاسدة جذريا وبصورة سريعة حاسمة، فهل يقبل حكام اليمن الاندماج الكامل مع الجمهورية العربية المتحدة إذا كانوا حقا يرومون التضحية وانكار الذات.. هل يقبلون هذا الاندماج بـدلا من الاتحاد على الورق فقط؟».

ونحن أمام هذه القراءة الصائبة للعميد عن الأوضاع في المملكة المتوكلية اليمنية ووريثتها الجمهورية العربية اليمنية، وريثة الجمهورية اليمنية (التي توارت في 7 يوليو 1994م) لتعود أوضاع الجمهورية العريبة اليمنية بكل أدرانها ومساوئها لتشمل الشمال والجنوب.

العميد باشراحيل يضيق ذرعا بحالة الطوارئ

تناول العميد في «كلمة اليوم» في العدد الصادر في 10 فبراير 1959م جاء فيها: أن أية حكومة يقع على عاتقها سن النظم والقوانين، والهدف من ذلك حماية الشعب وممتلكاته ومصالحه العامة. وتطرق العميد إلى الحوادث المؤلمة التي دفعت بالسلطات إلى إعلان حالة الطوارئ في 3 مايو 1958م، وكان آخر تلك الانفجارات (التي شهدتها عدن) في شهر يوليو من العام الماضي، وفي أغسطس من العام نفسه تم القبض على المشتبه بهم وقدموا للمحاكمة، وصدرت الأحكام بحقهم وعادت السكينة إلى عدن، وتطبعت الأوضاع، ومضى على ذلك ستة أشهر ولا مبرر لبقاء حالة الطوارئ، باعتبارها العقبة الكأداء التي تعيق حرية الصحافة، والذي «يشكل مصدرا من الجو الخانق والرعب المخيف لايمكن التخلص منه إلا برفع حالة الطوارئ حالا».

الخلط بين الخبر وسياسة الصحيفة والمجلس البلدي والمجلس التشريعي

العميد الذكي باشراحيل تألق وتجلى في (كلمة اليوم) الموسومة بـ «بوادر لاتسر» التي نشرت في «الأيام» بتاريخ 5 مايو 1959م.

حيث أشار إلى الخلط الذي وقع فيه (مخبر الكفاح) ذلك عندما نشر باشراحيل مقالة باللغة الإنجليزية في صحيفته الأسبوعية الـ (ريكوردر) RECORDER، ونشر «الأيام» لتلك التصريحات، ويوضح العميد باشراحيل:

«إن نشر الخبر شيء ليس له علاقة بسياسة الصحيفة وليس كل ما ينشر في صحيفة ما يعتبر معبرا لسياستها، إن المقالات الافتتاحية هي التي تعبر وحدها عن سياسة الصحيفة».

يوضح العميد: «إن مقالي في الريكوردر يعالج موضوع المجلس البلدي والمجلس البلدي هو الحكومة المحلية، أي حكومة الشعب، بينما المجلس التشريعي هو جزء من الحكومة المركزية، وهي في بلدنا ليست حكومة شعبية ولكنها حكومة استعمارية».

يمضي العميد في توضيحه: «إن أي وضع مهما كان حظه من الارتقاء لا يخلو من العيوب.. وإذا وجدت عيوب في المجلس البلدي يجب معالجتها بالتفكير البناء وبالوسائل الصحيحة وفقا لمقتضيات الزمن.

أما الوسائل الدنيئة كتلك التي يدعي أصحابها بأن الأعضاء المنتخبين ليسوا أهلا لإدارة شؤون بلادهم فلا يمكن أن تحظى بالقبول والاستحسان».

إذا وقف القارئ العادي أمام هذه النماذج من القرارات الباشراحيلية للواقع المعيش سيدرك على الفور أننا الآن في زمن التصحر.. زمن الرزالة والسفالة.. زمن الإسفاف والألفاظ النابية التي تفرزها مياه صرف صحف هابطة أو أشخاص هابطون، سواء أعلا كعبهم أم سفل!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى