قراءة في كتابات العميد في مشواره الصحفي .. العميد باشراحيل و(الأذكياء) .. لأبي الفرج بن علي بن الجوزي (3-3)

> نجيب محمد يابلي:

> ماذا يريد العميد من الناخب وماذا يريد من بريطانيا؟(الصوت) في عملية الاقتراع أمانة في عنق الناخب، وفي (كلمة اليوم) التي كانت بعنوان (يومنا الحاسم)، والتي نشرتها «الأيام» في العدد (128) بتاريخ 4 يناير 1959، جاء في مستهلها:

«اليوم هو اليوم الحاسم لكم أيها المواطنون.

إنكم تستطيعون أن تحددوا فيه مستقبل بلادكم ومعالمها، ولتضعوا حجر الأساس لبناء غدكم المنشود، فانتخبوا الرجال الذين سيمثلون أمانيكم ويحملون عن كواهلكم مسئولياتكم الكبيرة وأملكم.

اليوم، أيها المواطنون، هو اليوم العظيم، فبيدكم أن تحققوا أهدافكم، والعمل من أجل تحقيق أمانيكم».

يحث العميد باشراحيل المواطنين على فرز معادن المرشحين، فمنهم أصحاب الرصيد الوطني، ومنهم الانتهازيون الذين ساموا الشعب سوء العذاب:

«اليوم هو اليوم الفصل، والكلمة التي ستخرج من أفواهكم هي المصير وهي الطريق».

أما (كلمة اليوم) للعميد باشراحيل الموسومة (هذا طريقنا)، التي نشرتها «الأيام» في العدد (141) بتاريخ 20 يناير 1959، والتي سجل فيها تقديره للزميل حسين علي بيومي على روعة مقاله في صحيفة «الكفاح» حول نجاح المقاطعة الشعبية ضد انتخابات المجلس التشريعي، وحتى يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله، سطر باشراحيل تقديره بهذه الكلمات من افتتاحيته الطويلة:

«أقول أروع ما قرأت لسببين رئيسيين: الأول أن المقال في مجموعه ومضمونه يعتبر تسجيلا أمينا للحقيقة والتاريخ، والثاني أن هذا التسجيل بالذات أتى على لسان الزميل البيومي، وهو الذي اختبر جميع المعارك الانتخابية، وخاص المعركة الأخيرة إلى جانب أخيه المحترم حسن علي بيومي، صاحب «الكفاح» ورئيس تحريرها الذي فاز في الانتخابات ذاتها».

يفيد العميد بأن مقال الزميل البيومي قد أثار دون مواربة نقطة مهمة، وهي أن الجاليات غير العربية هي التي اشتركت في التصويت، بل كان لها الفضل- إذا صح التعبير- في فوز المرشحين وسقوط غيرهم.

يبدو من حجج الراحلين باشراحيل والبيومي أن تزوير إرادة الناخبين من سكان الأرض الحقيقيين أمر مرفوض ونصر مؤقت، لأنه يفتقر إلى الأرض الصلبة.

يمضي العميد باشراحيل في افتتاحيته الطويلة بالإفادة والإفصاح:

«ونحن شعب عدن العربي حين ننشد الحرية والخلاص من الحكم الأجنبي لانتوقع من الإنجليز أن يثوروا في أوجهنا أو يستعدوننا، لأننا لانطلب سوى استخلاص حقنا، ولم نطلب استخلاص حق ليس من حقوقنا.. وحرية الشعوب هي حق من حقوقها الأساسية لايقاسمها في ذلك أي أحد، كائنا من كان.

وبريطانيا دولة عظمى، عرف شعبها معنى الديمقراطية ومعنى الحرية.. ولانخال شعبا كشعب بريطانيا يبقى جاثما بقواته على أرضنا بالرغم من إرادتنا.. إن كل ما نملكه من السلاح هو الإيمان.

الإيمان بحقنا.. والإيمان بحريتنا.. لنحكم أنفسنا بالطرق التي نهواها، والتي تتجاوب مع مشاعرنا وقوميتنا».

ويختتم العميد مرافعته بالقول:

«إن كلمة الحق لاتقابل عادة بالترحيب، لأنها تخلو من الطلاء الحلو، وهي في واقع الأمر مرة لايسهل ابتلاعها، ولكنها ستظل هي هي، لاتقبل التغيير أو الاستبدال مهما تغيرت الوجوه، قلناها في الماضي صراحة في أكثر من مناسبة، ونقولها اليوم وغدا وبعد غد، حتى تستقر في النهاية في عقول المكابرين».

موقف باشراحيل المناهض للسياسة البريطانية في روديسيا

في (كلمة اليوم) بعنوان (المصلحة العليا) للعميد باشراحيل التي نشرتها «الأيام» في العدد (176) بتاريخ 6 سبتمبر، 1966، والتي كانت طويلة، وقف العميد أمام اجتماع رؤساء حكومات دول الكومنولث في مؤتمرهم التنفيذي الذي افتتح في ذات اليوم المذكور سلفا، واستقرأ العميد أن البوادر تشير إلى أن المؤتمر غير عادي بسبب موقف بريطانيا- وهي التي ترأس الكومنولث- من انتزاع الأقلية البيضاء للحكم في روديسيا (حاليا زيمبابوي) على حساب الأغلبية الساحقة من الأفريقيين أصحاب البلاد الشرعيين، حيث ضاقت الدول الأفريقية الأعضاء في الكومنولث بمواقف المستر ويلسن (رئيس وزراء بريطانيا آنذاك) الغامضة من حل المشكلة، ورفضه استخدام القوة ضد الأقلية المتمردة بقيادة إيان سميث، بل ورفضه استدعاء مجلس الأمن للحسم في كل المشكلة، وتجنب المخاطر التي تهدد السلام العالمي.

يصف العميد باشراحيل المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسن مع إيان سميث مؤخرا بأنها لم تكن أكثر من محاولة هي أقرب إلى ذر الرماد في العيون من أي شيء آخر.

ويرى أن ويلسون يتصور أن فتح الباب أمام استخدام القوة سيطال النظام العنصري في جنوب أفريقيا، الذي تتسلط فيه أقلية بيضاء انتزعت بلد الأفريقيين، وفرضت وجودها عليهم، والإقدام على مثل هذا الأمر- حسبما يرى العميد- سيمعن في إضعاف المركز الاقتصادي والنقدي لبريطانيا، والذي تعاني منه بريطانيا حاليا. لذلك يرى العميد بأن «مستر ويلسون يضع مصلحة بريطانيا فوق مصلحة الشعوب.. فوق مصلحة كتلة الكومنولث، وموقفه العنود هذا بأنه أقل اهتماما حتى ببقاء الكومنولث الذي بات تصدعه محتملا بسبب قضية روديسيا في سبيل مصلحة بريطانيا العليا».

لايمكن لشعب تحقيق انتصار قضيته دون وحدة وطنية

أشار العميد باشراحيل في افتتاحية «الأيام» الموسومة (الوحدة الوطنية) في العدد (346) بتاريخ 10 نوفمبر 1965 إلى أن «سر ضعف القوى الوطنية في الجنوب العربي يكمن في تفككها، حتى أن هذا الضعف أصبح مثلا يضرب».

ودلل على ذلك بأن أربعة وفود توجهت إلى الأمم المتحدة، وكلها تتحدث عن قضية الجنوب العربي، وردد رؤساء الوفود الأربعة نفس المطالب لمعالجة مشكلة تهم الجميع، ومع ذلك يرفضون الانصهار لخدمة قضيتـهم، باعتبار ذلك مصلحة وطنية عليا.

تطرق العميد بعد ذلك إلى دعوة فصائل العمل الوطني لحضور لقاء مشترك، تشارك فيه الوفود الأربعة في ديسمبر القادم (1965) والغرض من عقد ذلك اللقاء (أو المؤتمر) هو خلق وحدة وطنية وتوحيد الجهود.

ويختتم العميد باشراحيل افتتاحيته:

«وجانب آخر يرجح كفة هذا التفكير هو أن انتصار قضية الشعب ضرب من ضروب الخيال من دون تحقيق الوحدة الوطنية وانصهار جميع العناصر الوطنية في بوتقة واحدة.. ومن غير المعقول والحال هذه ألا يتنبه الوطنيون إلى سر ضعفهم ماداموا يخوضون معركة سلاحها الرئيسي الفتاك للانتصار هو وحدتهم أولا وقبل كل شيء».

العميد باشراحيل ينذر بأوضاع دموية أشد من الكونغو

كانت افتتاحية العميد (طريق المستقبل) التي نشرتها «الأيام» في العدد (28) بتاريخ 15 فبراير 1967 تتطرق في مستهلها إلى التجربة الاتحادية، وموقع عدن وحضرموت منها، وقدم قراءة حصيفة للواقع، وخلص إلى القول:

«إننا هنا في عدن وفي جميع أنحاء الجنوب العربي بشطريه الشرقي والغربي مقبلون على حالة من الفوضى والاضطراب وسفك الدماء، لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها، أقرب- إن لم تكن أشد- من حالة الكونغو، وما حدث خلال الأيام الأربعة الأخيرة ليس سوى بادرة تؤكد ما نحن مقبلون عليه من مصير».

ويشير العميد باشراحيل في بداية الثلث الأخير من افتتاحيته:

«المطلوب اليوم هو الالتقاء العاجل بين جبهة التحرير والجبهة القومية وحكام الإمارات وحزب الرابطة لدراسة الأسس لأول حكومة مركزية لعموم الجنوب العربي للدخول في مفاوضات مباشرة مع بريطانيا حول تسليمها مقاليد الحكم والسيادة المطلقة على عموم الجنوب العربي».

ولتعزيز حجته استشهد العميد بما ورد على لسان الزعيم العربي الكبير جمال عبدالناصر، الذي أشار في تصريح له نشرته صحيفة «الأوبزرفر» (OBSERVER) البريطانية إلى أنه يحبذ الحل لقضية الجنوب العربي بواسطة المفاوضات.

وقد نصح المستر جورج براون وزير خارجية بريطانيا بأن يدعو الوطنيين إلى الاجتماع به والاستماع إلى وجهة نظرهم، كما يمكنه أن يدعو وزراء الاتحاد الفيدرالي والمندوب السامي للاستماع إلى وجهات نظرهم أيضا.

المنطقة في كف عفريت وفي مفترق طريق يحدد معالمه العميد باشراحيل «أما الوصول سلميا إلى كرسي الحكم عن طريق التعرف الديمقراطي على إرادة الشعب، وبين الوصول إلى كرسي الحكم عبر طريق انتشرت عليه أشلاء وجماجم الأبرياء، ولم تكن غير القوة مقياسا تجيزه وتبرره غاية الوصول إلى الحكم».

ما أشبه الليلة بالبارحة أيها العميد!..حقاً إنك مشدود إلى (العقل) فدخلت الباب الأول من كتاب (الأذكياء) لابن الجوزي.

عدن 28 سبتمبر 2008.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى