فساد الأمكنة.. وعفوية التخطيط الحضري سمة محافظة عدن

> أديب قاسم:

> لست في موضوعي هذا بصدد كسب مودة (علتان) أو (فلتان) من قياديي الدولة، وإن كنت على صلة حميمة ببعض هذه الوجوه الطيبة.. غير أن المسألة هنا هي مسألة رأي عام، فهي تتعلق بالشأن الخدمي العام، إذ تلتقي عندها مصلحة الفرد والدولة من خلال منظومة العلاقات الاجتماعية التي تؤمن للجميع حياة آمنة مستقرة، لكونها تصب في خانة المصلحة الوطنية العامة.

وإن الشيء الذي أحوجني إلى هذه المقدمة هو كوني واحدا ممن يلتزمون بصناعة الرأي من خلال ممارستي الفكرية في الصحافة (الأهلية) الحرة، حيث ألتمس الكلمة الشريفة.. وتربطني خطوط تواصل مع مدير عام مديرية الشيخ عثمان الأستاذ أحمد حسن الشيرى، كذلك مع أمين عام المجلس للمديرية الأستاذ علي عبدالمجيد.. وفي هذه الدائرة أجدني معنيا بطرح الحقائق كما أجدها ماثلة في الواقع عبر مسيرة البناء التي تشهدها مديرية الشيخ عثمان تحت إشراف هذين العنصرين الكريمين، وذلك جراء متابعتهما الدؤوبة المستمرة لاحتياجات واقعنا اليومي، وتفاعلهما الحي في ما يطرأ من مشكلات أو نقص سيّان في المظهر الجمالي للمدينة، واستكمال شبكة الخدمات العامة.. أو تلك التي تمس شبكة الأمان الاجتماعي بالنسبة لحياة المواطن ومتطلبات عيشه.. رأيت ذلك من خلال حركتهما واتصالاتهما التي لا تنقطع حتى خارج ساعات الدوام الوظيفي الرسمي.

غير هذا المستمسك الإيجابي، ثمة جانب سلبي إذ وقفت على حزمة من المعوقات التي تعترض سبيلهما في النهوض بعملهما على خير وجه وأكمله.. ووجدت لسان حالهما يقول:«إن كانت الأمور لا تسير على الوجه الأكمل فهي تسير على الوجه المحتمل!».. ولا بأس في هذه الاحتمالات أو الاكتمالات التي تعترضها منغصات حركة دولاب العمل الذي يسير بوتائر غير مرضية، وعادة يحدث هذا في البلدان النامية، ناهيك عن أن يكون هذا في دولة متخلفة كاليمن!

غير أننا مادمنا في اليمن، وقد تفوقت على غيرها من الدول - بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية - في صناعة كل أشكال التخلف ووقفا عليها غدت العلامة التجارية «يحدث هذا في اليمن».. فمن الواجب على المثقف ألا يتحرج في الدفع بعملية التنمية، إما بتوجيه سهام النقد، و إما بعرض جريء لوجهات النظر.

وحيث لا يستقيم الظل والعود أعوج، أجد أن لا مندوحة لي من تبيان هذه الحقيقة، وهي أن القوانين حين لايجري العمل بها لايمكن للحياة أن تستقيم، ولا للنظام أن يتحقق، ولا للمكان أن يستقر ويزدهر!

على سبيل المثال نجد أن الشوارع الآهلة بسكنى البيوت حيث ينبغي للإنسان التماس السكينة والراحة والهدوء بين أفراد أسرته، أو حين يتخذ تكأته بجوار البيت، وحيث يتوخى أن يجد موضعا لسيارته على الرصيف، نجدها قد اكتظت بالمحال التجارية الطارئة من الاستغلال (لحوش) البيت، وهو أيضا عنصر طارئ على مخطط تلك البيوت!.. ومثلما اكتظت بفرق الباعة المتجولين الذين يفترشون جادة الطرق ومداخلها حتى أرصفة المشاة فلا تجد فرجة لقدميك!.. هي حالة من (العشوائية) والضرب بالعصا في جميع الاتجاهات.. مما يسبب أذى كبيرا لكل مسلك حضاري، وهذا هو مظهر المدينة بطابعه الطفيلي العبثي الذي شذ عن كل مخطط عمراني في هذا العصر، والبعض يقول:

في هذا الزمن الرديء!.وكان على المديرية ومجلسها المحلي اتخاذ أقصى الاحتياطات من خلال خطوات عملية جادة ضرورية وحاسمة تكون بمستوى القرار النافذ لضبط سير نظام الحياة.. غير أن العشم يقع على محافظنا الجديد الدكتور عدنان الجفري، لدعم هذا القرار أو هذا الاتجاه بكل ما أوتي من صلاحيات واسعة، وحتى لاتبدو عملية الانتخابات في جوهرها وكأنما هي مجرد استبدال محافظ بمحافظ آخر، ولايهم إن كان من «أبناء هذه المحافظة» أو غيرها!!ويأتي الإلحاح على ضرورة هذه المعالجة وإحداث هذه النقلة المغايرة بعد أن أودت هذه الظاهرة بحياة عدد من المواطنين الأبرياء يتقدمهم عنصر من موظفي البلدية - قسم العوائق.. وحيث إن كثيرا من المؤشرات تدلل على خلل ما في وظيفة هذا الجهاز الوظيفي بكامل هيئته، مثلما تشير إلى حالة الفوضى العارمة لهذا التجمع من الباعة المتجولين من الاعتبار بأن وجودهم غير قانوني.. غير أن مدير عام المديرية يرى أن المسألة هي في وجود حالة إنسانية (من الحاجة إلى لقمة العيش) لدى هؤلاء، على الرغم من إقراره بأن وجودهم هذا يبعث على الفوضى وعدم الاستقرار في شبكة الأمان الاجتماعي.

وفي اعتقادي أن قضية بحجم هذا الإشكال الموزع بين الحاجة لحفظ النظام والقانون، وتلبية الاحتياجات الإنسانية هي من صلاحيات (المحافظ) نحو تأمين فرص عمل بفتح أسواق جديدة تستوعب هذا العدد الوافر من البشر، مادمنا نعيش عصر اقتصاد السوق.. ولا أحسبها من اختصاص (المديرية) حتى نقول إن الكرة في ملعبها هي وحدها!

الظاهرة الأخرى - وهي أشد بلاءً - تتمثل في عدم تفعيل قوانين البلدية السابقة العهد على قيام هذا الشكل السياسي الإداري الذي يفتقر لأبسط اللوائح حول طرق تنظيم المعيشة.. قوانين تنظيم وضبط المعاملات في هذا التداخل بين تشكيلتي المجتمع السكني والمجتمع التجاري، لاسيما ما يتعلق بأصحاب الحرف الصناعية (المسببة للضجيج في المدن).. ذلك أننا لانشهد في المجتمعات المدنية الحديثة أنشطة صناعية تقوم في وسط مجتمع سكني، بل لقد تم فيها إفراد مجمعات صناعية لا لدرء تلوث البيئة فحسب، بل ولخلق ظروف أفضل للعيش، بعيدا عن كل الملوثات البصرية والسمعية وغيرها، كوجود (البخارات) الواقعة في الدور الأرضي للسكن، مما يسبب أضرارا في صحة البيئة جراء خزن المواد الحريفة (التوابل) التي عادة ما تتسرب إلى غرف البيوت، ناهيك عن الجرذان والصراصير وأنواع مختلفة من الحشرات.. وهي أمور خرجت من طائلة قانون صحة البيئة والمجتمع الذي كان يسرى به العمل حتى وقت قريب!ترى أين ذهبت لمسة (الإسكان والتخطيط الحضري) في موضوع تطوير المدن، وفي إطار مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة؟

إن المجمع الصناعي (منطقة الدرين - سابقا) هو أفضل مكان لهذا الحشد من النشاط التجاري الصناعي، وهو مشروع سابق نجم عن درجة عالية من التخطيط في عهد حكومة ما قبل الوحدة.. ثم أعفي عليه بعد أن تفاقمت الفوضى، وسادت العشوائية في كل منحى من مناحي هذه الحياة.

ولم يعد هنالك من ضبط اجتماعي أو رصد ميداني لظواهر الفساد في ظل سيادة قانون القوة على قوة القانون! أترى في طاقة مؤسسة تحتل مساحة صغيرة في خانة الدولة (وكمجلس محلي فاقد لسلطة القرار.. ناهيك عن الصلاحيات الواسعة) القيام بكل هذه التسويات، وإعادة إنتاج الدولة الحديثة المتطورة؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى