عالم بلا حدود .. القبطان هاينس احتل عدن وانتهى في سجون لندن

> فاروق لقمان:

> القبطان بحري ستافورد هاينس الذي قاد حملة عسكرية لاحتلال عدن عام 1839م لايزال يثير اهتمام وجدل المؤرخين وتعرضه للمحاكمة والسجن في نهاية عهده بتهمة الاختلاس. وهناك من يدَّعي أنه كان بريئاً وذهب ضحية للدسائس التي سادت بين البريطانيين أنفسهم بعد الاحتلال .

وقد قرأت عنه في كتاب (سلاطين عدن) لمؤلفه البريطاني جوردن واترفيلد عند صدوره في نهاية القرن الماضي، والذي تناول فيه سيرة الرجل «بطولته كقائد عسكري ونهايته المأساوية والخزي والعار الذي لحقه». ثم أعادت شركة ستاسي اللندنية طباعته وإصداره وتلقيت نسخة من عرض له منذ شهر أيضاً تندب مصير القائد هاينس بعد ما حقق أوامر رؤسائه الذين كانوا أيضاً يحتلون الهند في القرن التاسع عشر وأرادوا الاستيلاء على عدن. وبعدما قام بزيارة المكلا وسقطرى تأكد له أن عدن هي الأصلح لبناء مخازن الفحم لتزويد السفن التي كانت تعمل بالبخار خصوصاً بعد حفر وافتتاح قناة السويس عام 1869م مما يدل على أن النية كانت مبيتة لغزو واحتلال ميناء واعد في الطريق بين أوروبا وبلاد الشرق وأهمها الهند مما رفع أهمية عدن كقاعدة مهمة عسكرية واقتصادية واقعة في الطريق بين القارتين .

وفعلاً تم احتلالها بعد مقاومة باسلة من سلاطين العبادل الذين هبوا للدفاع عن المدينة وواصلوا جهودهم لتحريرها بعد سقوطها وقد أرغموا البريطانيين وقواتهم الهندية على الاكتفاء بعدن والانكفاء على أنفسهم بين الشيخ عثمان وكريتر قبل نقل الميناء إلى التواهي التي تطورت إلى قاعدة عسكرية قيل أنها كانت من أفضل قواعدهم في الامبراطورية لأن ميناءها كان أيضاً طبيعياً وجبالها حصينة. كذلك بنوا مواقع للمدافع الميدانية كنا نراها فوق جبالها حتى نهاية الاستعمار، وكانت فعالة في ردع أي محاولات لاقتحام الميناء حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م .

يقول المؤلف إن عدن كانت عند الاحتلال قرية متواضعة رغم موقعها الجغرافي الممتاز وتاريخها الحافل منذ آلاف السنين. ولما أضاف التمدد الاستعماري كافة الأراضي التي كانت بعد ذلك تابعة للإدارة في ممباي الهندية أصبحت عدن من أهم المواقع الاستراتيجية في الامبراطورية ولم يعد الاستعمار يهتم بالسلطنات التي كانت تقع خارج دار سعد. لم تكن تهمه فأهملها .

ومن بضع مئات من السكان عام 1839م تحولت إلى مدينة متوسطة تضم عشرين ألفاً وسمَّاها هاينس «عين اليمن» حسب مايقول واترفيلد. ولعل لندن كانت تضع نصب عينيها الجائزة الكبرى وهي اليمن التي كانت عندئذ غير قادرة عسكرياً على تنظيم مقاومة يحسب حسابها في الأروقة العسكرية بعدن وممباي .

ويستطرد المؤلف إلى القول بأن عدن بحلول 1960م كانت قد تحولت إلى هونج كونج الشرق الأوسط وأصبحت تحتل المرتبة الثانية بعد نيويورك في تمويل السفن بالزيت بعد تكريره في مصافي عدن الصغرى التي كانت واحدة من الأضخم في العالم عندما بنيت عام 1952م وتدفقت عليها كبرى شركات السفن وعشرات الآلاف من العمال من الشمال اليمني قبل وبعد الثورة المجيدة ومعهم وصل التجار من الهند وبريطانيا وبعض الدول العربية، ونجح عدد من الإخوة الشماليين في السيطرة على ميدان المقاولات بينما سيطر الهنود على التجارة، واليهود على جوانب أخرى وكانت لهم الشوكة في دكاكين التواهي التي استقبلت مئات الألوف سنوياً من السياح العابرين على ظهر ثلاثين سفينة يومياً إلى الشرق الأقصى ومنه إلى أوروبا.

حوكم هاينس، الذي بنى بيته ومقر حكمه في الخساف، بتهمة الاختلاس بعد ثلاثين سنة من الخدمة وحكم عليه بالسجن مع أن المؤلف الذي أصدر كتابه بعد الاستقلال مباشرة يتصدى للدفاع عنه بتبرئته من الاتهام، فقد كان من وجهة نظر بريطانية أحد أبرز القادة العسكريين الذي حققوا الهدف وظلوا سنين طويلة يحكمون المستعمرة لصالح بلدهم حتى تم تحريرها بثورة 14 أكتوبر التي استمرت أربع سنوات كاملة قضت مضاجع بريطانيا وأرغمتها على الانسحاب مع أنها لم تكن متحمسة جداً للخروج المفاجئ نهاية 1967م من أكبر قاعدة عسكرية لها خارج المملكة المتحدة. فقد استفادت كثيراً من عدن لأنها ظلت قاعدة لايستغنى عنها ضد طموحات الدول الامبريالية الأخرى والتمدد التركي الذي كان يسيطر على الأرض اليمنية بما فيها الشيخ عثمان إلى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918م.

ولو جازف الأتراك بقيادة سعيد باشا بمحاصرة عدن أو الهجوم عليها لاستطاعوا احتلالها وحققوا وحدة الأراضي اليمنية كافة ولو تحت هيمنتهم. ويشير المؤلف إلى الأخطاء العديدة التي ارتكبتها لندن ومنها إهمالها التام للمحميات وعدم إقامة ما يشبه الدولة الموحدة ومدها بالمعونات الاقتصادية ببناء المؤسسات، كما فعلت إلى حد ما مهما كان محدوداً في عدن وغيرها من المستعمرات التي كانت تحتلها، لكنها على الأقل هيأتها للاستقلال من أقصى الشرق إلى البحر الكاريبي عبر أفريقيا. لذلك كله يظل الكتاب مرجعاً نافعاً للمؤرخين والأكاديميين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى