الآثار المتوقعة للأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني

> د.محمد حسين حلبوب:

> تصنف اليمن ضمن مجموعة الدول (الهشة) اقتصادياً، أي دولة شديدة التأثر بالأزمات أو الصدمات الخارجية، وترجع هشاشة اليمن الاقتصادية إلى عدم استقرار التاريخ الزراعي لاعتماده على الأمطار، وتركز الصادرات في سلعة واحدة هي (النفط)، وعدم الاستقرار في صادرات السلع والخدمات وتركز الواردات من عدد محدود من الدول (دول جنوب وجنوب شرق آسيا)، وكذا لبعد اليمن الجغرافي عن الأسواق العالمية الرئيسة ومحدودية السوق المحلية .

ولأن مركز الأزمة المالية العالمية (أمريكا)، ونطاق تأثيرها الأشد (أمريكا، وأوروبا، واليابان)، ضعيف الارتباط (المباشر) باقتصاد اليمن، لذلك فإن التأثير (المباشر) للأزمة المالية العالمية على اليمن سيكون محدوداً .

لكن (الهشاشة) الاقتصادية لليمن ستجعلها من أكثر الدول تضرار من الآثار (غير المباشرة) المالية العالمية، كما سنوضح ذلك لاحقاً .

الآثار (المباشرة) للأزمة المالية العالمية على اليمن

تنحصر احتمالات التأثير (المباشر) للأزمة المالية العالمية على اقتصاد اليمن في المجالات الآتية: 1 - كما أفاد مدير دائرة الاستثمار في البنك المركزي اليمني (الأخ صلاح السنباني) - في مكالمة تليفونية مع كاتب هذا المقال - «يتم استثمار احتياطيات البنك المركزي في (كذا وثلاثين بنك أوروبي)، ولايوجد أي تأثير للأزمة المالية العالمية على الاحتياطيات».

لكن كاتب المقال لايستبعد أن تخسر اليمن قيمة بعض احتياطياتها المستثمرة فيما إذا تضرر أحد البنوك التي يتعامل معها البنك المركزي اليمني، كما يمكن أن يواجه البنك المركزي بعدم الارتياح أو التجاوب من قبل البنوك التجارية الأوروبية، إذا ما طلب استعادة أمواله المودعة .

ونعتقد بأن استثمار أموال احتياطيات اليمن في بنوك تجارية كان قرارا (غير موفق) بالنظر إلى أن الاستثمار في (سندات الخزينة للحكومات الأوروبية- ألمانيا مثلاً) أقل مخاطرة، وأكثر ضماناً وأسهل على المراقبة وأبعد عن احتمالات الفساد .

ومن الجدير بالإشارة إليه أن ميزانية البنك المركزي اليمني المنشورة في موقع البنك على الإنترنت تبين بأن (قيمة الأصول الخارجية) في نهاية شهر يوليو 2008م تساوي 8477,5 مليون دولار (ثمانية ملايين وأربعمئة وسبعة وسبعين مليونا وخمسمئة ألف دولار) .

2- تشير الميزانية الموحدة للبنوك التجارية والإسلامية المنشورة في موقع البنك المركزي اليمني على الإنترنت أن قيمة (الأصول الخارجية) لتلك البنوك في نهاية شهر يوليو 2008م تساوي 1259مليون دولار (مليارا ومئتين وتسعة وخمسين مليون دولار أمريكي) .

وتستثمر البنوك التجارية والإسلامية اليمنية أصولها الخارجية لدى بنوك أجنبية - يقوم كل بنك بإيداع احتياطياته حيث يشاء ولا يصرح بمكانها. لذلك لايمكن التنبؤ باحتمالات الخسائر لهذه البنوك .

ونظراً لمستوى الإفصاح الضعيف لدى البنوك التجارية والإسلامية اليمنية، ولعدم وجود سوق مالية تؤشر إلى وضع البنك (من خلال القيمة السوقية لأسهمه)، وحتى لاتتكرر مأساة (البنك الوطني للاستثمار)، الذي تم الإعلان عن إفلاسه بعد تأخير يزيد عن أربع سنوات تورطت خلالها جهات عديدة بالتعامل مع البنك، فكانت الخسائر أكبر، لذلك نطلب من الحكومة اليمنية إعلان ضمانها لودائع المواطنين - أسوة بمعظم دول العالم ومنها الخليج - ليطمئن المواطن والمؤسسات المحلية على إيدعاتهم .

3- ترتبط شركات التأمين اليمنية بالشركات العالمية للتأمين عن طريق (إعادة التأمين)، ولا توجد بيانات منشورة عن حجم هذا الارتباط ، ولا مع أي من شركات التأمين العالمية، وليس هناك ما يوحي بأن أي من الشركات العالمية يمكن أن تفلس خاصة بعد إنقاذ الحكومة الأمريكية للمجموعة الأمريكية الدولية (ايه اي جى)، ثاني أكبر شركات تأمين أمريكية .

الآثار (غير المباشرة) للأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني

يعتمد حجم الآثار (غير المباشرة) المتوقعة للأزمة المالية العالمية على مدى (عمق) الأزمة المالية (ونطاق) تأثيرها (المباشر) على دول العالم .

ونتوقع نجاح الإجراءات المالية الدولية الجماعية التي تم اتخاذها من قبل دول العالم في إيقاف (تدهور) النظام المالي العالمي، ويعزز توقعنا هذا استعادة الأسواق المالية العالمية جزءا من خسائرها يوم أمس (13 أكتوبر 2008م).

في هذه الحالة فإن الآثار الاقتصادية المتوقعة للأزمة المالية العالمية على اليمن ستتمثل في الآتي :

1- على المدى القصير (حتى نصف العام 2009م أو حتى نهايته):

- هبوط الموارد المالية للحكومة اليمنية كنتيجة لانخفاض الأسعار العالمية للنفط .

- هبوط أسعار واردات السيارات والأسمنت والحديد وغيرها من السلع المرتبطة بالتسهيلات المالية من البنوك وتسهيلات الموردين .

- بقاء أسعار معظم السلع الغذائية الأساسية الاستهلاكية الضرورية على حالها أو ارتفاع أسعارها بنسب مختلفة كنتيجة لنقص المعروض منها بسبب الصعوبات المؤقتة في المعاملات المالية المتأثرة بتداعيات الأزمة المالية وفقدان الثقة بين البنوك على مستوى العالم .

- توقف أو تأجيل توريد المساعدات والمنح المعلن عنها في مؤتمر لندن للمانحين خاصة تلك المقدمة من الدول الأوروبية والبنوك والمؤسسات المالية الدولية .

- تأجيل محدود في تنفيذ المنح والمساعدات من دول الخليج العربي المعلن عنها في مؤتمر لندن للمانحين كنتيجة لصعوبات التحويل المالية (مثل تعهدات سلطنة عمان) المفوض بإدارتها الصندوق العربي، وغيرها .

2- على المدى المتوسط (2010-2013م):

بعد استيعاب الاقتصاد العالمي الآثار (المباشرة) للأزمة واستعادة الثقة بالنظام المالي العالمي ستبدأ الآثار الاقتصادية (غير المباشرة) للأزمة المالية العالمية بالظهور. والمتوقع أن تكون على شكل (تضخم عالمي) (ارتفاع أسعار في معظم السلع)، ناتج عن زيادة السيولة المالية العالمية المتأتية من زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة الأزمة في تلك الدول التي أعلنت خطط الإنقاذ (المليارية) وهي (أمريكا، بريطانيا، أوروبا واليابان) .

وهكذا فإن الآثار الاقتصادية (غير المباشرة) المتوقعة على اقتصاد اليمن ستتمثل في :

- تحسن نسبي في الموارد المالية للحكومة اليمنية كنتيجة للتحسين النسبي المتوقع للأسعار العالمية للنفط يؤثر على ذلك سلباً الانخفاض (المعلن عن حصوله) لكميات الإنتاج من النفط .

- انخفاض هام في حجم المساعدات الأجنبية (غير الخليجية) بدعوى التخفيف من حجم السيولة العالمية .

- شمول اليمن بموجات التضخم العالمي (موجات مختلفة من ارتفاع الأسعار) المتوقعة كنتيجة لزيادة السيولة النقدية على مستوى العالم .

- هبوط ملموس في السعر العالمي المقارن للعملة الأمريكية (الدولار) والعملة البريطانية (الجنيه الاسترليني) وبنسبة أقل في العملة الأوروبية (اليورو) والعملة اليابانية (الين) كنتيجة لزيادة العرض من تلك العملات بتأثير خطط الإنقاذ (المليارية)، وبالتالي انخفاض نسبي في أسعار السلع المستوردة من أمريكا وبريطانيا وأوروبا واليابان، ولن تستفيد اليمن من ذلك لأن الواردات من تلك الدول محدودة للغاية .

- ارتفاع ملموس في السعر العالمي المقارن للعملة الصينية (اليوان) والعملة الهندية (الربية) وكذا عملات بقية دول جنوب وجنوب شرق آسيا، وبالتالي ارتفاع نسبي في أسعار السلع المستوردة من تلك الدول وسيتضرر اليمن كثيراً من ذلك، لأن معظم الواردات الغذائية والضرورية الأخرى تأتي من هذه الدول .

وهنا سيظهر تأثير (هشاشة) الوضع الاقتصادي لليمن، حيث سيتحمل اليمن آثارا سلبية غير مباشر (مزدوجة)، فمن جانب ستتدهور العائدات المالية المتأتية من بيع معظم صادراته (النفط) لانخفاض الكميات المصدرة وانخفاض قيمتها النسبية - مسعرة (بالدولار المتناقض القيمة)- كما ستنخفض المساعدات المالية الدولية، ومن جهة أخرى سترتفع أسعار معظم السلع التي يستوردها اليمن من تلك الدول ذات (العملات المتزايدة القيمة) وهي (الصين والهند وبقية دول جنوب وجنوب شرق آسيا) .

في الأخير : يمكن أن تكون الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية على اقتصاد اليمن أقل، إذا نجحت الدولة في اليمن في :

1- زيادة الكمية المصدرة من النفط بزيادة الإنتاج أو بتقليص الاستهلاك المحلي. أو

2- تصدير الغاز في 2009م كما يفترض أن يكون. أو

3- حل (القضية الجنوبية)، وتحسن مناخ الاستثمار، فتتدفق استثمارات المهاجرين. أو

4- إقناع، أو اقتناع قادة دول الخليج بتسهيل هجرة العمالة اليمنية إلى دولهم، حتى تزداد تحويلات المغتربين .

نسأل الله للدولة النجاح ولمجتمعنا الخير.

* أستاذ الاستثمار والتمويل المساعد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى