الأزمة المالية العالمية رب ضارة نافعة

> أحمد سالم شماخ:

> مثل يمني قديم يقول:«منزل مش في بلدك ماهو لك ولا لولدك».. ربما في هذا المثل الكثير من الحكمة التي لو اتبعها المستثمرون اليمنيون والعرب وساعدتهم تشريعات بلدانهم وسلطات تخاف الله لتجنبوا الكثير من القلق والخوف على استثماراتهم في بلدان غير بلدانهم وبالذات أوروبا وأمريكا..عموماً الأزمة المالية العالمية يمكن وصفها «تسونامي رهيب».. بكل المقاييس وطويل المدى وقليل هم الذين سينجون منه ولا يعلم إلا الله وحده ماهي أبعاده الحقيقية وماهو المخفي من أهواله.. نسأل الله السلامة.

وفي ظل وضع كهذا نعتقد أن البنوك العاملة في اليمن لن تتأثر كثيراً نظراً لضعف رأسمالها مما لم يعطها الفرصة للتعرض لاستثمارات خارجية إلا أن ذلك لا يمنع من أن ندعو البنك المركزي - ولعله فعل ذلك - بأن يقوم بتحرك سريع وهادئ لدراسة كل بنك على حدة ويقف بمسؤولية وواقعية إلى جانب أي بنك متعثر ويساعده بالتوجيه والنصح والدعم المالي إذا لزم، وذلك حفاظاً على شرائح المجتمع التي وضعت ثقتها في القطاع البنكي اليمني وبكل تأكيد أن انهيار واحد من البنوك وفي ظل أوضاعنا اليوم سيكون له انعكاسات سلبية على كامل القطاع الاقتصادي، وهو ما لا يتمناه أحد لأنه عندها ستصبح المعالجة مكلفة وصعبة.

والكارثة المالية العالمية رغم كل سلبياتها والقلق منها فلربما أن فيها فائدة للاستثمار في اليمن وانطلاقاً من أن كثيراً من الأموال المحلية والعربية تبحث عن مواقع آمنة ومثمرة لاستثماراتها بعيداً عن الأسواق العالمية التي لاشك تعبث بها الأيادي الصهيونية ومن على شاكلتها.

في اليمن الكثير والكثير جداً من فرص الاستثمار المجدي والآمن والمشجع إلا أنها فرص تشبه الذهب الذي يغطيه الغبار والوحل لا أحد يرى بريقه.. ونعني بالغبار والوحل هو منظومة الشؤم من الفساد وبيروقراطية إدارية رسمية والشواذ من المتنفذين والعابثين بحقوق الآخرين وبالذات الأملاك الثابتة والأراضي ويستخدمون شتى أنواع السلاح والارتكان لشواذ مثلهم في سدة السلطات التنفيذية والتشريعات الاقتصادية والمالية غير المستقرة، وما يعتريها من قصور وغباء السلطات القضائية وما فيها من أمراض.. كل ما ذكرناه قد يظهر للبعض صعب التعامل معه، ولكننا واثقون بأنه متى صدقت النيات عند من بيدهم مقاليد الأمور في قمة النظام وجد عزمهم على وضع حد لها إكراماً للبلدة الطيبة والشعب الصبور فإنهم وبمعونة الله سيتمكنون من وضع حد لها وستظهر لهم أنها ليست إلا وحوشاً من ورق وإلى جانب معونة الله سيجدون الدعم من جماهير الشعب الذي مايزال يكن لهم كل حب وتقدير ولم يفقد الثقة فيهم.

إن الفرصة مواتية لجذب الاستثمارات عبر دعوات ووفود تنطلق في آفاق البلدان العربية والآسيوية تروج (بصدق) لفرص الاستثمار وتفتح ذراعيها للمستثمرين شريطة أن تتحرك في الوقت نفسه لمعالجة التراكمات المعيقة للاستثمار والمحبطة له وتشمر عن ساعد الجد، فقد لا تأتي فرصة أخرى مماثلة ونندم حيث لا ينفع الندم.

ونشير إلى أن كل ما يتعلق بالاقتصاد والمال والاستثمار لا يحتمل الهرجلة والتسرع والمحاباة الأسرية والقبلية والمناطقية.. فهو لا يقبل إلا النظام الحازم الصادق والقانون النافذ على الجميع حتى ولو كان جائراً فيستقبله المستثمر طالما هو قانون عادل.. فلا الإعفاءات أو الأراضي المجانية تمثل إغراء للاستثمار الجاد إذا رافقتها عشوائية ومافيات وتجاوزات (قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى) ولدينا أمثلة قائمة لمن صرفت لهم أراض تحت غطاء الاستثمار، ولم تكن أكثر من عمليات نصب على الدولة واصطياد رخيص لأرض مجانية. أتمنى على الغرف التجارية ورجالاتها والجمعيات الصناعية وغيرها من الهيئات أن تتحرك للتواصل الجاد مع من بيدهم مقاليد الأمور وبالذات فخامة الأخ رئيس الجمهورية ودولة الأخ رئيس الوزراء، وتعقد معهم لقاءات صريحة وطنية جادة يطرح كل طرف رؤاه وأفكاره ونصب عينيه حب اليمن ونهضتها، وربنا من عالي سماه سيبارك الجهود الخيرة المتضافرة.

كثير من الأموال العربية التي عانت وستعاني الأمرين ستكون طائرة حائرة أين تضع حملها وقد أضعنا فرصاً كبيرة لاستقطابها عندما تعسفتها الأجهزة المعادية في أمريكا وأوروبا وتطلعت بعيون حيرى ورغبة مكبوتة إلى أوطانها فلم تجد من يحتضنها بصدق وحنان فعادت للارتماء في أحضان الأعداء وهاهي تواجه الأهوال مرة ثانية، فهل سنتركها مرة أخرى تائهة حائرة أم سنفرش لها بساط الترحاب (الصادق) الجاد؟!

ولعل أول ما يلزم اتخاذه من خطوات :

1- إعادة الروح لمصلحة التوثيق والسجل العقاري فشيء معيب جداً أن نغيب هذا الجهاز المهم خدمة لأغراض رخيصة أو قصور إداري مشين.

2- تفعيل نظام النافذة الواحدة بهيئة الاستثمار فعلاً وعملاً وليس خطباً رنانة وأقوالاً طنانة.

3- إعطاء صلاحيات (حقيقية) للمجالس (السلطات) المحلية والمحافظين إلى حد الحق في سن قوانين محلية حسبما تراه كل محافظة بعيداً عن اللعنة المستديمة (المركزية) وهذا سيفتح المجال أمام المحافظات للمنافسة وأن تهيئ كل محافظة المناخ المشجع والمغري للمستثمرين وليس عيباً أن تنجح محافظة وتفشل أخرى أو أن تفقد العاصمة بعض بريقها الكاذب، فكل ما سيتم هو في النهاية لمصلحة اليمن واليمنيين. لا نريد أن تسيطر على من بيدهم مقاليد الأمور هواجس الخوف من فقدان السلطة أو ضياع الوحدة الوطنية أو تنعثر الحكم، فكلها كما نرى لا تزيد عن هواجس وبإذن الله الأمور ستكون بخير.

4- إعطاء صلاحيات حقيقية لمدراء المصالح والمكاتب الحكومية في المحافظات ليلعبوا دوراً مهماً في إنجاز مصالح المواطنين والمستثمرين وألا يبقوا كما يقول المثل «كوز في طاقة».

5- أن يتحرك البنك المركزي ووزارة المالية بأرقام ونصوص قانونية تطمئن الناس إلى سلامة أموالهم في البنوك المحلية وضمان استثماراتهم بقوة الدولة والنظام والقانون، فالسكوت في مثل هذه الأوضاع ليس من ذهب بل من حديد خردة درجة رابعة.. طبعاً هذا الطلب مرهون بأن يكون لدى البنك المركزي ووزارة المالية ما يقولونه. وقد علمنا بأن أحد البنوك المصرية المهمة استقبل ودائع محلية وعالمية في غضون أيام قليلة بلغت أربعة مليار جنيه مصري بسبب انعكاسات الأزمة المالية، وذلك نتيجة لخطاب محافظ البنك المركزي المصري عن سلامة أوضاع البنوك العاملة في مصر وأن الودائع مضمونة من قبل البنك المركزي، والله أعلم.

6- أن تعقد دورات تدريبية مكثفة للوزراء والمسؤولين المرتبطين بالاقتصاد تفهمهم أن التسرع في إصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالاستثمار والاقتصاد أمر خطير والخطأ بعشرة أمثاله في هذه الأحوال، ومثل ذلك أيضاً التسرع في التصريحات الخاطئة والمعلومات غير الصادقة، كما حصل عندما رفعت الدولة سعر الديزل على مصانع الأسمنت والحديد وقالت إن دعم الديزل لأحد مصانع الأسمنت يعادل أربعة أضعاف ربح المصنع، وثبت لهم - وإن لم يعلنوا- خطأ ما ذهبوا إليه وما صرحوا به نتيجة حسبة خاطئة من موظف وربما ندموا، حيث لا ينفع الندم.

فكرة خطرت وإن كان المقام طويل عريض لا يستطيع قلم متواضع أن يغطيه، وأتمنى على كل من يملك فكراً و رأياً أن ينزل إلى الميدان بفكره ورأيه.

عضو مجلس إدارة غرفة

تجارة وصناعة الحديدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى