> د. منصور جميع عوض:

ولى رمضان عند الغافلين والتائهين.. وكأن الصيام عادة اجتماعية.. إذا انقضى الشهر عاودا إلى طغيانهم يعمهون.. يقول السفهاء - المدمنون على شرب الخمر -وبكل قلة حياء: رمضان ولى هاتها ياساق .. مشتاقة تسعى إلى مشتاقي

كان السلف الصالح إذا انقضى شهر رمضان يبكون ويحزنون أسفاً عليه، وكان الإمام الشافعي أكثرهم بكاءً وحزناً وأسفاً على رمضان.

نعم شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. يغفر الله فيه الذنوب ويقبل التوبة.. والتوبة (النصوح) لها شروط، وخاصة في حق المخلوقين .. ولا يظلم ربك أحداً.. ألا واتقوا دعوة المظلوم.

العوام من الناس بل بعض العارفين يحسبون الصيام والزكاة والعمرة قبل الحج بمثابة مبيض الأخطاء المرتكبة لما مضى تلقائياً. ولا يعتبرون بمدرسة الإيمان والرجوع إلى الله بالتوبة.. ونعم بالله.. كتب على نفسه الرحمة.. لمن آمن وعمل الصالح لنفسه ولإخوانه المسلمين.. فجمع المكتسب من ماله الذي يأكل منه ويتصدق ويزكي ويحج ويعتمر ما شاء الله أن يفعل.. يحاسب نفسه في الدنيا قبل يوم الحساب يوم لا ينفعه مال ولا بنون ولا جاه ولا قبيلة.. قال عمر الفاروق رضى الله عنه:

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا... إلى آخر النصيحة الراشدية.

ولأن شهر العمل المضاعف والتجارة الرابحة.. فيه ليلة القدر خير من ألف شهر.. قل حضور صلاة الجماعة.. وثقل الكيل والميزان وطفح كيل الفساد والرشوة والربا ونهب المال العام رغم خطابات الإصلاح الإداري والمالي ومشاريع الدعاية الانتخابية السرابية.. ولي ذراع الديمقراطية بالقهر ومسك الحريات التي منحها الدستور.. فضاع جهد الخيرين في السلطة، واختلط الحابل بالنابل ليزرع في النفس بذور اليأس.. ويفرض السؤال نفسه: اليمن إلى أين؟!.. وفي هذه الوضعية لم يفكر كل مخلص ومتفائل بالهروب إلى صومعة الاعتزال، بل ومع شدة الحرارة بحثت عن ظل شجرة ثابتة وأصلها في السماء يتسع ظلها للطامعين في مغفرة الله والخائفين منه.

لا أرى آيات الله في مخلوقاته.. الكل يؤدي وظيفته لتستمر الحياة، فهذه الكلاب في موسم سفادها حتى لا تنقرض أو تنقطع منافعها المسخرة للإنسان.. تدور حياتها في الزمان المناسب وفيه دلالة (بالمراقبة) لزراعة محاصيل نبايتة لا يُتسع لذكرها.

وفي سورة (غافر) تستحضر ذاكرتي الآيات التالية:

قال تعالى:(هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقاً وما يتذكر إلا من ينيب) الآية (13)..(ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون) الآية (81)..(وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) الآية (18)..(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) الآية (19)..(فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون)الآية (77).. (إن الساعة لآيتة لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) الآية (59).

ما بال أقوام تجاهر بالمعصية وتتباهى بالكبر والفخر وظلم الآخرين.. وإذا بليتم فاستتروا (أقل الخوف من الله).. وحتى البائهم وهي تمارس سفادها عياناً ستر إلا في المخلقة عورتها.. وقد قل الحياء عند الإنسان!! ليعلن فساده.. قال خالد بن الصّقب:

نباح الهدهد الحولي فيه

كنبح الكلب في الإنس المقيم