الحراك الجنوبي والوحدة

> عبدالله أحمد الحوتري:

> الأسباب والدوافع للتحرك السلمي الجنوبي معروفة لجميع القوى الفاعلة في المجتمع وهي تقر بمشروعية وقانونية وعدالة هذه الاستفاقة، ونتنبأ لها بفرض معادلات جديدة لصالح الوطن والإنسان.

أما الحزب الحاكم فتعامل معها بالقمع والقتل والسجن والترغيب لبعض الحالات واعتبر هذا الغضب الجنوبي سحابة صيف عابرة وستزول رغم اعتراف أعلى قياداته بالأخطاء التي دفعت إلى هذا الانفجار الغاضب ووعدوا بمعالجتها .

وبسبب المعالجات القاصرة وغير الجادة جاءت نتائج تلك المعالجات عكسية تماما عمقت من قناعة الإنسان في الجنوب باستحالة بناء وحدة قابلة للاستمرار تحت إشراف من أوصلوا الوضع إلى هذا الحال، وزاد الأمر سوءًا الاستمرار بترديد بعض المفردات التي يرى فيها الجنوبيون (سياسية رسمية) للتنصل من وحدة 22 مايو 90م، ومن هذه المفردات (إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، عودة الفرع للأصل) وغيرها .. هذه المفردات ومثيلاتها يرى فيها غالبية الجنوبيين من داخل الحراك ومن خارجه «مؤشراً خطيراً لايكتفي بإنكار دور الجنوب في تحقيق الوحدة واعتباره طرف المعادلة فيها، بل يؤشر إلى تهمة (بالانفصالية) موجهة للأجداد القدماء بفصل الجنوب عن دولة يمنية موحدة كانت قائمة في فترة سابقة من التاريخ» الأمر الذي لايوجد له سند في التاريخ القديم من خلال قراءتنا لكتب التاريخ ويستطيع المتخصصون في التاريخ القديم تصحيح الأمر في هذا الموضوع.

أما الموقف من الغليان الجنوبي فيحاول كل من الحاكم والمشترك تحويله إلى أوراق ضغط متبادلة، فالحاكم يراهن على احتواء هذا الغليان الذي عم المحافظات الجنوبية والشرقية (الجنوب) وظهر له أنصار في بعض المحافظات الشمالية ويستند الحاكم في مراهنته هذه إلى استخدام عدد من الطرق التي اكتسبها بالخبرة واستخدامها خلال الأزمات التي مر بها طوال فترة حكمه المستمر حتى الآن، وأحزاب اللقاء المشترك أظهرت مواقف مناصرة ومساندة للتحرك السلمي الجنوبي وبدأت بعض وسائل إعلامها تطرح أهمية معالجة مكونات القضية الجنوبية في إطار الوحدة، لكن هناك عقبة قادمة تنتظرهم جميعاً هي الموقف من الانتخابات .. حركة الاستنهاض السلمي الجنوبي أعلنت خلال مهرجاناتها واعتصاماتها ومسيراتها المقامة في مختلف المحافظات الجنوبية والشرقية أن الانتخابات القادمة لاتعنيها في شيء ودعت الجنوبيين إلى المقاطعة، هذا الأمر لن يكون سهلاً على أحزاب اللقاء المشترك التي تطمح إلى لعب دور أكثر فاعلية في الحراك السلمي الجنوبي وكذلك الحاكم الذي يحرص على الظهور أمام العالم بأنه مقبول في الجنوب كما في الشمال .

وعودة إلى تتبع خط سير التحرك السلمي الجنوبي الذي تراهن السلطة على احتوائه وتلاشيه نجده قد انتقل من المطالب الحقوقية التي بدأت بها جمعيات المتقاعدين إلى المطالبة بمعالجة الأضرار العامة التي لحقت بالجنوب أرضاً وإنساناً وثروة، واعتبروا أن مفتاح الحل هو الاعتراف بالقضية الجنوبية ويتزايد أنصار هذا الطرح بسبب هفوات لقادة مابعد حرب 94م التي لم يستطيع الجنوبيون نسيانها مثل فتوى التكفير والاستباحة وفكرة تغيير التركيبة السكانية للجنوب رغم أن البعض ممن نسبت لهم أنكروها، وهفوات أخرى كثيرة نأخذ واحدة للتدليل وهي التقاعد الجماعي للجنوبيين تحت مبرر قانوني (بلوغ أحد الأجلين) وهي الفقرة القانونية المحظوظة بحرص مكونات دولة مابعد 94م على تنفيذها في ظل تجميد العمل بكثير من القوانين التي لاتروق للمتنفذين.

إنها كما قال الإمام علي كرم الله وجهه كلمة حق أريد بها باطل .. أما ما يجري على الساحة اليمنية شمالاً وجنوباً فالكل خائف على مستقبل البلاد والعباد باستثناء القائمين على أمرها الذين نأمل أن يكونوا محقين في تفاؤلهم .. وبين التشاؤم والتفاؤل تبرز بقوة مؤشرات تدل على العد التنازلي لاستمرارية تقبل العقلية التي تدار بها شئون البلاد منذ ماقبل الوحدة والمستمرة حتى يومنا هذا، وذلك بسبب ازدياد فعالية وقدرة (قوة الرفض) على المستوى الوطني والدولي.

فعلى المستوى الوطني ظهرت إلى جانب أحزاب المعارضة كجزء من قوة الرفض منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان يتصدرها محامون أكفاء، وجرى تقوية صلاتها بالمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان التي استطاعت أن تحد من رغبة النظام في الاعتقال والتنكيل بمعارضيه من مختلف المشارب السياسية، من ناحية أخرى أجمعت قوى الرفض على رفض تقبل هذه العقلية التي تدار بها البلاد بغض النظر عن تبايناتها في ماعدا ذلك .

وبذلك يبقى أمام السلطة إما اختيار البقاء المشروط بإجراء إصلاحات شاملة وعميقة ومؤلمة كالولادة القيصرية بالنسبة للنظام ترضي كل القوى الفاعلة في المجتمع من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وتلبي المصالح الوطنية والإقليمية والدولية أو التشبث بأمل البقاء كما هي حتى تفاجأ بالانهيار الذي إن حدث لاسمح الله ستتغير معه الخريطة السياسية للأرض وللقوى السياسية بعد تكبيد البلاد والعباد خسائر لا قبل لنا بها.

بين هذا وذاك ورغم أن السلطة قد فقدت مصداقية أي حوار يجري معها بسبب تعاملها مع الحوارات كجزء من تكتيكاتها لكسب الوقت الذي تجعل منه عاملاً تستخدمه في التنصل من أي اتفاق مع قوى المعارضة لاترضى عنه.

ومع ذلك نعتقد أن السلطة تدرك أنها قد اقتربت من نقطة النهاية التي ستجبر عندها على إجراء تغيير جذري في كل شيء.. هذا التغيير الذي سيبدأ بإجراء حوار جاد تجاه القضايا الشائكة بدءًا بالقضية الجنوبية وانتهاء بإرساء دولة النظام والقانون التي سينتهي فيها حكم العائلات والمناطق وبؤر الفساد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى