حرية التجمع السلمي: الموقف الرسمي من الحراك السلمي الجنوبي .. (2-2)

> أ. قادري أحمد حيدر:

> والمفارقة القانونية -هنا- أن من يتم قتلهم في المهرجانات والاعتصامات كما هو الحال مع شهداء الحبيلين، والمكلا، وعدن وغيرهم، تعتبرهم السلطة شهداء ولهم كامل حقوق الشهداء وتعالج بعض الجرحى منهم في الداخل والخارج، ومع ذلك ولإصرارهم وعنادهم على مواقفهم -أقصد الجرحى- يتم بعدها توجيه العديد من التهم لهم بعد خروجهم من المستشفى، أو عودتهم من العلاج في الخارج، وهي قمة المأساة التي تعكس حالة الاضطراب في عقل الحاكم.

اللافت للنظر هنا أن جميع قاتلي المعتصمين خارج السجن في جميع حوادث القتل، وبعضهم يحضرون إلى المحكمة وهم يلبسون الزي العسكري وبكامل عتادهم، بل ويخرجون من المحكمة إلى أسواق المديرية والمحافظة وكأن الأمر طبيعي وهو ما يساهم في توتير الأجواء واحتقانها.

جميع المحاكمات لقيادات الاعتصامات تتم خارج الإجراءات القانونية ولم يدن فيها أحد من المعتصمين المحاكمين وجمdعهم من دون استثناء أفرج عنهم في وسط المحاكمات وقبل انتهائها، وممن تم اعتقالهم من الناشطين في الحركة الاعتصامية السلمية من البارزين والمعروفين:

1- حسن أحمد باعوم وأولاده الثلاثة.

2- الناشط الحقوقي والسياسي أحمد محمد القمع.

3- الناشط الصحفي والاجتماعي محمد حسن با صريح.

4-القيادي السياسي الاشتراكي علي منصر وغيره من قادة الاشتراكي في مواقع مختلفة .

5- المحامي يحيى غالب.وهو محامي العديد من الأسماء من قادة الحراك في السجون والشهداء .

6- الناشط السياسي والحقوقي علي هيثم الغريب.

7- الصحفي أحمد عمر بن فريد.

وقائع القتل والجرح طالت جميع الفعاليات الاعتصامية والمهرجانات الكبيرة والصغيرة، وتكاد تكون هي القاعدة باستثناء مهرجان واحد هو مهرجان ( ) جميع الفعاليات الاحتجاجية الاعتصامية والمهرجانات تم مواجهتها بالحصار المسبق لأماكن انعقادها وبالمطاردات، والقمع، والسجن، وإطلاق الغاز المسيل للدموع، وإطلاق الرصاص الحي على المعتصمين كما حدث على سبيل المثال:

1- مهرجان واعتصام عدن 2/8/2007م ذهب فيه قتلى وجرحى.

2- قتلى اعتصام حضرموت 1/9/2007م.

3- قتلى اعتصام الضالع.

4- قتلى ردفان 10/9/2007م.

5- قتلى المنصة 13/10/2007م.

6- قتلى عدن.

لم تكتف السلطة بمنع التغطية الإعلامية المحلية واستخدام الإعلام من خلال الخطاب الرسمي لتشويه صورة المهرجانات والاعتصامات السلمية في الجنوب، بل أنها لم تسمح ببث التغطية الإعلامية للفضائيات الخارجية كما حدث مع قناة الجزيرة التي هددت رسمياً بإغلاق مكتبها في اليمن - كما جاء في الشريط الإخباري المكتوب في القناة نفسها- وليس قانون وزراء الإعلام العرب الأخير سوى التتويج النهائي للتنسيق الأمني الإعلامي العربي على مستوى الجامعة العربية لمنع حرية التعبير بجميع مستوياتها في الداخل والخارج.

المعالجات الدستورية والقانونية في مواجهة الفعاليات والمهرجانات السلمية غير موجودة، والحاصل هو معالجات أمنية عسكرية.

العديد من قيادات الجمعيات للفعاليات الاعتصامية إما طوردوا أو احتجزوا أو أدخلوا إلى السجون وقدموا إلى المحاكمة الصورية، وأفرج عنهم جميعاً دون معرفة السبب القانوني المباشر للاعتقال وللمحاكمات، وحتى سبب الإفراج في مختلف المحاكمات الشكلية.

جميع حوادث القتل في المهرجانات المختلفة اعتبرتهم السلطة وعلى أعلى مستوى شهداء حيث أعلن رئيس الجمهورية قتلى ردفان شهداء وتكفل الدولة بمعالجة المصابينS وهو موقف قانونياً يثير اللبس والاستغراب من قبل السلطة كيف هي فعلياً تقيم هذه التجمعات، وهذه المهرجانات والفعاليات التي تواجهها بالقمع وبإطلاق الرصاص الحي على المعتصمين، وكأنُّ القتل لم يكن بقرار رسمي، أو أن هناك جهة أخرى هي التي تمارس القتل، وهي مسألة تكررت في معظم حوادث القتل للمعتصمين، واعتبار القتلى منهم شهداء.

جميع أيام القتل للمعتصمين في المهرجانات تحولت عملياً بعد ذلك إلى مهرجانات وفعاليات كبرى من خلال تحول أيام التأبين إلى أيام اعتصام ومهرجانات جديدة، لا تستطيع السلطة أن تقمعها بصورة سافرة احتراماً لقدسية يوم الجنازة ومراسيم التشييع المحترمة في جميع الأعراف الإنسانية، وجميعها فعاليات تقودها جمعيات المتقاعدين، وشباب بلا عمل، والعاطلين عن العمل، ومناضلي الثورة والتحرير، وغيرهم.

الخلاصة والاستنتاج:

1- جميع الفعاليات والمهرجانات الاعتصامية السلمية لم تمكن ولم يسمح لها، ممارسة حقها الدستوري والقانوني.

2- جرى التعامل معها من خلال معالجات أمنية وعسكرية وخارج سلطة القانون، والنص الدستوري الذي يتيح هذا الحق.

3- عملياً تم الاعتداء على جميع الفعاليات والمهرجانات الجماهيرية السلمية بقوة حضور سلطة المعالجات الأمنية.

4- كان مصير قيادات العديد من الفعاليات المطاردة والاحتجاز والسجن والمحاكمة خارج سلطة الإجراءات القانونية.

5- جميع من مارسوا عمليات القتل ضد المعتصمين سلمياً لم يتم تحديد حتى أسمائهم وهم خارج سلطة القانون.

6- في الواقع لم يسمح للجمعيات ممارسة فعالياتها بصورة سلمية وجميع الفعاليات في الواقع كانت ممنوعة ومحظورة بفعل سلطة الأجهزة الأمنية.

7- إن الإعلام الرسمي المحلي استخدم لتشويه صورة الفعاليات والمهرجانات والاعتصامات، وصورت بغير ما هي عليه، وما تهدف إليه، بل ولم يسمح للفضائيات الخارجية تغطية هذه المهرجانات وهددت بإغلاق مكاتبها بصنعاء كما حدث مع قناة الجزيرة.

8- إن هذا الحق في ممارسة الاعتصامات والمهرجانات كان مقيداً، ومعطلاً، وغير معمول به ويحتاج إلى حماية قانونية تتناسب مع روح الدستور ومادته رقم (6).

كما يحتاج إلى إعادة صياغة القوانين والتشريعات بما يتوافق مع التزامات اليمن الدولية وتعهداتها التي وقَّعتها.

وفي تقديري أن الحراك السياسي السلمي الجنوبي سيتطور ويستمر ما دامت شروط انبعاثه وانتاجه قائمة، ولن تتمكن المعالجات القمعية والأمنية والعسكرية من إيقافه ، قد تستطيع التخفيف من حدة تصاعده في هذه المرحلة أو تلك ، ولكن ليس بالإمكان تجاوزه وإلغاؤه كظاهرة موضوعية وسياسية ووطنية ، دون تقديم معالجات سياسية ودستورية ، وديمقراطية شاملة تكون القضية السياسية الوطنية الجنوبية اليمنية في بؤرة ذلك الاهتمام كمدخل لحل الأزمة السياسية الوطنية الشاملة، التي تعصف بالبلاد كلها، وستبقى القضية الوطنية الجنوبية اليمنية في حالة حراك وتطور وتقدم ما دامت شروط إنتاجها قائمة ومستمرة في الواقع.

وفي هذا السياق أرى أن الحراك السياسي الاحتجاجي الجنوبي لعب دوراً مهماً في إحداث تعديل نسبي في موازين قواعد اللعبة السياسية ، فقد حرك المياه الراكدة في قلب المعادلة السياسية القائمة بين السلطة والمعارضة ، لصالح قوى المجتمع المدني ، ولصالح السياسة المدنية ، محدثاً خلالاً عميقاً في قدرة السلطة على ممارسة سياساتها بالطريقة القديمة ، رغم حالة القمع والحصار ، والمصادرة من السلطة للحراك وقياداته ، وعلى الرغم من الموقف السلبي من منظمات المجتمع المدني المختلفة - حتى الفاعلة منها - في مساندة ودعم الحراك والوقوف في صفه. بل يمكنني القول إن بعض تيارات قوى أساسية في المعارضة وقفت موقفاً مزدوجاً من الحراك (مع وضد)، وأجدني هنا أرد ارتفاع سقف المعارضة السياسي والوطني وتصاعد مطالبها إلى دور وتأثير الحراك السياسي السلمي الجنوبي، الذي لم تستطع المعالجات القمعية والأمنية والعسكرية حرفه عن مساره السلمي والديمقراطي .

باختصار أقول : إننا نعيش اليوم حالة سياسية انتقالية مأزومة ، وهي إما إنجاز الوطنية اليمنية الديمقراطية القائمة على المتحد الاجتماعي الوطني، والمواطنة المتساوية، وعلى أساس من قيام الدولة المدنية، المؤسسة على التداول السلمي للسلطة وعلى خلفية وقاعدة التعدد والتنوع ، والحق في الاختلاف ، والإقرار بالخصوصيات الوطنية ضمن دولة مدنية لا مركزية ، وحكومات محلية ، أو العودة إلى ما قبل التشطير إلى دويلات ملوك المشايخ والقبائل والطوائف ..، فهل يتعظ الحاكم ويتدارك المآل الذي تقودنا سياساته إليه ، قبل أن يسبق السيف العذل ؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى