كارثة حضرموت والمهرة.. دروس وعبر!

> د. محمد سالم الجوهي :

> معلومة:إن رصد ومتابعة العواصف والأعاصير والمنخفضات الجوية منذ تشكلها وحتى تبددها يعد من الأمور البديهية والسهلة، نتيجة لتطور وسائل الاستشعار عن بعد، عن طريق الأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية.

وبلادنا- كما هي معظم بلدان العالم- على ارتباط وتواصل مع الوكالات والمؤسسات القائمة على عمليات الاستشعار عن بعد، حيث يسهل من خلالها الحصول على الصور والمعلومات عن الأحوال الجوية في حينها، فأصبح من السهولة بمكان رصد الظواهر الجوية لاسيما العواصف والأعاصير والمنخفضات الجوية منذ تشكلها، ومعرفة حجمها واتجاهها وسرعتها، والحيز الجغرافي الذي ستمر به، ومن ثم معرفة الأثر الذي ستحدثه نتيجة لسرعة الرياح أو هطول الأمطار المصاحبة لهذه الظاهرة.

الحقيقة:

لم تعد الظاهرة الطبيعية التي مرت بها بلادنا- لاسيما بمحافظتي حضرموت والمهرة- المتمثلة في العاصفة المدارية التي تحولت إلى منخفض جوي، بدءا من يوم الثلاثاء الموافق 21 أكتوبر حتى يوم الجمعة 24 أكتوبر الجاري مجهولة، حيث رصدتها الأرصاد الأمريكية، وتوقعت أن تتحول إلى إعصار مداري، وقد اعتمد المركز الوطني للأرصاد الجوية في بلادنا على هذه المعلومات، وتابع هذه الظاهرة وأصدر بيانا تحذيريا خجولا غير موجه إلى القيادة العليا في البلد، وإنما موجه إلى الصيادين وربابنة السفن ومرتادي البحر، يحذرهم فيه من سوء الأحوال الجوية والاضطراب في حالة البحر التي وصفها من مضطربة إلى شديدة الاضطراب، وارتفاع الموج من 5-3 أمتار.

والحكومة هي الأخرى لم تعر هذه المعلومات اهتماما يذكر، إما نتيجة جهلها بها، وهذه مصيبة، وإما أنها تعلمها ولم تكترث لها، وهنا المصيبة أعظم.

لقد وقع الفأس في الرأس، وضرب المنخفض سواحل حضرموت والمهرة وداخلهما، ورافقه سقوط أمطار غزيرة جدا، لم يكن لها مثيل منذ قرون، حيث أدت الأمطار والسيول إلى كوارث عظيمة متمثلة في إزهاق الأرواح وهدم المباني العامة والخاصة، وإلحاق الضرر البالغ بالبنى التحتية فضلا عن الممتلكات الخاصة بالمواطنين، وكذا تهجير الآلاف من المواطنين من قراهم ومدنهم المتضررة، وما تم التعرف عليه من أضرار حتى اليوم محدود جدا، نتيجة لتقطع الطرق وصعوبة الحركة فيما بين المناطق.

أمنية:

كان بالإمكان تجنب الكثير من الأضرار لو كان الاستعداد لمواجهة هذه الظاهرة مسبقا، وشكلت لجان لمواجهة الأضرار المصاحبة للمنخفض الجوي. كما فعلت الشقيقة عُمان أثناء تعاملها مع إعصار غونو قبل نحو سنتين.

ولو قام المركز الوطني للأرصاد بمسئولياته، وأوضح للحكومة خطورة مثل هذه الظاهرة، وما ستحدثه من آثار كارثية، لكان الاستعداد مسبقا، ولكان بالإمكان توزيع المواد الإسعافية من خيام وبطانيات وأغذية وأدوية وغيرها إلى القرى والمدن المتوقع تضررها، ولتم توزيع الآليات والمعدات اللازمة بالقرب من الطرق المتوقع تضررها، وكذلك لتم الاحتراز الكامل من قبل المواطنين، وتمت عمليات الإجلاء والإيواء بشكل مسبق، وتم التحفظ على ممتلكات ومقتنيات المواطنين واستمر الإعلام في دوره التحذيري والتوجيهي للمواطنين حتى يستطيعوا تجنب المناطق الخطرة والتوجه إلى المناطق الآمنة وهكذا، وفي هذه الحالة ستكون الآثار الكارثية أقل حدة، ولعملت لجان الإجلاء والإيواء ومن ثم الحصر والإعمار بشكل أفضل وبكفاءة عالية. إلا أن ما حصل هو إهمال وعدم اكتراث حتى وقعت الواقعة.

الواقع:

عند حدوث الكارثة بادر فخامة رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عليا لمعالجة أضرار الكارثة، وأعلن محافظتي حضرموت والمهرة منطقة منكوبة، وتوجه بنفسه إلى المناطق المنكوبة، وأشرف شخصيا على عمليات الإنقاذ والإيواء، وكان لوجوده خلال يومي الجمعة والسبت 24، 25 أكتوبر دور كبير في شحذ همم المسئولين والقائمين على عمليات الإجلاء والإيواء، وكذلك إعطاء المواطنين المنكوبين دافعا معنويا كبيرا، كيف لا وهم يراقبون رئيس الجمهورية شخصيا موجودا بينهم في أثناء محنتهم.

وقد بادر رئيس الجمهورية باعتماد (عشرين مليار ريال) لمواجهة أضرار الكارثة، ومازال يتابع أولا بأول عمليات الإنقاذ والإيواء والحصر، وبإذن الله إعادة الإعمار.

ولكون حجم الكارثة كبيرا وانتشار الأضرار على عموم محافظتي حضرموت والمهرة وتقطع السبل بين القرى والمدن حيث أصبحت عمليات التنقل صعبة جدا، فالأمر يحتاج إلى تعزيز دور الجهد الشعبي إلى جانب الجهد الرسمي في أعمال الإنقاذ والإيواء وحصر الأضرار والتعويضات وإعادة الاعمار.

ومن هنا نناشد الجهات الرسمية والشعبية والمؤسسات والجمعيات والميسورين من أبناء الوطن مؤازرة إخوانهم المنكوبين وتخفيف معاناتهم.. والله لايضيع أجر من أحسن عملا.

الخاتمة:

في الأخير لا بد من استخلاص الدروس والعبر من هذه الكارثة تجنبا للأخطاء التي رافقتها، وهنا في تقديري لا بد من:

- أن تقوم الجهات ذات العلاقة بمنع البناء والاستثمار في مجاري الأودية والمسيلات المائية والمناطق المنحدرة انحدارا شديدا والمناطق المنخفضة المهددة بالغرق وغيرها من المناطق المحرمة الأخرى، تجنبا لحدوث كوارث مستقبلية لا سمح الله، وفي حالة عدم قيامها بهذه المهمة فإن المسئولية ستقع عليها كاملة لكونها المعنية بذلك.

- أن يتحمل المركز الوطني للأرصاد الجوية مسئولياته كاملة تجاه رصد ومتابعة الأحوال الجوية وتصنيف المعلومات وفق أهميتها وخطورتها وإشعار الجانب الحكومي بذلك، فضلا عن إشعار المواطنين عن طريق الإعلام، حتى تتم عمليات مواجهة الأضرار قبل وقوع الكارثة لتقليل أثرها، بحسب الإمكانيات المتاحة.

- أن يتم تشكيل لجان إغاثة دائمة على مستوى المحافظات والمديريات، تدرب التدريب الجيد للقيام بعملها بمهنية وكفاءة أفضل.

- أن تتشكل لجان الدفاع المدني من ذوي الكفاءة.

- أن يكون لدى المحافظات والمديريات مخزون إستراتيجي من المياه والغذاء والدواء والكهرباء وغيرها، ولو يشمل ذلك المدن الرئيسة في المقام الأول.

- أن تكون هناك مراقبة شديدة على تنفيذ المشاريع المختلفة من حيث المواصفات والجودة واعتماد الجوانب البيئية عند القيام بهذه المشاريع.

أخيرا:

نترحم على أرواح الشهداء، وندعو للمرضى بالشفاء، ونشد على أيدي الجنود المجهولين ونطلب لهم التوفيق، ونطلب من الله أن يخلف على المتضررين بما هو أحسن وأفضل، كما نرجو من الحكومة والمواطنين أن يتخذوا العبر والدروس من هذه الكارثة، ربنا يحفظ الجميع من كل مكروه.. والله من وراء القصد.

* عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى