المشترك والموقف من الانتخابات

> عيدروس نصر ناصر :

> يبدو أن لا أحد يهتم كثيراً بالانتخابات إلا النخبة الحاكمة ومن ترتبط مصالحهم ببقائها في الحكم، أما بقية شرائح المجتمع فهم إما منشغلون بالبحث عن الأمن المفقود أو بتدبير تكاليف الغذاء والدواء والسكن، هذه التكاليف التي بلغت من الارتفاع ما لم تبلغه قط طوال تاريخ اليمن، من دون أن يقابلها ارتفاع في مستويات الدخل، إلا لأصحاب المداخيل المرتفعة غير الخاضعة للمراقبة والشفافية .

هذا القول لايعني بالضرورة أن لاتتم الانتخابات، فالسلطة في بلادنا تمتلك القدرة على صنع أشياء كثيرة بما في ذلك صنع الناخبين، وذلك من خلال استجلاب ناخبين بدلاً من الرافضين أو المقاطعين أو الغائبين أو الميتين، وهذا ماحصل في انتخابات عام 2006م، حيث بلغ نسبة المصوتين للرئيس في بعض المراكز الانتخابية %100 من المقيدين في جداول الناخبين بالرغم من وجود مسافرين ورافضين وموتى وقتلى وهذا ما حدث في بعض مديريات محافظة صعدة .

سأتحدث هنا عن موقف المعارضة سواء متمثلة بأحزاب اللقاء المشترك أم بعض الأحزاب غير المنخرطة فيه أم بعض الفعاليات السياسية في الجنوب المتصلة بالحركة الاحتجاجية التي تبلورت إثر تنامي الحركة الاحتجاجية في العامين 2008/2007م، وكذا حركة الحوثيين .

يكاد الجميع - باستثناء النخبة الحاكمة - يتفق على أن هناك قضايا عاجلة تأتي أولويتها قبل قضية الانتخابات وفي مقدمتها الأزمة الوطنية التي نتجت عن ما ترتب على حرب 1994م الظالمة من سياسات خاطئة شرعت للنهب والسلب والإقصاء والاستقواء أكثر مما شرعت لبناء الدولة وتعزيز حق المواطنة، وإذا ما أضيف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تطوق رقاب العامة من الشعب، ونتائج حرب (بل حروب صعدة الكارثية الخمس) ومانتج عنها من تمزق نفسي وجراح اجتماعية، ودمار اقتصادي وبشري، فإن قضية الانتخابات تصبح مجرد أضحوكة غير مسلية مقارنة مع هذه الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلد .

ولو أن لدينا حكما يملك قدراً ولو يسيراً من المسؤولية والرشاد لتفرغ لمعالجة كل تلك المشكلات منذ العام 1994م وأصبحت اليمن اليوم من الدول المستقرة والناهضة والمتحررة من قيود ومؤثرات الماضي، ولكن حكامنا تفرغوا لنهب الثروات والعبث بالموارد ومراكمة أرصدتهم وتنمية شركاتهم ومؤسساتهم وأهملوا واجبهم الوطني راكنين على أنهم في كل مرة سيستطيعون خداع الشعب في انتخابات استعراضية تنحصر نتيجتها في إعادة إنتاج الوضع السيء وربما للإتيان بوضع أسوأ منه .

المعارضة تتفق على عدم نزاهة وعدم شرعية الانتخابات باعتبارها تقوم على قانون انتخابي بحاجة إلى التعديل وتديرها لجنة انتخابية غير شرعية سواء من حيث تركيبتها أم من حيث طريقة انتخابها ومن ثم فإن ما ستأتي به هذه الإدارة الانتخابية هو غير شرعي انطلاقاً من قاعدة «مابُني على باطل فهو باطل».

ويتميز موقف الفعاليات الاحتجاجية السلمية في الجنوب بالقول بأن الانتخابات القادمة لا تعنيها في شيء وإن كنت أتمنى أن تقول ماذا ستفعل إزاء هذه الانتخابات؟ لأن القول إنها لا تعنينا هو خال من أي موقف .

ومثلها موقف أحزاب اللقاء المشترك، الذي يرفض ما تأتي وما ستأتي به اللجنة العليا للانتخابات الفاقدة الشرعية ، كما تقول بيانات اللقاء المشترك، فهو يعلن أنه لن يشارك بشروط المؤتمر ولن يقاطع بناء على رغبته، ولكن هذا القول لن يقول لنا ماذا سيفعل هل سيقاطع بناء على رغبته هو أم سيشارك بشروطه هو؟ وفي الحالتين كيف ستكون المقاطعة وكيف ستكون المشاركة .

في نظري الشخصي إن مقاطعة المشترك للانتخابات ستضيف قوة كبيرة ودفعة أكبر لحركة المقاطعة وسيتميز بأنه سيضيف لها بعداً سياسياً يتضمن البدائل المقابلة لرفض الانتخابات مثل الفعاليات التي يمكن أن تسهم في تعطيل الانتخابات وستؤدي إلى فشلها باعتبار الحزب الحاكم لايهتم إلا بحصيلة الانتخابات التي غالباً ماتصنع بعيداً عن إرادة الناخبين .

كما سيخلق هذا الموقف تقارباً معقولاً بين أحزاب اللقاء المشترك وبين الفعاليات الاحتجاجية السلمية التي ماتزال تتهم المشترك بأنه وجه آخر للسلطة أو أنه لايكترث للقضية الجنوبية بالرغم من موقفه الواضح بتأييد معالجة القضية الجنوبية باعتبارها مدخلاً للإصلاح الوطني الشامل .

أحزاب اللقاء المشترك تتهم اللجنة العليا للانتخابات بأنها تسعى لتزوير الانتخابات وهي اتهامات لاتخلو من وجاهة خاصة إذا ما علمنا أن اللجنة هي نفسها التي أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية في العام 2006م قبل إقفال صناديق الاقتراع .

أما لو قرر المشترك المشاركة في الانتخابات في اللحظة الأخيرة، فهو سيكون أشبه بذلك الذي يحذر من وجبة مسمومة يجري الإعداد لها، ولكنه في اللحظة الأخيرة يقرر تناول هذه الوجبة حتى لايموت جوعاً وهو يعلم أنه سيموت مسموماً .

* عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى