رحيل أمير الرواية العربية وصاحب موسم الهجرة إلى الشمال

> «الأيام» مازن سالم صالح:

> رحل قبل أيام قلائل بأحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن الروائي العربي الأديب السوداني العالمي (الطيب صالح) بعد معاناة مع مرض الفشل الكلوي الذي كان قد غيّب أيضاً قامة روائية أخرى هو عبدالرحمن منيف .

وتعد رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» المنجز الروائي والأدبي الأبرز، التي قدمت الطيب إلى العالم أجمع، وقدم بها هو أيضاً الأدب الروائي العربي إلى العالمية في بواكير النصف الثاني من القرن الفارط .. والتي تدور خلفيات أحداث شخصياتها مابين الصدق والحميمية والأمان ودفء الطبيعة في الشمال والشمس التي تذيب جليد الشمال البارد في لندن، هذا من المنظور الانطباعي/ التلقائي وشاءت حكمة المولى وأقداره أن تكون (لندن) محطة ختامية لرحيل مؤثر لقامة روائية وهامة إبداعية سودانية عربية، قدمت وأبرزت الجوانب المضيئة للرواية العربية إلى أعتاب العالمية عبر منجزه الإبداعي الأشهر «موسم الهجرة إلى الشمال» التي حظيت باهتمام عالمي وعربي فرضته جدلية العلاقة المذكورة .

وهو ماتطلب سرده بملكة إبداعية امتلك الطيب فيها ناحية الانفتاح على الجوانب الحضارية المضيئة في الجهتين معاً فأضاءت جوانب مظلمة فيهما ولم تتنكر لمنابعهما، وهي التقنية التي دعمت أيضاً خطابه السردي / الروائي فيها - أي نفس الرواية بالنوستولوجيا/ الحنين للوطن/ للأرض، إضافة إلى التوازيات والتقابلات على محاور السرد، في مابين الشمال والجنوب/ الشرق والغرب، من حيث الطبيعة والشخصيات والمكونات.

وإذا كان الروائيون العرب قد بايعوا الطيب صالح على إمارة الرواية العربية في مؤتمرها بالقاهرة الذي أقيم منتصف العام 2005م ومنح فيه جائزتها أيضاً .. فإن كتاباً تذكارياً أيضاً قد صدر في بيروت خلال العام نفسه.. احتفى بالطيب وبإبداعه وأدبه وسيرته .. قدمه مجموعة من النقاد والمثقفين العرب.

وفيه يقول عنه الشاعر بلند الحيدري «إن غربة الطيب عن سودانه عمقت لديه الشعور بالانتماء إليه فزاد التصاقه به عمقا أعمق .. عمق دكنة بشرته».

فيما اعتبره الناقد صلاح فضل بأنه «هدية السودان إلى العرب وإفريقيا والعالم».

ومن أبرز الشهادات التي وردت في ذلك الكتاب عن سمات وصفات الطيب، وجده الصوفي الأصيل حد وصفه بوليٍّ صالح دون عمامة، كما جاء عن جهاد فاضل ، مضاف إلى حبه للناس وحب الناس له ، ناهيك عن طرائقه وأساليبه في سرده الروائي، التي عن ملامحها يقول د. جابر عصفور، بأنها «لاتخلو من التوازيات والتقابلات والتحولات والرمزيات في الشكل والمحتوى وبتقنية وجرأة جعلت سرده أنمودجاً للرواية الحديثة / أبو لونيه - المنزع - والتي لاتعرف الهجرة إلى عوالم اللاوعي والالتباس والغموض، ولذلك تظل روايته تمثيلاً للحداثة، التي تؤثر التشبيه على الاستعارة في الوصف و التقمص» .

وهي حداثة اقترنت عوالمها لديه بالمدينة والمرأة.

وإذا كان هذا الطيب قد شغل الناس حياً فإن إبداعه سيشغلهم من بعد مماته، بدءًا من «موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«بندر شاه» وغيرها .

فضلاً عن أن «موسم الهجرة إلى الشمال»، تظل من أولى الروايات وبواكير الأعمال الأدبية العربية، التي تطرقت لعلاقة المشرق بالمغرب هذه العلاقة الشائكة التي سبقها إليه رفاعة الطهطاوي في «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، وتوفيق الحكيم في «عصفور الشرق»، وسهيل إدريس في «الحي اللاتيني».

على أن البناء الروائي كما يقول د. عبدالعزيز المقالح في «موسم الهجرة إلى الشمال»، اجتمع لها عن سابقاتها التفوق البنائي على صعيد الرواية من حيث «التصوير الدقيق والعميق للشخصيات والأحداث والوصف المذهل للوقائع والأحداث والعوالم وهذه من مميزات الرواية الحديثة».

رحم الله أديبنا الكبير وروائينا البارز الطيب صالح المولود عام 1929م والمتخرج أكاديمياً في لندن والمتوفى في لندن 2009/2/17م عن عمر ناهز الثمانين عاماً تقريباً والذي يقول هو بنفسه يرحمه الله عن رواياته «إن موسم الهجرة إلى الشمال، كانت تحدياً للنظرة الاستشراقية .. إذ لايجب أن نصير مسوخاً لآخرين.. لابد أن نتطور في إطار ما لدينا من سياق إسلامي تاريخي حضاري خصب».

المصادر: دراسات في الأدب العربي.

المراجع: مجلة «العربي» الكويتية، أصوات من الزمن الجديد، د. عبدالعزيز المقالح، الأعداد: 560و563و564.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى