قصة قصيرة .. هو الآخر يخدعني

> «الأيام» نشوان محمد العثماني:

> البحر صامت. تمخره الفرقاطات والسفن، أراها مارة وواقفة. أعلم أن هناك مشكلة تواجهها. يشار أن مجموعة من البشر تعترض طريقها. أثيرت هذه القضية على نحو بالغ. امتلأ بحرنا بسفن وحاملات شتى ليست لنا، عسكرية على الأغلب، تدافع عن مصالحها.

***

بيدي مجلة ثقافية، أنتظرها في مكتبة عبدالجليل نهاية كل شهر. العدد الذي أقرؤه الآن صدر الشهر الماضي، جداً شغوف بالقراءة. أستلهم معطيات الواقع الثقافي، أقرأ لعالم النخبة، أمسي ممروراً من كتاباتهم، يبتعدون كثيراً عن عالم البسطاء، من الراحة والدعة أغطشوا أقلامهم عنا، جافوا رسالتهم السامية، وقد فقدنا الأمل، لم نعد نعول إلا على حرف المثقف. هيهات. من ثمن قوتي أشري ما يكتبون، أقرأ.

***

اعتدت على أمواج ترتطم برواهص الساحل، اليوم بدا غير غاضب، منحسرا، ربما نزل يحل إشكالاته في الأعماق. كانت جدتي في أحاجيها تقول إن هناك حوتا كبيرا يلتهم ما يصله، وهو نفسه الذي التقم يونس. ويقال أنه خلق منذ أن وجدت البحار، لكن جدتي كانت مصرة على أنه قبل نهاية التاريخ سيخرج إلى البر فاغرا فاه، لينفخ الصيحة الأولى في صور القيامة، سامحها الله أخافتني كثيراً.

***

توقفت عنها، سأمت. أسرّح عيني، أشد ما يقلق تفكيري كيف أن هذه الحاملات تطفو على الماء ولا تغرق عكسي تماماً. «في مرحلة متأخرة من العمر ستكتشف أنها عملية سهلة» أتذكر عبارة أبي . أذكر أنني طرحت عليه السؤال نفسه ذات مرة، كان صائماً، وكنت آكل البطاطس المسلوق بجانبه. وصلت الثلاثين من عمري والأمر ما زال صعباً. لم أستطع استيعابه. على الرغم من كثرة القراءة نفوذ وعيي لا يزال بطيء التوسع. لم يراكم المعرفة. حكايات جدتي منقوشة في ركن خاص.

***

أربعة صيادين يركبون قاربهم الصغير. يتجهون نحو العمق. سريعون، حيث اليم هادئ الأعصاب، لا صبا ولاحدواء. جميع الرياح استراحت.

***

استغربت كثيراً من رجل معتدل الجسم والقامة، مربع الوجه جاحظ العينين كبير الأنف، أدعج الحاجبين، أبيض البشرة، أشقر الأذنين، أجعد الشعر، أشيب الفودين. كان يقبع قرب الساحل بثياب عتيقة يقول إنه غير فهيم، وأنه الغبي الوحيد في هذا العالم، ويحمل حكايات جدته المسؤولية بلسان غريب.. هو أنا.

تفاديت كثيراً أن أصل مرحلة الجنون. بينه وبين الواقع ما يشبهني.

بقيت ونفسي.. ثالثنا كل شيء.

***

لم أعد أرى قاربهم. فندق ديكتاتوري الفخامة، ناحية اليمين ظل يجذب نظري باستمرار واستفزاز.انزعجت.لممتها. غلافها يثير الرغبة.حسناء مبتسمة الساقين تجلس على صدر الغلاف.أجزمت أنها اختيرت بعناية فائقة. كتبوا عنها، أرأيت؟

***

خيوط حمراء توشوش على جبيني. قرص أحمر عملاق يتوارى خلف البحر. أقفلتُ.

«طائرة من إحدى البوارج المبحرة في الممر الدولي لبحر العرب تقصف قارباً كان يحمل أربعة قراصنة». كسرت المذياع هو الآخر يخدعني كحكايات جدتي.

16 فبراير2009م - عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى