الرأي السديد أنفع من العنف الشديد

> أحمد عبدالله امزربه:

> لايختلف اثنان على أن العنف لا يولد إلا العنف، والتعامل مع القضايا الوطنية بالقوة لا ينتج عنه سوى التفكك والفوضى وانهيار اللحمة بين أبناء الوطن التي بالضرورة تؤثر سلبا على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي.

لأن استعراض القوة والتهديد باستخدامها يعني ضعف الأنظمة والقوانين، ومتى ضعفت الأنظمة والقوانين انتشر الفساد وزادت المظالم، وسادت الفوضى وانعدمت المشورة، وضاع الرأي السديد.. قال الحسن:«الناس ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل، فالرجل الرجل فذو الرأي والمشورة، وأما الرجل الذي هو نصف رجل فالذي له رأي ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل فالذي ليس له رأي ولا يشاور». وقال بعض الحكماء:«المشورة موكل بها التوفيق لصواب الرأي» ونحن بلادنا من أكثر بلدان المعمورة فيها مستشارون ولا يوجد مرفق من مرافق الدولة إلا وبه مستشارون، وهم أيضا ثلاثة أنواع النوع الأول: لا يشيرون ولا يستشارون، لأن تعيينهم تم إما لإرضائهم أو لإسكاتهم أو ترقيع على أمل الخروج من أزمة ما أو لعدم وجود مناصب أخرى لهم، والنوع الثاني يستشار لكن مشورته إما أن تكون على هواه أو لخدمة مصالحه الشخصية، أو لتحسين صورته وإثبات ولائه للحاكم وهو يعلم والحاكم يعلم والناس تعلم كذلك عدم صواب الرأي في مشورته، أما النوع الثالث فيمثل الحالة الأفضل وعندهم من صواب الرأي وصدق المشورة، لكن للأسف الشديد يعانون التهميش المتعمد، والمضايقة وخلق العراقيل في طريقهم من قبل آخرين يرون أنهم يضرون بمصالحهم الشخصية، لهذا تكون (الوشاية) السباقة للحاكم تصل إلى الحاكم قبل وصول مشورتهم وصدق نفوسهم اللوامة،

والأمثلة كثيرة!! لا مجال لذكرها في هذا الحيز، وقد قيل أن اليونان والفرس كانوا لا يجمعون وزراءهم على أمر يستشيرونهم فيه، وإنما يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به، ولا يذيعون مشورته وذلك لمعان شتى منها لئلا يقع بين المستشارين منافسة (خاصة النوع الثاني) فتذهب إصابة الرأي، لأن من طباع المشتركين في الأمر التنافس والطعن من بعضهم في بعض ويستهدفون (النوع الثالث) فيحسدونه ويعارضونه، فكم من نزيه وصاحب ضمير نظيف في رأيه ومشورته أصبح في قفص الاتهام وينعت بالخيانة والتآمر بسبب الوشاة والحاسدين (الفاسدين) وكم من متزلف ومنافق ووصولي يصل به الأمر إلى التسلق على حساب القضايا الوطنية المصيرية، فيصبح من الصفوة والمقربين وهذا لا يحصل إلا متى ما كانت الأنظمة والقوانين ضعيفة فتصبح القوة سيدة الموقف فيوأد الرأي السديد بالعنف الشديد، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما خاب من استخار ولاندم من استشار ولا افتقر من اقتصد ».

وقال الرشيد:

فكيف يرد الدر في الضرع بعدما

توزع حتى صار نهبا مقسما

أخاف التواء الأمر بعد استوائه

وأن ينقض الحبل الذي كان أبرما

والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى