حكاية البُعيثة التي لم تصل*

> د. قيس غانم نعمان:

> ما هي البُعيثة؟، وما أدراك ما البُعيثة! وهل تعلم مدى سرعتها؟، وهل هي في سرعة الضوء، أم بطء السلحفاة؟ لكي تتعرف عليها عليك أن تصطحبني إلى مكتب البريد.
في صباح التاسع والعشرين من مارس 2010 توجهت إلى مكتب بريد الشيخ عثمان لإرسال رسالةالى برمنجهام في بريطانيا بالبريد السريع اليمني (E.M.S) دون معرفة بما تعني هذه الأحرف. فمن الممكن القصد منها (انسى,ما بتوصلش, سامحونا) كان وزن الرسالة - خمسة وثلاثون جراماً بحسب ما كتب موظف البريد على الوصل ودفعت مبلغ وقدره خمسة الآف ومائتين وخمسين ريالاً.
لم يكتب الموظف المبلغ المدفوع على الوصل إلا بعد أن طلبت منه ذلك وبعد أن سلمني القسيمة، ثم طلبت منه أن يسجل المبلغ في الدفتر الذي اقتطع منه الوصل الأصلي لكنه لم يفعل أمامي ولما كررت طلبي أفادني أنه سيسجل المبلغ في الحاسوب "فوق" أي في الدور الثاني.
للأسف الشديد انطبع في ذهني أن المبلغ لن يسجل بالكامل وتشككت في الأمر لأن مثل هذه الأمور قد سمعت الكثير عنها وأنها تحدث في دوائر ومؤسسات كثيرة حسب ما يقال، والحديث عن الفساد المالي والاداري اصبح امراً مقبولآ ومُقراً- ليثهم يضيفون علم الفساد في الجامعات ذات المستوى الفاسد.
في اليوم التالي اتصلت بالأستاذ عبدالعظيم القدسي مدير عام الهيئة العامة للبريد والتوفير وأخبرته بما حدث فتجاوب بسرعة وبصدر رحب . وبعد نحو نصف ساعة اتصل مسؤول في بريد الشيخ عثمان مبلّغاً بأن المبلغ سجل بالكامل وأن الرسالة قد ذهبت إلى صنعاء - مركز المركزية - ومن هناك ستغادر إلى وجهتها.
أتصلت بالأستاذ القدسي شاكرا تجاوبه.
اذا كان مطار عدن حقاً دوليا كما يقال فلماذا بالضرورة ترسل الرسائل الدولية إلى صنعاء لإرسالها إلى الخارج.
في السابع من إبريل أتصلت مرةً أُخرى- إزعاج آخر- بالأستاذ القدسي وأخبرته أن الرسالة لم تصل وجهتها فدعاني إلى مكتبه في خور مكسر وهناك دخل موقع (E.M.S) المطبوع خلف الوصل ولم يتمكن من دخول الموقع، ثم هاتف شخصا ما، والذي بدوره فأخبره أن الرسالة قد غادرت صنعاء في يوم الواحد من إبريل - بالطبع ليست كذبة إبريل- على متن الخطوط العربية السعودية عن طريق جده - المدينة وليست جدة عُميّة سرجي، ولربما تسلم الرسالة في ذلك اليوم - السابع من إبريل- أو اليوم التالي.
عند عودتي إلى المنزل حاولت دخول الموقع وسجلت رقم المتابعة ولكن لم افلح. أتصلت للمرة الثالثة بالأستاذ القدسي من الاردن يوم الرابع عشر من إبريل فأكد لي أن الرسالة قد وصلت الجزر البريطانية.
وبعد عودتي من الأردن اتصلت بالأستاذ القدسي ثم بنائبه للشؤون المالية والإدارية حيث أكدا لي أن الرسالة قد وصلت أنجلترا (فهل ياترى الرسالة عند الملكة إليزابث الثانية).
وأضاف نائب المدير لربما تعذر تسليم الرسالة إلى صاحبها نتيجة لعدم تواجده بالمكان أو لربما العنوان وأرقام التلفونات المكتوبة على الظرف غير صحيحة، وحتى اليوم الخامس من مايو 2010 مازالت الرسالة في عداد المفقودين، ويا خسارة الوقت والريالات.
يجدر بالذكر أنني كنت على إتصال هاتفي يومياً مع إنجلترا للإستفسارعن البعيثة.
لفت نظري في الوصل أن ما يرسل يسمى لدى مصلحة البريد (البُعيثة) ونظام المتابعة (نظام البعائث) ، قلت ربما يقصد بالبعيثة (بالعبثية أو البعوضة) والبعائث ربما المتاعب والله أعلم.
ما أعلمه أن عملية (E.M.S) في حالتي هذه لم تفد.
يؤسفني أنني أزعجت المديرالعام - الذي لم ينزعج أبدا- لأن من المفروض أن أتابع الإتصال بأرقام الهواتف الموجودة في الوصل ولكن عندما حاولت لم أجد تجاوباً.
يبدو أنه بعد العمل لأكثر من ثلاثين عاماً كمسؤول دولي في عدد من البلدان في مراكز قيادية و إستشارية عدت مضطراً إلى العادة القبيحة - ألا وهي الإتصال بالمسؤول الأول- بعد أن تعذر الإتصال بالمسؤولين المباشرين وبذلك أساهم في تراكم التساؤلات والمتابعات مع المسؤول الأول. ولحسن الحظ الأستاذ القدسي كان رحب الصدر.
أما البُعيثة فلم تُسلم إلى الجهة المرسل إليها ، فعلى البُعيثة والريالات السلام وتوبة من الــE.M.S.
*كتبت عام 2010 واخذتها الى دار «الأيام» لكنها كانت محاصرة من قبل جنود النظام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى