رمضان اليمن .. عبادة ممزوجة بالدم..أكثر من 70 قتيلا ونحو 120 جريحا في أحداث شهدها الأسبوع الأول من رمضان

> تقرير/ بليغ الحطابي:

> لا يٌشبه رمضان اليوم برمضان الأمس في اليمن، فاليمنيون الذين اعتادوا على أن يكون استقبالهم لهذا الشهر بفرحة وبهجة وسرور،يستقبلونه اليوم بأزمات شتى متتالية،وأوضاع أمنية لاتسر العدو ولا الصديق،بل الأفظع من ذلك كله هو القتال المستعر والحروب والمواجهات الطاحنة التي نشبت بين الأخوة وأبناء الدين الواحد..ولعلها لن تبقي ولن تذر بعد أن أكلت الأخضر واليابس،وأغضبت الرب في السماء، ومنعت رحمته من أن تحاكي وضعا مؤلما وحاسرا كوضع اليمنيين.
وعلى الرغم من دخول الشهر الحرام (رمضان) إلا إن القتل لازال مستمرا، والتوتر على أوجه، بينما تظل حكاية الأمن في سفر غيابها الطويل الذي لم ولن يحاكي حاجة المجتمع.
* إحصائيات
في إحصائية اجتهدت بالبحث عنها «الأيام» وتفردت أيضا بنشر بعض أخبارها ونقلها كوقائع وحقائق مفيدة يمكن الاعتماد عليها منذ بداية شهر رمضان المبارك وخلال الأيام الستة الماضية.
فإن حصيلة تلك الأحداث الدموية المؤسفة وقصصها المرعبة التي لونت أفراحنا الرمضانية، وحولتها إلى مآسي ومعاناة دخلت كل بيت وكل أسرة..تكاد تزيد عن (70) قتيلا بينما الجرحى لاحصر لهم فهم بالعشرات،وكما تؤكد تفاصيل بعض الأخبار والأنباء أن هناك تضارب في الأرقام، مايعني أن حصيلة معظمها كانت أكثر بكثير، غير أن هناك خشية كما يبدو من بعض الأطراف على كتم حقيقة نشر وإذاعة الخسائر الحقيقية،كما هو الحال مع طرفي الصراع في عمران (الإصلاحيين والحوثيين)، إذ إن هناك تكتم وغموض وتضارب في الأخبار الواردة من ساحات المواجهات إلا ماندر، بيد أن الأهمية ليست كبيرة لنا في هذا التقرير أن نصيب حقيقة الأرقام بقدر إصابة حقيقة الأحداث والوقائع التي معظمها خاصة بـ«الأيام»،وأنها ليست محض خيال أو افتراء أو تجن على ضعف أجهزة الدولة وتجاهلها لإحصاء مثل هذه الوقائع أو تناولها في تقاريرها اليومية والأسبوعية والشهرية، سواء أكانت حوادث عارضة أو بفعل فاعل ونتاج تخطيط وتدبير سياسي أو حزبي أو مذهبي أو مناطقي أو دوافع اجتماعية ثأرية ..الخ.
* حرب الأوصياء
وتعد الحرب الدائرة بين مسلحين يتبعون جماعة الحوثي، وآخرين يتبعون حزب الإصلاح هي البعث الحقيقي أو الأول لصراعات ومعارك واشتباكات ومواجهات تشهدها الساحة اليمنية في عدة جبهات جنوبا وشمالا.
ووفقا لما يراه سياسيون، فقد خرجت هذه الحرب المتجذرة على أساس ديني ومذهبي في نهاية فعاليات الحوار الوطني الشامل الذي عقد العام الماضي؛ سعيا من كل طرف لفرض قوته وسيطرته على الدولة الجديدة، وفرض أجندة خاصة تتحكم بتوجه اليمن الاتحادي وبنيانه الجديد.
* حرمة الشهر الحرام
لم يراع المتصارعون في عمران وعدد من مناطق صنعاء حرمة رمضان وقدسيته، كما لم يدرك المتصارعون باسم الدين أن حرمة دم امرئ مسلم أكبر عند الله من هدم البيت الحرام حجرا حجرا أو كما جاء في الحديث. فمنذ بداية شهر رمضان سقط ما يزيد عن (30) من الطرفين في مناطق عمران والمعمر وضروان وفي همدان ونحو (35) جريحا،ويتمدد صراع الأخوة الأعداء إلى كل منطقة،وفي محافظة الجوف هي الأخرى تعاني من ذات العفن الفكري الطائفي والمذهبي الذي لا يتورع هو الآخر في إزهاق دماء و حصد أرواح العشرات من اليمنيين، ففي إحصائية تقريبية بلغ عدد القتلى إلى نحو (12) خلال اليومين الماضيين، ولن تتوقف عند حد معين إذ لاتزال حرب الاستنزاف متواصلة والعنف مستمرا من أجل صراع البقاء للأقوى في حرب يعدها كثيرون حربا صفرية وعبثية بدرجة أولى لاتجلب إلا الشرور لليمن واليمنيين.
وفي غضون ذلك أغتيل ضابط في تعز بدراجة نارية الثلاثاء على يد مسلحين لايزال البحث جار عنهم بعد القبض على الدراجة وإيداعها الحجز، وتم العثور على جثة ضابط مخابرات في لحج قتل برصاص مسلحين غير معروفين.
وفي الضالع قتل وجرح نحو 11 في اشتباكات بين اللواء 33 وعناصر الحراك، كما قُتل مسلحان الخميس الفائت في رداع وإصابة ثلاثة جنود في هجوم على مجمع رداع ومنزل وكيل المحافظة.
وفي محافظة ذمار قتل المدير التجاري لمؤسسة الكهرباء (زيد العستوت) على يد عصابة مسلحة أطلقت النار عليه أول أيام شهر رمضان، وفي رداع حدثت الثلاثاء الماضي اشتباكات بين عناصر القاعدة ومواطنين يؤيدون جماعة الحوثي وأدت إلى إصابة أحد المواطنين..وسط مخاوف من توسع المواجهات بين أحياء المدينة.
أما في صنعاء مركز السلطة السياسية للدولة فلا يمر يوم إلا وتشهد قتلا وعنفا واغتيالات أو نزفا للدماء بطرق شتى، وتحت دعاوى ومبررات لاحصر لها.
قتل في أول أيام الشهر الفضيل نجل رجل الأعمال الحباري (عبدالولي الحباري) وإصابة 7 آخرين بعد هجوم جماعة مسلحة على
منزلهم بمنطقة الحصبة الذي لم يبعد عن وزارة الداخلية وبعض وحداتها الأمنية سوى بضعة مترات.
كما قتلت امرأة في الأربعين إلى جانب شاب أثيوبي في العشرينيات من عمره من اللاجئين المتواجدين في العاصمة والذين يعملون في غسيل السيارات بطلقات نارية طائشة أودت بهما الأربعاء بشارع تعز شميلة بأمانة العاصمة، وذلك أثناء تواجدهما في اشتباكات مسلحين من آل (عزيز) و آل (المأربي) بمديرية خولان محافظة صنعاء على إثر قضايا ثأر ونزاعات قبلية، وكانت «الأيام» تفردت بنشر الخبر وتفاصيل الحادثة،واندلعت أول أيام شهر رمضان مواجهات مسلحة بشارع الحرية وسط العاصمة بين مسلحين من آل (دحان) و آل (فاضل) بعد اقتحام الأول لمنزل الشيخ والمقاول حزام فاضل وقتل وإصابة نحو 7 أشخاص من الطرفين بينهم نجل شقيق الشيخ حزام فاضل.
وفي اشتباكات قبلية بين آل (بلحارث) في شبوة وال (الطهيف) بمأرب أسفرت عن قتل 11 وجرح 40 شخصا من الطرفين، كما انتحر الشاب عمر النمرو في قسم شرطة خور مكسر بعد أن احتجز على ذمة اتهامه بقتل زوجته.
إلى ذلك قتل الإثنين الماضي جنديان برصاص مسلحين بمحافظة البيضاء بمنطقة مشعبة على يد مسلحين يعتقد انتماؤهم لتنظيم القاعدة.
* استهتار رسمي
يبدو واضحا أن تلك الدماء لاتحرك مشاعر الحكومة وسلطاتها الأمنية المختلفة وإلا لكانت لاقت تلك الدماء التي تهدر (مجانا) وعلى قارعة الطرقات اهتماما باتجاه البحث عن الجاني والاقتصاص منه أيا كان جاهه أو سلطته، واحتراما للدماء الزكية، ونزولا عند رغبة الشعب.
وكتعبيرعما سبق فقد أكدت وزارة الداخلية في خبر لها منشور على موقعها الرسمي (الإعلام الأمني) - متجاهلة حوادث القتل والاقتتال التي باتت تحيط بالعاصمة وتسيطر على أجزاء منها - انخفاض نسبة الجريمة بنسبة تتراوح بين 15 - 12 % و من تلك الجرائم هي جرائم السرقة التي انخفضت بواقع 30 %، لكنها في الوقت ذاته تجاهلت جرائم القتل والاغتيالات التي تقتحم الشوارع وتفوح روائحها أرجاء الوطن، وكأن ذلك لايعنيها.
* أسباب التحول
يرى اختصاصيون اجتماعيون أن سبب تحول روحانية رمضان إلى ذلك النهم الشديد للقتل والاقتتال يعود إلى ضعف الوازع الديني وبالذات لمن باتوا يتاجرون بالدين ويستخدمونه لأغراض خاصة ولتحقيق أهداف لا دينية، باسم الدين، حتى ولو لزم الحال التقول وابتداع أحاديث ووسائل مكر وخداع ما أنزل الله بها من سلطان. بينما يتفق أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور عادل الشرجبي مع مشائخ قبليين في : “أن سبب اندثار مثل هذه الظواهر يرجع إلى غياب الدولة وضعف هيبة القوانين، بل انعدامها في أحايين كثيرة”.
ويقول الشيخ عبدالله الطاهري أحد مشائخ قبيلة بني ضبيان خولان محافظة صنعاء: “أن انهيار مجموعة القيم منذ ثورة الشباب كان له دور في ذلك حيث أدت إلى الضعف في إرادة الدولة وأجهزتها المختلفة ومنها الأمنية في محاربة ومكافحة الجريمة”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى