اللاجئون الصومال في اليمن (1/2)..مأساة الهروب من الموت والوقوع في الهاوية

> تقرير/ بشرى العامري:

> تعد قضية اللاجئين القادمين من القرن الأفريقي في اليمن من أهم القضايا الإنسانية التي تلفت انتباه المجتمع الدولي والمحلي بدرجة أولىلما يعانيه هؤلاء اللاجئون من أهوال ومخاطر ووضع إنساني مزر لا نظير له في المنطقة.
ففي كل عام يتسلل عشرات الآلاف من الأفارقة عبر المنافذ البحرية اليمنية بحثا عن الأمان ولقمة العيش، ويدفعون مقابل ذلك مبالغ طائلة للمهربين ويكون غالبا بينهم نساء وأطفال.
وتشير السلطات اليمنية إلى وجود ما يزيد عن المليوني لاجيء أفريقي حاليا على أراضيها فيما تؤكد المفوضية السامية لشئون اللاجئين أن ما يقارب من 242 ألف لاجيء غالبيتهم من الصومال هم المسجلين فقط لديها في اليمن.
رغم تضارب هذه الأعداد إلا أن معاناتهم تظل هي الأكثر وضوحا ووجعا وألما لكل من يقترب منهم، ويستمع لقصصهم ومغامراتهم؛ بحثا عن المكان الآمن ولقمة تقيهم من الموت جوعا، وفي السطور التالية شهادات حية لبعض ما يواجهونه من قسوة الحياة والهروب من الموت إلى الموت أحيانا من أجل البحث عن الحياة الآمنة وحلم بمستقبل أفضل.
* رحلة الموت بحثا عن الحياة
حكى لي أحد اللاجئين : "أنه كان على متن قارب أقلهم من شواطئ منطقة (بوساسو) الصومالية، وكان القارب يحمل أكثر من سبعين شخصا فيما هو لا يتسع لأكثر من خمسين فقط واضطروا للتخلي عن الكثير من امتعتهم وطعامهم وقضاء عدة أيام في عرض البحر حتى وصلوا إلى الشواطئ اليمنية بأمان دون القبض عليهم من قبل الدوريات البحرية".
قال لي ذلك اللاجئ الصومالي: "أنه شاهد بأم عينيه أطفالا ومراهقين ماتوا من الاختناق بسبب الازدحام داخل القارب وعدم القدرة على الحركة بداخله، وانه شاهد المهربين وهم يلقون ببعض زملائه في البحر حينما اعترضوا على الوضع السيء الذي كانوا يعيشون فيه ".
فاطمة إحدى اللاجئات اللواتي التقيت بهن قالت: "أنها فقدت ابنها (12 سنة) أثناء رمي المهربين لهما مع مجموعة كبيرة من اللاجئين في عرض البحر في منتصف الليل وطلبوا منهم السباحة حتى الشاطئ الذي لم تظهر ملامحه بعد بشكل واضح وكان عليهم جميعا السباحة لمسافة طويلة جدا" .
تقول فاطمة: " كثير ممن تم رميهم في البحر لقوا حتفهم غرقا وكدت أن أموت أنا أيضا كنت طوال الوقت أبحث عن ابني وأنا في جزع شديد وأخشى أيضا أن أموت غرقا ولم أعرف تماما كيف وصلت إلى الشاطئ؟ وكيف تم إنقاذي؟" وتضيف: "تم انتشال كثير من الجثث من قبل خفر السواحل اليمنية لكني لم أجد ابني بينهم ولم يكن أيضا بين الناجين الذين التقيتهم، ظللت أياما انتظر أمام البحر أذهب وأعود إلى المخيم أبحث عن ابني الذي لا أعرف حتى الآن إن كان على قيد الحياة أم لا ".
عندما يئست فاطمة من أن تجد ابنها توجهت إلى العاصمة صنعاء للبحث عن فرصة عمل بعد أن سجلت نفسها كلاجئة في مكتب المفوضية العليا لشئون اللاجئين وأعطتهم بعض المعلومات عن ابنها علها تجد من يدلها عليه إن كان مايزال حيا .
أما عبد الله (40 عاما) والذي التقيته قبل عامين تقريبا فاذكر أنه أكد لي "بأن أكثر من نصف رفاقه الذين كانوا معه في القارب قد لقوا حتفهم أثناء الرحلة وأن البعض منهم قد التهمتهم أسماك القرش إذ لم تظهر جثثهم على الإطلاق بعد غرقهم ، خصوصا وإن المهربين يقومون بربط اللاجئين والمهاجرين مع بعضهم البعض بحبال قوية داخل القارب مما يقلل من احتمال نجاة بعضهم في حال غرق القارب".
وذكر عبد الله: "أنه فر من قريته في الصومال بعد أن هدمت إحدى القذائف التي كانت تمطر قريتهم الصغيرة بشكل متواصل منزله، وقتلت زوجته وستة من أبنائه كانوا بداخله، بينما كان هو يعمل في إحدى القرى المجاورة التي لم تسلم هي أيضا من القصف المتواصل ".
يقول عبد الله: "أنه عاش بعد قدومه إلى اليمن فترة في مخيم خرز الكائن في مديرية المضاربة بمحافظة لحج ( يضم المخيم حوالي 18 ألف لاجيء معظمهم من الصومال ويحتوي على مدارس وعيادات ومحاط بالجبال والصحراء ) والذي وصفه بالثكنة العسكرية فهو معزول تماما عن المجتمع المحلي، وعندما لم يستطع إيجاد أي فرصة للعمل هناك لصعوبة المعيشة، قرر مغادرة المخيم متجها إلى العاصمة صنعاء بحثا عن فرصة عمل توفر له حياة كريمة كإنسان ولو في حدودها الدنيا ".
* نظرة المجتمع الدونية وعزلة اللاجئين
من أبرز الإشكاليات التي يعانيها الصوماليون عند قدومهم إلى اليمن هي شحة الإمكانيات، وضعف فرص العمل، ومستوى التعليم المتدني جدا، بالإضافة إلى عدم إجادة اللغة العربية؛ لذا فهم يقومون بالأعمال البسيطة والمتدنية والشاقة أيضا ابتداءً من مسح السيارات وتنظيف الأحواش، والعمل في خدمات التنظيف في المطاعم والمرافق الخاصة وحمل البضائع في الأسواق وفي أعمال الزراعة وغيرها في بعض الأرياف، فيما تتوجه النساء للعمل في المنازل كخادمات أو بيع البضائع البسيطة عبر المرور على المنازل أو في بعض التجمعات النسائية التي يستطعن الوصول إليها، ونادرا جدا ما يلجأ اللاجئون الصومال إلى التسول أو الأعمال الإجرامية، وهم في العادة مسالمون بطبعهم خلافا لبعض المهاجرين أو اللاجئين القادمين إلى اليمن من دول أخرى.
وعلى العكس من ذلك نرى أن الجيل الجديد من أبناء اللاجئين أكثر قدرة على التعايش والاندماج مع المجتمع اليمني ويواصل البعض منهم تعليمه ويحصلون على منح دراسية في الجامعات التي تقدم عادة من قبل المفوضية السامية لشئون اللاجئين وبعض المنظمات الدولية، فيما تظل المسائل المادية وتمويل الدراسة للبعض الآخر عائقا أمام الكثير منهم؛ لأنها تظل محدودة في ظل أن اللاجيء يضطر لدفع رسوم التعليم للجامعات كغيره من الجاليات الموجودة في اليمن وهي عادة تكون أعلى من قدارته المالية فيضطر لترك الدراسة والانخراط في أية أعمال غالبا لاتستطيع تأمين مقعد دراسي له .
ويعاني اللاجئون من نظرة دونية من قبل المجتمع اليمني، إذ تجعل هذه النظرة من عملية إيجاد مكان للسكن في المناطق السكنية صعبة جدا، وإذا ما وجد مكان للسكن يضطر عدد كبير من اللاجئين إلى السكن فيه وتقاسم غرفه بينهم أو الاشتراك في غرفة واحدة أحيانا لارتفاع إيجار هذا السكن، وحتى يتقاسم الجميع قيمة الإيجار .
وعادة ما يستأجرون دكاكين في الأزقة والحواري الضيقة والقديمة لرخص الإيجار فيها؛ وخصوصا الأسر الكبيرة أو التي تبحث عن القليل من الخصوصية ومع وجود دخل شبه ثابت يؤمن لهم الإيجار ولقمة العيش رغم رداءتها.
* الآم وآمال ودموع لا تنسى
من المشاهد المؤلمة التي لم أنساها عندما التقيت في السجن المركزي قبل عامين تقريبا عددا من الصوماليات المحتجزات هناك وأغلبهن كانت قضاياهن عبارة عن الشجار والاشتباك بالأيدي أو بعصي وما شابه ذلك مع خصومهن الذين عادة ما يكونون من أبناء جلدتهم في الغالب. أذكر حينها أني التقيت بإحداهن وهي تبكي في حرقة تقطع الأفئدة وهي تخبرني أنه تم احتجازها بعد أن تشاجرت مع صومالية أخرى على ذمة مال اقترضته منها ورفضت إعادته لها وأدى الشجار إلى أن تشج رأسها بعصا كانت تحملها، وكانت تبكي لأنها أغلقت على ثلاثة من أولادها لايتجاوز أكبرهم العشر سنوات في دكان صغير مظلم استأجرته مؤخرا والمفاتيح معها وهي محتجزة منذ ثلاثة أسابيع ولاتعلم عن مصيرهم شيئا وهل أصبحوا في عداد الأموات أم مازالوا أحياء ؟.
حكت لي اللاجئة فرحة التي التقيتها في إحدى المناسبات التي تنظمها المفوضية السامية للاجئين بصنعاء عن أملها في السفر إلى المملكة العربية السعودية للبحث عن فرصة عمل هناك، ولكنها تخشى من العصابات التي تقوم بتهريب اللاجئين إلى الأراضي السعودية والتي عادة ما تقوم باختطاف اللاجئين وإجبارهم على العمل كعبيد في بعض الحقول أو بيعهم لعصابات أخرى وزجهم بأعمال مختلفة قد تصل إلى أعمال إرهابية حد قولها أو بيعهم لتجار الأعضاء البشرية والدعارة، وغالبا تسخيرهم في الأعمال الشاقة جدا لأصحاب المزارع والإقطاعيات التي تكون عادة على الحدود ويلقى الكثير منهم الموت نتيجة لمعظم تلك الاحتمالات خلافا للحياة البائسة التي سيذوقون ويلاتها قبل الموت .
وتؤكد لي: "أن الكثير ممن تعرفهم وشقيقها أحدهم قد انقطعت أخبارهم واختفوا تماما بعد أن رحلوا من أجل الدخول إلى الأراضي السعودية عبر التهريب ".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى