القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> ** ضرب الأمثال في القرآن الكريم (2-1) **
لقد اعتمد الأسلوب القرآني على ضرب الأمثال، وجعله قاعدة أساسية في التعبير عن المعاني، ومن أساليب ضرب الأمثال المتبعة في القرآن:
أولاً: إخراج المعاني الذهنية في صورة حسية تُرسم في المخيلة حية متحركة:
لنأخذ هذا المعنى الذهني المجرد، وهو أن الكفار محرومون من دخول الجنة، وأنهم غير مقبولين عند الله بتاتًًا، وتأمل كيف عرضه الله في القرآن: “إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ” هكذا في صورة حسية ترسم في الخيال صورة تفتح أبواب السماء وصورة ولوج الجمل في سم الخياط، وسواء أكان الجمل هو الحيوان المعروف أم الحبل الغليظ، فقد استقر في مخيلة السامع استحالة دخول الكافرين الجنة.
ومن أمثلة ذلك أيضًا أنك لو أردت أن تعرض لمعنى النفور الشديد من دعوة الإِيمان بصورته التجريدية تقول: إن القوم ينفرون أشد النفرة من دعوة الإِيمان، أما القرآن فقد عرض فيه الأمر بأسلوب تصويري حسي فقال تعالى: “فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةِ”، فاشترك هنا مع الذهن حاسة البصر وملكة الخيال وانفعال السخرية من هؤلاء الذين يفرون من الحق كما تفر حمر الوحش من الأسد.
ثانيًا: تصوير الحالات النفسية والمعنوية في صورة حسية متخيلة، حية متحركة:
فعندما أراد الله سبحانه أن يفضح ويعري أولئك الذين هيأ لهم سبيل الهداية لكنهم رفضوا فأصبحوا في شقاء بما علموا وما جهلوا فلا هم استراحوا بما هيأ الله لهم من سبيل الخير والرشاد ولا هم استراحوا بإعراضهم عن هذا الخير، فيصور القرآن حالتهم النفسية والمعنوية هذه في صورة حسية متحركة، قال تعالى: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ”.
يقول سيد قطب رحمه الله: “إنه مشهد من المشاهد العجيبة، الجديدة كل الجدة على ذخيرة هذه اللغة من التصورات والتصويرات، إنسان يؤتيه الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والاتصال والارتفاع.. ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخًا، ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبس بلحمه، فهو ينسلخ من آيات الله، ويتجرد من الغطاء الواقي والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطين المعتم فيصبح غرضًا للشيطان لا يقيه منه واق، ولا يحميه منه حام، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه.. ثم إذا نحن أولا أمام مشهد مفزع بائس نكد.. إذا نحن بهذا المخلوق لاصقاً بالأرض ملوثاً بالطين، ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد.. كل هذه المشاهد المتحركة تتتابع وتتوالى، والخيال شاخص يتبعها في انفعال وانبهار وتأثر”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى