مأساة أطفال أبين من الحرب الظالمة

> تقرير/ جمال محمد حسين

> انتهت الحرب الظالمة على أبين، ولكن مأساة ومعاناة أبنائها لم تنته بعد، ولن تنتهي لأن ما خلفته الحرب من دمار كان بشعا وعبثيا.
لقد دمرت الحرب الظالمة المؤسسات والمكاتب الحكومية ومنازل العديد من المواطنين، وبهذا الدمار طمست ودفنت هذه الحرب جزءا جميلا من ذكريات البسطاء، عاشوها في منازلهم المتواضعة وكانت من أحلى سنين العمر بما حملته من حب وذكرى لم يبق منها إلا ما هو محتفظ في الذاكرة ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل إن الحرب أخذت منهم أعز الناس وسلبت من البعض أغلى ما يملك في هذه الحياة من أهل وأصدقاء وجيران أو أعضاء جسمه من أيدي وأرجل وأصبحوا إما معاقين بدون أيدي أو أرجل أو بيد ورجل فقط ومنهم من أصبح مشوها.
لقد خلفت الحرب في أبين آلاما وأحزانا لا يمحوها الزمن، وتزداد هذه الآلام والمعاناة أكثر عندما يكون الضحايا من فلذات أكبادنا.. أطفال كالزهور الجميلة شوهت الحرب بعضهم وأعاقت البعض الآخر عن الحركة وآخرين فارقوا الحياة بعمر الورد ومنهم من زرعت فيهم الحرب الرعب والخوف من أصوات المدافع والرشاشات وأزيز الطائرات التي روعت قلوبهم .. مع كل هذا وللأسف فإن السلطة المحلية في المحافظة لم تول هؤلاء الأطفال أي اهتمام أو رعاية، أما المجتمع فالكثير منهم صامت لا يحرك ساكنا، شغلهم صندوق الإعمار وشغل السلطة وسال لعاب الجميع على مال الإعمار وأصبح شغلهم الشاغل وتناسوا قضية أبين وما حدث فيها من مآسي القتل والتدمير والتشريد لأهلها، كل ذلك بثمن بخس فبئس ما قبضوا ولك الله يا أبين.
** ضحايا الحرب من الأطفال في أبين **
لا يحتمل أحد منا أن يرى طفلا شوهته الحرب أو جعلته معاقا وقد كان بالأمس سليما معافى.. منظر تتألم منه القلوب وتدمع العيون دما لمن ينظر إلى هذا الطفل ويتذكر حاله بالأمس وكيف أصبح اليوم والمشاعر والمعاناة تكون أكثر بالنسبة لهذا الطفل وأسرته، وبين هذه المعاناة وتلك لم يجد هؤلاء الأطفال من يخفف آلام جراحهم.. غابت سلطة محافظتهم وحكومة بلدهم.. لم يجدوا بعد رحمة الله سوى بعض المنظمات الإنسانية التي قامت بواجبها الإنساني في علاجهم،وفي إطار سقف محدود للعلاج وإلى اليوم يعاني الأطفال الذين فقدوا أعضاءهم من حالات إنسانية صعبة ومعاناة لا يعلم بها إلا الله وأسرهم وسنقف مع معاناة اثنين من هؤلاء الأطفال هما حمدي وغالب.
** حمدي تمنى أن تعود يداه من جديد**
كان عمر حمدي حين أصيب في يونيو 2012 م في الحادية عشرة من عمره وهو من سكان منطقة (القرنعة) التي تقع في الجهة الشرقية من منطقة الكود بمحافظة أبين، كانوا من أوائل العائدين إلى أبين وفي أحد الأيام خرج حمدي يرعى الأغنام وكان معه صديقه حسين في العاشرة من العمر... يقول حمدي : “دخلت علينا مجموعة من الأغنام حوش مبنى المحافظ الكائن في القرنعة فهرولنا أنا وصديقي حسين لإرجاعها فدخلنا الحوش فوجدنا أسلاك (وايرات كهربائية) على الأرض خارجة من باطن الأرض فمسكتها وحاولت شدها بقوة فانفجرت فينا ولم أذكر بعدها شيء ووجدت نفسي في المستشفى وقد أصبحت بلا يدين وصديقي حسين توفى بعد أن جرح في رأسه وتكسرت قدماه ولوعاش قد يعيش بدون أرجل فالحمد لله أن ربنا رحمه برحمته”.
كان حمدي ضحية للغم أرضي محلي الصنع، وعانى حمدي في الأيام الأولى من بعد الحادث وكان يسأل أمه في المستشفى متى ستنبت يداي ..كان يظن أن يده مثل أغصان الشجرة لو قطعت أغصانها تنبت من جديد.. وأمام هذا الحلم المستحيل تحقيقه كانت أمه كلما سألها تنهمر دموع عينيها أمام مأساة لم تكن في الحسبان.. لم تتوقع في يوم، بل ولم يخطر في بالها أن يصبح فلذة كبدها معاقا وعاجزا عن الأكل والشرب واللبس وبحاجة لمن يساعده على الأكل والغسيل واللبس .. يقول والده عبده علي: “منظمة drc هي من اهتمت بحمدي وعالجوه وأخذونا إلى صنعاء ووفروا له أطراف صناعية نشكرهم على الاهتمام والرعاية،وهناك أيضا منظمة الهجرة الدولية قدموا لنا أربع أغنام ضمن مشروع كان معهم لمساعدة ضحايا الحرب ضمن المشاريع الصغيرة”، أما غالب علي الذي فقد يدا ورجلا وشوهت اليد والرجل الأخرى بسبب القذائف المتناثرة فيبلغ من العمر 13 عاما حين الإصابة واليوم 14 عاما وهو من قرية القريات يقول غالب: “خرجت ألعب ووجدت جسم غريب فأخذته ألعب به ولم أعلم أنه مقذوف ناري وسينفجر لو طرقته بحجر.
أحببت أن افتح هذا الجسم الغريب الثقيل وأرى ما بداخله فطرقته بحجرة فانفجر وقطع يدي اليسرى ورجلي اليمنى وشوه أصابع يدي اليمنى وشوه أصابع رجلي اليسرى،وأصبحت رهين المحبسين إعاقتي وهمي، وخرجت من المدرسة ولم أستطع مقابلة زملائي بشكلي هذا الذي أصبح معاقا ومشوها وتحملنا تكاليف العلاج الباهظة في مستشفى خاص، ووعدتنا أكثر من منظمة بالعلاج وعمل أطراف صناعية ومازلنا ننتظر الوفاء منهم”.
حمدي وغالب مجرد نموذج لعشرات الأطفال الجرحى والمعاقين والمشوهين من أطفال أبين من الحرب الأخيرة وضحايا الألغام والأجسام غير المنفجرة التي خلفتها الحرب.
ذكرت منظمة ابن رشد لحقوق الإنسان (أبين) في تقريرها لشهر ديسمبر 2012 م: “أن الحرب في أبين ومخلفاتها من الألغام والقذائف التي لم تنفجر خلفت أكثر من خمسة وتسعين طفلا وطفلة هم ضحايا لهذه الحرب بين قتيل وجريح ومشوه ومعاق ومئات الأطفال من المصابين بحالات نفسية اختلفت الأمراض النفسية عندهم من طفل إلى آخر حسب قوة المؤثر من الأسلحة المختلفة التي شاهدوها وعايشوها في فترة الحرب وتركت فيهم الأثر النفسي العميق”.
الأخ حسين محمد مسؤول وحدة الرصد في المنظمة أكد أن: “عدد حالات الأطفال ضحايا الألغام والأجسام غير المنفجرة خلال العام 2013 م وإلى بداية العام 2014 م قد جاوز المائة طفل وطفلة”.
وأضاف: “أن العدد قد يزداد طالما مخلفات الحرب من هذه الأجسام والألغام منتشرة في كل مكان وإلى اليوم لم تعلن أبين كمحافظة خالية من الألغام والأجسام الغريبة وغير المنفجرة،ومازالت فرق المهندسين تعمل وتنزل في حالة أي بلاغات وصلتها، وما تم إعلانه فيما يخص الألغام فهو فقط يخص أحياء العاصمة زنجبار، لكن باقي المناطق والمديريات التي دارت فيها معارك وضواحي هذه المديريات ومناطقها لم نسمع عن إعلان خلوها من هذه الألغام والأجسام الغريبة وغير المنفجرة إلى اليوم ونسأل الله السلامة لأطفالنا ولجميع السكان في هذه المناطق، ونحث الجهات المختصة لمواصلة عملها ومسح هذه المناطق حفاظا على حياة السكان فيها”.
وتبقى مأساة وجراح أطفال أبين خاصة وسكانها باقية بجذورها في أعماقهم ولم تستطع المنظمات الإنسانية التي دخلت أبين أن تداويها في ظل عملها المزدوج وغير الممنهج الذي لم تستفد منه الفئة المستهدفة الفائدة المرجوة.
تقرير/ جمال محمد حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى