القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> ** ضرب الأمثال في القرآن الكريم (2-2) **
أخذنا في الحلقة السابقة أن الأسلوب القرآني اعتمد على ضرب الأمثال، وجعله قاعدة أساسية في التعبير عن المعاني، وأخذنا أيضًا أسلوبين من ضرب الأمثال المتبعة في القرآن وهما: أولاً: إخراج المعاني الذهنية في صورة حسية تُرسم في المخيلة حية متحركة، وثانيًا: تصوير الحالات النفسية والمعنوية في صورة حسية متخيلة، حية متحركة، واليوم إن شاء الله سنأخذ أسلوبين آخرين من ضرب الأمثال.
ثالثًا: عرض القضايا المنطقية والجدلية في أسلوب ضرب الأمثال: ومن مثال ذلك في معرض الاستدلال على عظمة الخالق وقدرته، فالقرآن يأتي بالدليل المقنع من واقع الناس وما يشاهدونه ويعايشونه، لكنه معروض في صورة مؤثرة ومن ذلك قوله تعالى: “وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”، ومع أن هذا المشهد كما تلاحظ يتكرر في حياة الناس إلا أنه عرض بأسلوب تصويري وكأنها لوحة طبيعية رسمت عليها النخيل والأعناب المثمرة.
رابعًا: إعطاء الحركة لما من شأنه السكون، وخلع الحياة على المواد الجامدة والظواهر الطبيعية والانفعالات الوجدانية فتصبح كأنها أشخاص بارزة لها عواطفها وخلجاتها الإنسانية: تأمل في قوله تعالى: “وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً”، تجد التعبير بالاشتعال يجعل الخيال يتصور أن للشيب حركة في الرأس كحركة اشتعال النار في الهشيم مما يضفي على النص الحياة والجمال.
وأما خلع الحياة على المواد الجامدة فمثاله قوله تعالى “وَالصَّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ”، فالصبح مشهد معروف متكرر للناس، لكنه في التعبير القرآني كأنه شخص حي يتنفس كما يتنفس الأحياء. وكذا قوله تعالى “وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ”. وقوله تعالى: “فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ”.
وأما تصوير الانفعالات الوجدانية فهو في غاية الروعة، فالغضب والروع والبشرى انفعالات وجدانية تصبح في التعبير القرآني كأنها حية متحركة، فالغضب يسكت كما في قوله تعالى: “وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ”. والروع يذهب ويزول، والبشرى تجيء كما في قوله تعالى: “فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}.
إلى غير ذلك من أساليب التصوير المتبعة في التعبير القرآني.
وطريقة التصوير التي يتبعها القرآن الكريم في التعبير لها فائدة عظيمة في وصول المعاني إلى النفس بشتى الوسائل لأن المعاني إذا عرضت في صورتها التجريدية خاطبت الذهن فقط، أما إذا عرضت بالأسلوب التصويري فإنها تخاطب الذهن والحس والوجدان وتصل إلى النفس من منافذ شتى من الحواس بالتخييل، ومن الحس عن طريق الحواس، ومن الوجدان المنفعل بالأصداء والأضواء، ويكون الذهن منفذاً واحداً من منافذها الكثيرة إلى النفس لا منفذها المفرد الوحيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى