رغم ضنك العيش وانعدام أبسط مقومات الحياة..البساتين بعدن .. مظاهر عيدية دون بذخ ترسم الفرح بإتقان

> استطلاع/ فردوس العلمي

> على متن حافلة (كوستر) اتخذت مكاني في طريقي إلى منطقة البساتين شمال مدينة عدن أحمل في فكري سؤال واحد كيف يقضى سكان البساتين اللاجئون والعائدون والمواطنون وأطفالهم العيد؟ أحاول أن أرصد ملامح العيد في هذه المنطقة التي لم أجد فيها ملامح العيد، فمظهر المنطقة لا يوحي بأي ملامح عيدية غير تكبيرات العيد في مساجدها، فالأمور غير طبيعية.. زحمة.. فقر.. مجاري طافحة.. قمامة متناثرة.. طرقات ترابية ومنازل يرتسم على مداخلها الفقر بإتقان، و رغم هذا الوجع وجدت العيد مرسوم بدقة على ملامح الوجوه بسعادة وابتسامة رضى بما قدره الله لهم رغم المعاناة، إلا أن للعيد فرحة وأكد لي سكان البساتين مقولة (العيد عيد العافية) ولكن فرحة الأطفال فيها منقوصة.
** ليلة العيد.. كعك وحناء **
ليلة العيد يتم تحضير كعك العيد حيث تتسابق الأسر بعمل أنواع مختلفة من الكعك رغم الظروف المادية الصعبة لبعضها إذ إن هناك أسر تجتهد في الحفاظ على العادات التي رافقتهم من جمهورية الصومال حيث كانوا يعيشون سابقاً ونقلوها معهم إلى عدن، يصنعون أنواعا مختلفة من الكعك وبكميات كثيرة تتفنن النساء في صناعتها وهي صناعات منزلية لذيذة،تعمل بجهد وتعجن بصدق المحبة لتقدم للضيوف والزوار طول فترة العيد تتسيدهن حلوة (علي سعيد) أشهر حلويات البساتين ترص إلى جانبها براد القهوة والفناجين فلا يخلو بيت من هذه الحلويات أيام العيد، وليلة العيد تنظف المنازل وتنشغل الفتيات بتحضير الحناء، فالكل يتحنا ليلة العيد صغار وكبار لتظهر الفتيات الصغار في صباح العيد بأيادي منقشة بالحناء تسعد النفس بفرحة عيد تخلو من مظاهر البذخ لتعيش بساطة العيد بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
** بين مطرقة الكهرباء وسندان المياه **
أزمة المياه والكهرباء أزمة طالت كل المناطق، وفي منطقة البساتين زاد الأمر عن الحد فقد عاشت منطقة البساتين انقطاع المياه ومشاكل الكهرباء طوال الشهر الكريم لهذا انشغل المواطنون في صباح العيد في البحث عن مياه، ولم يجدوا أمامهم غير بوزة تجلب لهم المياه صباح العيد لتأخذ كل أسرة حاجتها منها، وأكثر ما شاهدته في النهار أطفال يرتدون ملابس العيد وفتيات يرتدين العباءات وخمار الرأس مزينين بابتسامة العيد، كما أن مما شاهدته في لياليها المظلمة عبوات (دببا) صفراء وبيضاء بمختلف الأحجام، ونساء تجاهد من أجل الحصول على قطرات مياه، وظلام دامس لانقطاع الكهرباء لأربع ساعات لتعود لساعة من الزمن وتعاود الانقطاع مرة أخرى، ففي الليل يشتد الظلام في منطقة البساتين نتيجة لعدم وجود أعمدة إنارة في المنطقة وقلة هم من يمتلكون مولدات كهربائية فلا توجد أسواق تجارية غير سوق واحد فقط في مدخل المنطقة وباقي طرقاتها محلات شعبية متناثرة تغلق بمجرد انقطاع الكهرباء.
** أجمل ما في العيد ابتسامة الأطفال **
الأطفال أحباب الله أين ما كانوا وأين ما حلّوا، فكثيرا سعدت وأنا أشاهد أطفال وشباب البساتين وأكثر ما شدّني ابتساماتهم الصادقة والمرحة رغم الفقر المرسوم على جبين الأطفال،فأغلبهم عمال يجدون في إجازة العيد فرصة للترويح عن النفس والتقاط أنفاسهم. أطفال البساتين لا يتمتعون بطفولتهم بالعيد فلا توجد متنفسات في المنطقة ولا حتى حديقة صغيرة رغم أن المنطقة تحمل اسم البساتين، لكنها تخلو من الحدائق وحين سألت الأطفال كيف تقضون العيد؟ كانت إجابتهم أكر من سنهم ولسان حالهم يقول ماذا تتوقعي نحن في البساتين؟ الطفل وليد محمد(12 سنة) يقول: “في العيد نروح السوق ونزور الأسرة ونلعب بقرب بيوتنا، فلا يوجد أي شيء في البساتين وإذا أحببنا نغير جو نروح الملاهي بالشيخ عثمان”. و حين سألته ماذا تريد في العيد؟ قال: “نشتي (درهانه) مراجيح نلعب بها في العيد بدل أن نخاطر بالنزول إلى الشيخ عثمان لنلعب هناك”. مروة (15 سنة) تقول: “في العيد نفرح، ولكن لا نجد مكان نذهب إليه إلا إذا خرجنا مع الأهل إلى الشيخ عثمان أو البحر، فلا توجد لدينا مطاعم أو كفتيريات فيها مكان مخصص للعائلات، إذ أغلبها مطاعم شعبية نشتري منها الشبس ونعود للمنازل وليس لدينا مولات ولا حدائق”.
عبدالرحمن عبدالله
عبدالرحمن عبدالله
وتتمنى مروة أن تجد في منطقتها أماكن مخصصة للأطفال.
الطفلتان فاطمة وخديجة (10 سنوات) أجابتاني حين سألتهما كيف تقضيان صباح العيد؟ قالتا: “نلبس ملابسنا ونقوم بزيارة الأهل والجيران ونحصل على بعض النقود من الأسر”، وبفرح رددت فاطمة “هذا العيد جمعت (500 ريال) نشتري بها شبس وشراب من المطعم ، ولا نذهب إلى مكان بعيد”.
لملمت أوراقي وأنا أردد في نفسي من المسؤول عن اغتيال فرحة العيد في قلوب الصغار وبالصدفة قابلت الأخت (كاها محمد عبدالله) نائبة رئيسة لجنة النساء اللاجئات في البساتين وجهت سؤالي لها كيف كان عيدكم تقول: “العيد فرحة واستطعنا الحصول على هذا الفرحة واستمتعنا بصلاة العيد التي أقيمت في مدارس البساتين، حيث صلى الرجال في مدرسة والمدرسة الأخرى خصصت للنساء، ولم يعكر صفوة العيد إلا انقطاع الكهرباء والمياه والتي عانينا منها ليس في العيد فقط، ولكن طوال الشهر الكريم”.
كاها محمد
كاها محمد
تضيف “للعيد متطلبات لا تقدر عليها أغلب الأسر لهذا يفرحهم القليل ويستثمرون ما في أيديهم ليسعدوا”.
وتضيف: “قامت المفوضية ومؤسسة التضامن مشكورتان بتوزيع كسوة العيد على أغلب سكان البساتين وقامت مؤسسة التضامن أيضا بتوزيع المواد الغذائية على الأسر الفقيرة في المنطقة،ومنح المشاركين بمسابقة القرآن الكريم والبالغ عددهم (34 مشاركة ومشاركة) ملابس، ومن جانبها قدمت الجالية الصومالية مجموعة من كتب القرآن الكريم للمتسابقين”.
قبل أن أختم زيارتي للبساتين كان لابد أن نسمع رأي الشباب بالعيد.
اكتفى الأخ جمال عبد الناصر بالقول: “ العيد فرحة وأحلى فرحة”.
فاطمة مختار
فاطمة مختار
الأستاذ عبدالرحمن عبدالله مجاهد مدير المعهد الأمريكي للغات في منطقة البساتين يقول : “لم يكن الإقبال كبير على صلاة العيد نتيجة لانقطاع الكهرباء والماء عن المنطقة، ورغم هذا أقيمت صلاة العيد في مدرسة وبلغ عدد المصلين (13 ألف مصلي) في مدرسة البساتين ومدرسة عبدالرحمن الخفاجي وشارك فيها رجال الأمن في التنظيم بحضور الأخ مأمور مديرية دار سعد وقائد المنطقة”.
ويضيف عبدالرحمن: “الأزمة الاقتصادية وافتقاد الأمن لم يمنع أهالي البساتين من الترحيب كعادتهم بالعيد بكل فرح رغم غلاء المعيشة وعدم قدرة الكثير من الأسر على شراء ملابس العيد خاصة الأسر ذات الكثافة العددية بالأطفال، وهناك الكثير من الأطفال أيتام، ورغم كل هذا إلا أن فرحة العيد كانت مرسومة على وجوه الأطفال حتى من لم يكن يرتدي ملابس جديدة كانوا سعداء بالعيد، ونحن الشباب لا نجد مكانا للترويح عن أنفسنا إلا في السوق أو تبادل الزيارات”.
جمال عبدالناصر
جمال عبدالناصر
وفي الختام يناشد أهالي البساتين المفوضية السامية لشئون اللاجئين وقيادة المحافظة عامة ومدير مديرية دار سعد بصفة خاصة بأن تعمل على إيجاد متنفس في المنطقة للأطفال حتى يسعد هؤلاء الأطفال بفرحة العيد.. هكذا كان العيد في البساتين تلك المنطقة المحرومة حتى من زكاة رمضان إلا فيما ندر، فكثير من التجار يرفضون مد يد العون لهؤلاء بحجة أنهم (صومال) والمفوضية مسؤولة عنهم تعطيهم الزكاة بالدولار حسب قول بعض التجار، من لا يعرف البساتين، ففيها 90 % يعيشون تحت خط الفقر، وأغلبهم يمنيون عائدون من الصومال (مولدين) عادوا لوطن غابوا عنه دهرا و يمنيون زحفوا للمنطقة للبحث عن سكن أمان، وقلة هم الصومال و(الأرومو) متعايشون جميعهم بسلام كما كانوا في الصومال يتقاسمون اللقمة، فالجميع في البساتين صومالي والجميع تواق للعودة إلى الصومال حتى اليمنيون. عيدكم سعيد وكل عام وأنتم بخير.


استطلاع/ فردوس العلمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى