اصنعوا السلام لا الحرب

> جين ماريوت:

>
جين
ماريوت
جين ماريوت
قال الفيلسوف الإسباني جورج سانتايانا “أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي يُحكم عليهم بتكراره”.
لدى اليمنيين ذاكرة ممتازة، ومع هذا فإن دورات العنف والثأر والسلطة مستمرة. كما رأينا في مؤتمر الحوار الوطني غالبية الشعب اليمني يريدون السلام والاستقرار والحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية. وقد أعطت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمنيين خارطة الطريق للوصول لهذا الهدف، بالرغم من هذا فأنا أخشى من دورات العنف المتكررة، ومن الأفعال وردود الأفعال، ومن عدم قدرة هذا البلد على التنحي إلى الوراء وتأمل المدى البعيد دون التفكير بالمكاسب الشخصية أو الحزبية قصيرة المدى.
صدقوا أو لا تصدقوا فقد عاشت المملكة المتحدة نفس هذه الدورات في تاريخها الحديث. “مشكلة” ايرلندا الشمالية بدت مستعصية وغير قابلة للحل ولكن في عام 1995 تم فتح حوار أدى إلى المشاركة الكاملة لجميع الأطراف في العملية السياسية، في حين أن الأوضاع في اليمن وايرلندا الشمالية مختلفة، فإن الشعب اليمني يحتاج لشكل من أشكال عملية سلام مستدامة إذا أردنا لدورة العنف أن تتوقف وأن تستعاد الثقة. يستطيع المجتمع الدولي بالتأكيد تقديم المساعدة في تحقيق ذلك، ولكن يبقى اتخاذ قرار وقف إراقة الدماء والدخول في حوار ونزع السلاح بيد الأفراد والجماعات والأحزاب المعنية بالنزاع. إنها مسئوليتهم للمساعدة على خلق مستقبل مختلف وأكثر سلما لليمن وشعبه الذين طالبوا بالتغيير. أتمنى أن يكونوا على قدر هذا التحدي.
وها هي تجربة شمال ايرلندا دليل موجز عن عملية السلام في ايرلندا الشمالية
** الخلفية **
يمكن تعقب مشاكل ايرلندا الشمالية إلى تاريخها في الهجرة السكانية وبالتالي للتوزيع غير المتساوي للثروة والفرص. أثناء حركة الحقوق المدنية في الستينات من القرن الماضي تم إعادة تشكيل مجموعة كاثوليكية شبه مسلحة، الجيش الجمهوري الايرلندي من ضمن أقلية سكانية كاثوليكية بهدف الضغط على توحيد شمال وجنوب ايرلندا. كان هذا الهدف السياسي محل نزاع من قبل الأغلبية السكانية البروتستانتية. خلال الثلاثين سنة التالية شن الجيش الجمهوري الايرلندي حملة من الهجمات الإرهابية ضد بريطانيا والمجتمع البروتستانتي. في المقابل شكلت المجموعات البروتستانتية منظمات شبه عسكرية خاصة بها لشن حملة من الهجمات الإرهابية ضد الكاثوليك. هذه المجموعات العسكرية كان لها أحزاب سياسية تمثلها، فكان شين فين يمثل الجيش الجمهوري الايرلندي بينما كان يمثل المجموعات البروتستانتية أحزاب منها النقابيون التقدميون وغيرها.
** تاريخ عملية السلام **
بدأت عملية السلام في أواخر الثمانينات عندما تم تطوير صات بين الحكومة البريطانية والأعضاء الرئيسيين في المجتمعات الكاثوليكية والبروتستانتية ممن كانوا على علاقة بالجماعات شبه المسلحة. بحلول العام 1994 كانت هذه الصلات قد نمت بشكل كافٍ لإجراء محادثات بين شين فين والمسئولين البريطانيين. قِيل للطرفين إن “التخلص” من الأسلحة ضروري للمشاركة الكاملة في المحادثات بين الأحزاب. في مارس 1995 ، تم تحديد مبادئ واشنطن الستة للدخول في مفاوضات أساسية من قبل وزير بريطاني، وكانت كالتالي:
- وجود إرادة من حيث المبدأ لنزع السلاح بشكل تدريجي.
- فهم عملي عام لما تتضمنه فعليا عملية نزع السلاح.
- من أجل اختبار الترتيبات العملية ولإظهار حسن النية، يتم نزع بعض السلاح كخطوة ملموسة لبناء الثقة وكإشارة لبدء العملية.
في 24 ابريل 1995 أعلنت الحكومة البريطانية دخول الوزراء في حوار تمهيدي مع شين فين. عقدت المباحثات في 10 مايو 1995 وتبعها اجتماع غير رسمي في واشنطن في 17 مايو 1995 .
في بيان بريطاني - ايرلندي مشترك في 28 نوفمبر 1995 تم الإعلان عن تدشين عملية “مزدوجة المسار” لتحقيق التقدم بشكل متوازٍ في جميع مفاوضات الأحزاب ونزع السلاح.
- المسار السياسي كان لدعوة الأحزاب لمحادثات أولية مكثفة تحضيرا للمحادثات المقترحة لجميع الأحزاب.
- المسار الخاص بنزع السلاح كان لتأسيس هيئة دولية للقيام بالإشراف على عملية نزع السلاح.
** لجنة ميتشل والمبادئ الستة **
الهيئة الدولية (لجنة ميتشل) ترأسها السيناتور جورج ميتشل (من الولايات المتحدة) والجنرال جون دي تشاستيلين (من كندا) والسيد هاري هولكر (من فنلندا). عقدت اللجنة سلسلة من الاجتماعات، وأخذت أدلة من الجميع. كتبت في تقريرها عام 1996:
- أن أولئك الذين يصرون على نزع السلاح أولاً، يجب تطمينهم والتأكيد بأن التزامات الآخرين بالطرق السلمية والديمقراطية صادقة وغير قابلة للتغيير.
- إعادة التأكيد لأولئك الذين سيسلمون سلاحهم أن العملية صادقة وشاملة وذات معنى.
- أن نزع السلاح سيتم بموازاة كل المفاوضات الحزبية، بدلاً عن الاستعجال غير الواقعي بنزع السلاح أولاً.
على الأطراف تأكيد التزامها المطلق بالآتي:
1. الديمقراطية والطرق السلمية فقط لحل المشاكل السياسية.
2. الحل الكامل لكل المنظمات شبة العسكرية.
3. الموافقة على أن يكون نزع السلاح قابلا للتأكيد من قبل لجنة مستقلة.
4. أن ينبذوا بأنفسهم وأن يعارضوا أي مجهود من الغير يهدف إلى استخدام القوة إو التهديد باستخدام القوة للتأثير على نتيجة مفاوضات جميع الأطراف.
5. الموافقة على الانصياع لبنود الاتفاق المتوصل إليه من مفاوضات الأطراف واللجوء للطرق الديمقراطية والسلمية فقط في محاولة تغيير أي نتيجة يعترضون عليها.
6. أن يناشدوا لإيقاف أي قتل عقابي وإيقاف الضرب وأن يتخذوا خطوات فعالة لإيقاف مثل هذه الأفعال.
ونوهت اللجنة بأن نزع السلاح يجب ألا ينظر إليه كاستسلام من أي طرف، ويجب أن تخلص العملية إلى تدمير كامل للسلاح بدون أن يتعرض أفراد للملاحقة القانونية، ويجب أن تكون العملية مشتركة، وتقدم للأطراف فرصة لبناء الثقة خطوة بخطوة خلال المفاوضات، وأن تكون المعلومات التي تتسلمها اللجنة سرية.
** النتائج **
في سبتمبر 2005 ، نشرت اللجنة تقريرها النهائي حول أعمال نزع سلاح الجيش الجمهوري الايرلندي.. “راضون أن الأسلحة التي تم نزعها تمثل إجمالي ترسانة الجيش الجمهوري الايرلندي”. قامت المجموعات البروتستانتية شبه العسكرية أخيرا بنزع أسلحتها في يناير 2010 . وتم تأكيد ذلك من قبل مراقبين مستقلين.
اليوم هناك أعضاء من شين فين وحزب النقابيين الديمقراطيين البروتستانت يتشاركون السلطة في حكومة ايرلندا الشمالية.
* سفيرة المملكة المتحدة بصنعاء ترجمة خاصة بصحيفة «الأيام» من النسخة الإنجليزية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى