مكرمات السهل الممتنع

> سند حسين شهاب

> سرعة وإيقاع وتيرة الحياة ولدّ حياة رتيبة تفتقر لأهم القيم، وأهمها الوفاء، وهي فطرة إنسانية تلد مع الإنسان، وينبغي أن تلازمه طوال حياته حتى آخر رمق، ولكن في هذا الزمن الأرعن افتقد الناس قيماً كثيرة كانت تلازمهم كالظل إلا من رحم ربي.
لحج جغرافيا كبيرة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الذي كانت سببا في إيجاده شأنها شأن المدن التي يكون قدرها ذلك الشيء، تاريخ لحج هذا يتكئ على تراكمات كبيرة صنعها رجال لحجيون كثيرون كانت سبباً في تميز هذه الجغرافيا وتفوقها وإظهار نبوغها في مضامين كثيرة في أوقات متفاوتة من زمن هذا التاريخ.
ولأن هؤلاء الرجال كان ينبغي الاعتراف بما قدموه وتكريمهم، ولأن هذا التاريخ كان ينبغي أن يصان ويظهر للأجيال اللاحقة عبر توثيقه وإخراجه للناس في صور مختلفة إلا أن هذا الشيء للأسف الشديد ظل خاضعا لترمومتر الحياة السياسية وتقلباتها، وهذا ما جعل الكثيرين وبالذات في وقتنا الحاضر للأسف يغادرون الحياة وهم يمنون النفس بلفتة حانية من الجهات التي ينبغي أن تعيد لهؤلاء اعتبارهم بعد أن دفع كثيرون ثمناً باهظاً في أوقات سابقة نظير ما قدموه، ولأنه لا كرامة لنبي في وطنه.
الجهات المتخصصة التي كان يعول عليها كثيرا في القيام بدورها أدارت ظهرها لهذا التاريخ ورجاله تحت مبررات مختلفة أهمها الإمكانيات وغيرها، هذه المبررات التي أصبحت ديدنهم.
كان ينبغي على الجهد الشعبي المتمثل في منظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية والأكاديمية وغيرهم من الميسورين والتجار أن يلتقطوا هذه الحاجة الإنسانية ويعمل كل من جهته على إظهار الوفاء تجاه تاريخ منطقتهم ورجالها، غير أن هؤلاء جميعهم خيبوا الظن وصار شأنهم شأن الجهات المتخصصة لا يقدمون إلا لإرضاء السلطة أو منافعهم الشخصية.
ولأن الوفاء خاصة إنسانية تلد مع الإنسان السوي الذي يقدر هذا التاريخ ورجاله حتى وإن كان هذا الشخص غير محسوب على هذه المنطقة، فقد رأينا بين الحين والآخر شخصيات فوضها الله لتقوم بهذه المهام اعترافا منها بهذا التاريخ وهؤلاء الرجال.
من هؤلاء الرجال نجد الدكتور يحيى قاسم سهل وهو أكاديمي باحث مسكون بتاريخ لحج بكافة مضامينها الأدبية والثقافية والفنية والفكرية والرياضية والدينية.. إلخ، وهو مجتهد باحث في هذا التاريخ منذُ زمن طويل ساعدته قراءاته الكثيرة وتخصصه الفقهي في القانون ونهمه للقراءة واطلاعه على كل ما يقع في يديه أو ما يتراءى أمام ناظريه أو ما يسمع عنه على تكوين منهج شخصي لهذا التاريخ ورجاله الأفذاذ.
لذا ترى الدكتور سهل دائما مدافعا بالحجة والوثيقة والمناقشة وغيرها عن هذا التاريخ وسفره الطويل.
لكن أكثر ما يحزن الدكتور سهل هو ضياع هذا التاريخ وتفرقه وعدم الاهتمام به من قبل أبنائه، لذا نجده يتعب كثيرا للملمة ما يستطيع جمعه من هذا التاريخ، وهو يجد لذة كبيرة حيث يحصل على وثيقة قديمة أو معلومة تساعده.
ونحن معه نهيب بكل أبناء لحج وكل محبي تاريخها الذين يملكون وثائق تتعلق بتاريخ لحج الوطني والثقافي والحزبي والاجتماعي والرياضي ومنظمات المجتمع المدني كتكوين الأحزاب أو الأندية أو الاتحادات والمنتديات والجمعيات الخيرية والمنظمات الأهلية والصحافة والمبارز وغيرها من المضامين، كون الدكتور سهل يجتهد حالياً لجمع كل الوثائق المتعلقة بتاريخ لحج وإصداره كتابا يليق بهذا التاريخ الذي يرى سهل أنه لا يقل شأنا عن تاريخ عدن الذي استطاع في وقت سابق أن يخرجه في كتاب كبير صار مرجعا لكل طالبي هذا التاريخ ومريديه.
هذا الجهد المبذول من قبل الدكتور سهل ليس الأول ولن يكون الأخير، لاسيما وأن الدكتور يعلم ثراء هذا التاريخ وتنوعه، وقد عمل الدكتور في وقت سابق في إخراج كتاب الملحن المطرب سعودي أحمد صالح وتحمل كل نفقات هذا المولود التاريخي الذي ظل سعودي يبحث عمن يتحمل هذا العمل، فكان للدكتور سهل شرف تحمل طباعته وإخراجه.
كما قام الدكتور سهل في شهر رمضان المبارك الماضي بتكريم نجمة المسرح اللحجي الفنانة لول نصيب التي تعاني من عدة أمراض، وكوفاء منه لكل ما قامت به الممثلة الكبيرة.
طموحات الدكتور سهل كثيرة وكبيرة منها إصدار كتاب عن الأسر الفنية في لحج، وعمل آخر يتعلق بالفنان العبقري الأستاذ فضل محمد اللحجي الذي يحلو للدكتور تسميته بـ“النهر” وهو محق في ذلك، وأعمال أخرى كثيرة، نسأل الله تعالى أن يعين الدكتور سهل ويعينه على إنجاز هذه الأعمال.
وأن يكون هذا الموضوع حافزا لأبناء لحج من الأكاديميين، وهم كثيرون حين نعدهم، ولكن هذه كلمة حق أكتبها في هذا الرجل وأنا قريب منه وأحس بمعاناته المستمرة تجاه هذا التاريخ، وسيسجل التاريخ للدكتور ما يقوم به من وفاء للحج، رغم أنه ليس محسوبا على جغرافيتها، ولكنه معجون بتاريخها.
"سند حسين شهاب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى