مــآس إنســانية صعبة فــي أكـــواخ خشبية بالممـــدارة

> استطلاع/ عدنان الجعفري - هبة الله صلاح

> منازل خشبية متراصة على الخط العام الواقع في منطقة الممدارة بمديرية الشيخ عثمان في محافظة عدن، مؤلفة من ألواح وأعمدة خشبية تقطنها مايقارب من 60 أسرة فقيرة ومعدمة الحال، يحاصر هذه المنازل أبنية ضخمة قيد التعمير، وكأن أصحاب هذه العشوائيات يعيشون وسط جزيرة لم تصلها خدمة المياه والكهرباء وكل مقومات الحياة.
مواطنون سمر البشرة يعيشون في غابة من الآلام، يصارعون من أجل البقاء في الحياة وسط منازل خشبية هشة لا تقيهم حرارة الشمس الحارقة، وكلما داهمتهم يحتمون هم وأولادهم بشكل يومي تحت ظلال العمائر المجاورة.
حياتهم مهددة بالخطر، فمنازلهم الهشة المبنية من الأخشاب قد تتعرض في أية لحظة للاحتراق، وتلتهم حياتهم النيران.
واقع مؤلم
تقول أم محمد: “في أوقات الظهيرة نجمع أولادنا إلى جوار العمائر لنستظل بظلها حتى غروب الشمس، والذي غالباً ما يستغرق تواجدنا بجوار العمائر السبع ساعات خاصة مع ازدياد سخونة الشمس”.
وتضيف: “معيشتنا مزرية للغاية، فقد أصبحنا نجاهد من أجل الحصول على لقمة العيش، كما أننا نعاني من التمييز العنصري وعدم قابليتنا للتعايش مع الآخرين، ويتم استغلال ظروفنا لأننا من الفئة المهمشة في مجالات التنظيف ونقل مخلفات المنازل”.
أما أم زكريا التي يعمل زوجها (حمَّالا) وصفت لنا حياتهم بأنها (نكد) وذلك لأنهم لا يملكون أية مقومات للحياة، لا مياه ولا كهرباء، ولم يعرفوا الوظائف الحكومية.
وقالت: “إن نصف من يقطنون العشوائيات مصدر رزقهم الوحيد هو “الدخل اليومي” في مجال الحمالة أو خرازة الأحذية، وبعضهم يعمل على جمع قنينات المياه والعلب الفارغة ليبيعها، كما أن هناك بعض النساء يضطررن للعمل كخادمات في الشقق السكنية والعمائر المجاورة، ولا يوجد لهن أي عمل سواه”.

وتحدث المواطن سيف الجرادي، بلهجته العامية: “يا أبنائي عيشتنا عيشة جن، ولنا هنا أكثر من عشرين عاماً على هذا الحال في الظروف الصعبة، ولم تتغير حياتنا إلا للأسوأ، حيث نأتي كل يوم بالمياه من أماكن بعيدة جداً عن مساكننا”، مضيفاً: “ظروفنا المعيشة الصعبة لا تمكننا من تلقي العلاج حين نمرض في أي مستشفى غير المجمع الصحي”.
وأثناء حديثه لنا، تدخلت إحدى النساء قائلة: “أنا أسعفت ابني إلى المجمع الصحي في الشيخ عثمان الواقع في السيلة، ووجدتهم مضربين وبوابة المجمع مغلقة، فاضطررت إلى العودة به إلى المنزل وأخذت له مسكنات من الصيدلية”.
وتشاركها حديثها أم عمر رفيق بالقول: “ابني مرض وأسعفته إلى المجمع وسجل الطبيب له العديد من الأدوية في ورقة المعاينة، لكنني لم أتمكن من شراء الدواء لكونني لا أمتلك المال ولاتوجد أدوية مجانية في المجمع”.
**الفقر يدفعهم للتسول**
رغم الحياة المعيشية القاسية التي أصبحت تؤرق حياة من يسكن في العشوائي، إلا أن هناك مخاوف من أن يأتي متنفذ ويستولي على منازلهم الخشبية لاسيما وأن الحكومة بكافة أجهزتها الخدماتية المختلفة ترفض إلى اليوم إدخال لهم الخدمتين الأساسيتين “الماء والكهرباء”، على الرغم من سكن هؤلاء المواطنين في هذه المنازل الخشبية منذ ما يقارب الـ 20 عاماً، كما أن المعونات والمساعدات التي كانت تقدمها منظمات خيرية لهم توقفت منذ ما يقارب الــ 4 أعوام، وكانت تخفف جزءا يسيرا من صعوبة حصولهم على القوت اليومي.
إحدى النساء في العشوائي وبحسرة قالت: “كانت تأتينا مساعدات من جمعيات خيرية، غير أنها توقفت منذ فترة طويلة مما جعل أغلبية السكان يلجأون إلى التسول، لأنه لا يوجد مصدر رزق آخر”، كما دعت السلطة المحلية بالمحافظة وفاعلي الخير وأصحاب القلوب الرحيمة إلى مد يد العون و المساعدة إليهم من خلال تقديم المعونات والمواد الغذائية لتخفيف معاناتهم ووضعهم السيء.

ومن ناحية أخرى أفصحت أم ناصر أنهم يعيشون حالة خوف وهلع كل لحظة في ظل التوسع العمراني الذي أضحى في الفترة الأخيرة يقترب من منازلهم الخشبية وضيقت الخناق على مساحاتهم المجاورة، ما أدى إلى تضييق الطريق الرسمي التي تؤدي إلى منازلهم.
وأكد المواطن عماد أن خوف المتنفذين أصبح كابوسا يرافق حياتهم، ففي أية لحظة قد يأتي أحد المتنفذين لجرف منازلهم الخشبية ويصبحون في العراء، وذلك نظير التوسع العمراني الذي يحاصرهم من كل جانب.
وما يزيد الخوف لديهم هو عدم المبالاة بحياتهم من قبل السلطات المحلية والخدماتية في إدخال الخدمات الأساسية والصحية الممكنة.
**الاهتمام بالبطائق الانتخابية**
لا يشعر سكان هذه المنطقة بإنسانيتهم وانتمائهم للوطن إلا أثناء فترة الانتخابات، حيث تصرف لهم بطائق انتخابية بكل يسر ودون أي عناء، وهو ما جعل جميع سكان هذه المنطقة يمتلكون بطائق انتخابية.
وفي هذا الجانب أوضح عبدالله علي أن البطائق الشخصية الحاصلين عليها هي من الإصدار القديم ولم يتمكنوا من الحصول على البطاقة “الآلية” منتظرين موسم انتخابي قادم حتى تصرف لهم البطائق الآلية.
**حياتهم في علاقة وانسجام**
عندما تطأ قدم أي زائر لهذه المنازل يشعر بأن سكان تلك المنطقة على علاقة انسجام مع أكوام القمامة ومياه المجاري الطافحة هنا وهناك، غير أنه يتغير هذا الشعور عند إفادة السكان بأنه لم يصلهم (بابور) النظافة وكذا عدم وجود مخطط حكومي لإنشاء المجاري لمنازلهم مما اضطررهم الأمر إلى استحداث مجارٍ بالطريقة البدائية بجوار كل منزل خشبي، ورغم ما يخلفه هذا العمل من أضرار صحية وبيئية إلا أنهم لم يكترثوا بقدر ما يسعون إلى إيجاد “حفرة” مجاري، حسب تعبيرهم.
يقول عبدالله عمر: “نحن ندرك تماماً بأن ما نقوم به حوّل هذه المنطقة إلى بيئة خصبة للأمراض وانتشارها وأغلبية السكان مصابين بأمراض القلب والكلى والتحسس والطفح الجلدي ...إلخ”، كما هو الحال مع أم فرحان التي لديها اثنان من الأبناء، وزوجها يعاني من أمراض الكلى نتيجة استخدامهم المياه غير الصحية.
**بيئة لم تتغير**

ستستقبل المواطنة نور غالب مولودها الجديد في الأيام القادمة في بيئة لم تتغير، تحيط بها مياه المجاري ويقيها لوحات خشب ولا يوجد فيها أية وسائل طبية لمساعدتها عند الولادة غير مشاهد في حياتها لا تليق بحياة البشر.
كما لم يبارح تفكيرها بإيجاد لولازم الولادة لكن ظروفها لاتمكنها من ذلك لاسيما وزوجها يعمل حمالا جلَّ ما يجمعه بالكاد يكفي لإسكات جوع خمسة من الأطفال، يقضون نهارهم في جلب عبوات المياه من المساجد التي تبعد عن منازلهم كثيراً.
**رزقي.. قنينات فارغة**
عند تجولنا بين المنازل الخشبية لفت انتباهنا رجل مسن يجمع قنينات بلاستيكية فارغة وعلب أخرى في شوالات وبجواره أبنائه الثلاثة، وعند اقترابنا منه نصح أبناءه المغادرة من جواره لإحضار حبل لجمع الشوالات حتى يتمكن من إيصالهم للسوق لغرض بيعها لشراء وجبة غداء طالما حرموا لوجبات عدة نتيجة لظروفهم المعيشية الصعبة.
**يتقاسمون صعوبة الحياة**
يشكل الحصول على المياه ثقلاً كبيراً وصعوبة بالغة على عاتق أبناء العشوائيات، فقد أصبح وصوله إلى منازلهم صعب المنال إلا من يتوفر لديه الإمكانيات المالية وهذا ليس حاصلا لديهم، وأدى هذا إلى لجوء أغلبية السكان إلى الشراكة في شراء الصهاريج “بوز المياه” والتي يصل سعرها إلى 3000 ريال.

ويتشارك أكثر من خمسة منازل في بوزة مياه واحدة ويتقاسمونها بحسب “الليترات” إلا أن شريحة منهم يجند الأطفال والنساء وغالباً الرجال إلى نقل المياه من المساجد البعيدة بعبوات بلاستيكية مختلفة الأحجام ورغم هذا العناء الكبير إلا أن كمية المياه لاتكفيهم ليوم واحد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى