الـجـرعــة التي قـصمـت ظـهـر الـعـم عـبـده

> رباب محمد فرحان

> كان ذاك الأب المسكين يجاهد حتى يدفع لبناته رسوم المدارس والكليات وقيمة المحاضرات والكتب، أما المواصلات فيحمد الله أنه كان يستخدم سيارته القديمة التي اشتراها بقرض من البنك بضمانة من راتبه التقاعدي، ولكن كان عليه أن يدفع القسط الشهري الذي ظل عالقاً به حتى اللحظة ولأكثر من سنتين.
وفي الظهيرة كان العم عبده يعود إلى البيت جالباً معه ما يحتاجه أهل البيت لعمل وجبة الغذاء، ثم يذهب ليحضر بناته من مدارسهن وكلياتهن ليتناولوا وجبة الغداء جميعاً على مائدة واحدة بعد أن يذكروا اسم الله ويحمدونه على ما رزقهم من عطاء وخير وفير. وبعد أن يأخذ العم عبده قسطاً من الراحة يعود ليزاول عمله على سيارته ليوفر بقية متطلبات البيت والسيارة من وقود وغير ذلك.
ويستمر العم عبده في العمل حتى ساعة متأخرة من الليل وغالباً ما يعود منهكاً، ولكنه يكون سعيداً جداً وبخاصة إذا توفرت بيديه بعض النقود ليعطيها لزوجته الصابرة لكي تستطيع شراء وجبة الإفطار في الصباح، وتكمل ما نقص من مواد غذائية لبقية اليوم.
استمر العم عبده يفعل ذلك على مدى سنوات متواصلة دون راحة ولو حتى ليوم واحد، وفي أحد الأيام مرض العم عبده وقعد طريح الفراش، ربما حينها فقط ارتاح من مشوار التعب اليومي، فقد أصبح المرض نوعاً من أنواع الراحة بالنسبة للفقراء.
ما يلبث العم عبده حتى يتماثل للشفاء فيشمر عن ساعده ويعاود للجهاد في عمله من جديد، وتستمر الحياة بحلوها الذي لا يدوم إلا للحظات قصيرة، ثم يعاود استمرار الألم.. وتستمر الحياة تلاعبه، تواجهه، تقسو عليه وعلى أسرته، ولكنه يتحمل بصلابة وجلد، حتى حانت لحظة الانكسار التي قاومها طويلاً.. صحا الفجر ليفاجأ بأن دبة البترول قد صار ثمنها أربعة آلاف ريال وقرص الخبز أصبح بـ 15 ريالا، أما الخضار والفواكه والأسماك فقد تضاعف ثمنها عمّا كانت عليه من قبل وقد كان ثمنها في الأصل مرتفعا، انصدم العم عبده ولم يستطع أن يستوعب ما حصل، لم يعد لديه ما يكفيه لتغطية الفرق المادي بين دخله ومصاريفه، فقد كان غارقاً حتى الشبع في التعب ومحاولة المؤامة بين الدخل والمصروف.
انهارت مقاومة العم عبده بشكل كلي، وصل إلى مرحلة العجز الذي لا رجعة فيه، انعزل لأيام في غرفته، حزيناً باكياً كئيباً، بعدها خرج تائهاً ضائعاً، هائماً على وجهه، لا يكلم أحداً، ولا يتعرف على أحد، يمشي خمس خطوات أو ربما ست، ثم يبدأ يلطم على خده الأيمن عدة لطمات قوية، كما لو أنه يعاقب نفسه على شيء لم يفعله أو على شيء لم يستطع تحمله، لا يثير إزعاجاً، فقط كان يدور حول نفسه بدورانه حول المدينة، كانت الشمس تلفح كل جسده لتحيله إلى لون الرماد، وفي مسار سيره إلى المجهول كان لا يشتكي من شيء، فقد كان ما فيه أكبر بكثير من الشكوى وأكبر بكثير من الكلام.
ضاع الرجل بشكل تام.. المؤلم أننا نرى مثل حال العم عبده العديد من الرجال يتوهون على وجوههم في الشوارع وحول قصور التجار والمسئولين والمتنفذين في المدينة!.
**رباب محمد فرحان كريتر - عدن**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى