الـجـنـوبـيـون يـنـهـضـون

> عبدان دهيس

>
عبدان دهيس
عبدان دهيس
أعلن الجنوبيون وهم يحتفلون بعيد ثورة 14 أكتوبر في مليونية حاشدة، أن فعاليات هذه المناسبة ستكون حاسمة، يقصدون بالحاسمة استعادة دولتهم التي كانت قائمة قبل 22 مايو 1990م، فهل يستطيع الجنوبيون بالفعل أن يستعيدوا دولتهم بالوسائل السلمية وبأقل التكاليف؟ أم أن الأمر مجرد أمنيات ينقصها الفعل على الواقع، مثلما يحدث كل مرة في المليونيات السابقة؟.
استعادة دولة الجنوب ليس بالأمر الهيَّن، ولا تحققها الشعارات والحماس العابر والمؤقت، كما يتصور البعض، المهمة صعبة وكبيرة ومعقدة أيضًا، وفيها تداخلات وتقاطعات كثيرة - داخلية وخارجية- وعلى الجنوبيين جميعا أن يوقنوا أن القضية الجنوبية لا يمكن حلحلتها إذا لم يكن هناك توافق إقليمي ودولي واضح حولها، كما لا يمكن لهذه القضية أن تصل إلى مجلس الأمن الدولي والفضاء الخارجي دون أن تكون لها قيادة موحدة تضم مكونات حاملها السياسي الموجودة على الساحة، فهل تتوحد القيادات الجنوبية أولاً للوصول إلى هذه الغايات، أم أن انعدام الثقة فيما بينها لا يزال هو سيد الموقف على غرار المراحل السابقة؟.
إن الجنوبيين يتحسرون بكل ألم وامتعاض على الواقع الذي هم فيه اليوم، فأرضهم مستباحة وثرواتهم منهوبة ومسروقة وكوادرهم مرمية ومهمشة، فالوحدة كانت عبارة عن (فخ سياسي) وقع فيه الجنوب شر وقعة بالتزامن مع سقوط حليفه الإستراتيجي الاتحاد السوفيتي، إذ استغلت النزعة الوطنية العاطفية للجنوبيين تجاه حلم تحقيق الوحدة بين (الجنوب والشمال) شر استغلال، إذ لم يدر بخلد الجنوبيين، وهم يوقعون على هذه الوحدة بنيات خالصة وصادقة، أنهم سيذهبون إلى (الجحيم الوحدوي) وليس إلى (النعيم الوحدوي)، وأن السم قد دس في العسل منذ اللحظات الأولى للتوقيع على اتفاقية الوحدة في مدينة عدن، وأن تلك الحشود الجماهيرية الهائلة التي خرجت يوم إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م، إنما كانت تجر إلى عالم مجهول، وبالفعل حدث ما لم يكن في الحسبان وانتهت (الخدعة السياسية) اللعينة الشبيهة بـ(لعبة الحاوي) السحرية بعد أن تم إدخال الجنوب في (شرك الوحدة) على قاعدة (الفرع عاد إلى الأصل)، ثم جرى الدفع نحو تأجيج وتفجير الأوضاع بين الجنوب والشمال فيما يُعرف بـ(حرب 1994م) الظالمة، إذ غزا الشمال الجنوب شر غزوة واعتبرها (غزوة الفاتحين) وحدث ما حدث وجرى ما جرى من نهب واقتسام وما سمَّوها بـ(الغنائم)، حيث اعتبروا الجنوب - وهم يستبيحون أرضه ويقتلوا أبناءه بدم بارد - غنيمة لهم، وما خفي كان أعظم!.
كل شيء اليوم في الجنوب بات محطما ومنهارا، فهل ينهض الجنوبيون بتدارك هذه الأوضاع المأساوية لتحقيق آمالهم المشروعة على الأرض؟.
إن القيادات الجنوبية وبالذات قيادات الخارج أمام مهمة كبيرة في تحمل مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية والأدبية، تجاه شعبها في الداخل، فلا تكفي البيانات ولا الرسائل، فالقضية تحتاج إلى تقارب وتعاضد وتآزر وانسجام ووضع اليد باليد، والابتعاد عن نزعة (أنا الكل والكل أنا) وعن المناطقية والقروية، ووضع رؤية واضحة يتفق عليها الجميع، تكون خارطة طريق يسترشد بها الجنوبيون كافة، فالعالم اليوم بكل قواه الحية يتطلع إلى وحدة القيادات الجنوبية والحامل السياسي للقضية الجنوبية، حتى يستطيعوا أن يتعاملوا بجدية مع هذه القضية الحساسة والعادلة ودعمها ومؤازرتها، فلم يكن هناك متسع من الوقت لبعثرة الجهود، أو التباطؤ من التقدم إلى الأمام، فشعب الجنوب فاض صبره وكلت قواه، فقد مر أكثر من نصف قرن، وهو يعاني من النكبات والمآسي والانحسارات، ولم يخلد إلى الراحة أبدا، والآن حان الوقت كي ينعم في أرضة ويتمتع بالحرية والازدهار.
فينبغي استثمار المتغيرات المفاجئة التي حدثت في الشمال لصالح القضية الجنوبية دون تأخير لفعل شيء ما، فالفرص التاريخية لا تتكرر، ولتكن الذكرى الـ(51) لثورة 14 أكتوبر المجيدة بداية لنهضة الجنوبيين والاتجاه في الطريق الصحيح، والله من وراء القصد!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى