حـكـايـة كــل يــوم .. كـوكـتـيـل عـدنـي !

> عوض بامدهف

> أدخلت يدي في جيبي لإخراج المنديل الذي أصبح مبللاً بالكثير من العرق.
ومررته للمرة العاشرة على وجهي، وشعرت حينها بشيء من الراحة والارتياح فيما شعر منديلي بالمزيد من البلل.
كل شيء من حولي عادي جداً حيث لا جديد تحت شمس عدن اللافحة التي تلفحنا بأشعتها اللاهبة والمحرقة.. والأرض الصلبة السوداء التي تزيدها خطواتنا المثقلة والمتكررة والمتعاقبة والرتيبة صلابة وسواداً.
ومنظر السيارات المختلفة الألوان والأشكال والأنواع، وآخر ما أنتجت مصانع السيارات في شتى بقاع المعمورة.. بعضها يربض في سكون وهدوء.. والبعض الآخر يخطر أمامنا في دلال وكبرياء وعنجهية.. وهي تعكس استفزازاً صريحاً لمشاعر الغالبية من البسطاء ومحدودي الدخل وما أكثرهم في هذا الزمن الرديء.. ويجسد بصورة قبيحة وفاضحة مدى ما بلغته الفروق بين طبقات المجتمع، والتي تتراوح ما بين الغنى الفاحش والفقر المدقع وبينهما انحشرت فئات طفيلية تلتهم الأخضر واليابس بشراهة واضحة.
والغلاء ما زال وبإصرار بليد باسطاّ ذراعيه ليضم ويلقف كل مداخيل البسطاء ويعصرها حتى آخر قطرة.
والكهرباء في حالة غزل حادة مع ظاهرة طفي لصي، أفقدتها التوازن، وبالمقابل افتقدنا معها الراحة والاستقرار والسكينة.. فأصبحنا كمن يمضي أيامه ولياليه وهو على صفيح ساخن بفعل تكالب انقطاعات الكهرباء وحرارة الطقس العدني المحيط بنا.
والرجال يسيرون في طول الشارع وعرضه وكأنهم في كرنفال لألوان قوس قزح، وبعضهم قد انتفخت أشداقهم، بفعل تخزينة القات.
والنساء يخطرن بخطى واسعة وأنيقة وكأنهن قطع من سواد الليل البهيم.
أما الأطفال.. أعظم بهجة في الحياة، تراهم يمرحون ويضحكون ويمارسون ألعابهم في براءة وصفاء.. لا يبالون بأي شيء من حولهم، ويسخرون في الوقت نفسه من كل شيء، وطلباتهم أوامر مجابة لا تقبل المفاصلة ولا التأخير أو التأجيل ولا علاقة لها البتة بنظام السوق وقانون العرض والطلب وبموجات الغلاء الفاحش وتواصل موجات الجرع المميتة.. وهم يعيشون الحياة في إطار بلوري شفاف من عالمهم البريء لا يبالون بشيء.. فالدنيا في عيونهم وردية وحالة تفاؤل مستمرة.
والمنازل في عدن والتي تحولت إلى مجرد أشباح إسمنتية صماء غريبة الشكل والملامح والمظهر وذلك بعد أن طمست هويتها المميزة عبر عصور التاريخ وبفعل فاعل وبقصد متعمد مع سبق الإصرار الجائر حيث ارتفعت هذه الأشباح الخالية من آية مسحةٍ جمالية عالية في الفضاء العريض.. لتنتصب كهياكل مشوهة لما حولها من بقايا الإرث العدني الأصيل والجميل في عوالم المعمار.
اما عن السير في الشارع الضيق فحدث ولا حرج، حيث صار السير فيه أشبه بالسير في شارع الضباب، ولكن استبدلنا هنا الضباب بالظلام.. فلحظة شرود عابرة أو غفلة سريعة تكفي لكي تحدد خياراتك: إما الوقوع في سيل المجاري الدائم أو بين أحضان كومة البطاطا والبصل والطماطم، أو وهذا أخطر الخيارات كلها، الوقوع في براثن سيارة فقد سائقها عنان التحكم بعنجهيتها وجنونها وغرورها.
وهكذا تتواصل عروض الكوكتيل العدني.
سقى الله أيام عدن الزاهية في الزمن الأصيل والجميل الغابر.. إنها حكاية كل يوم عدني في هذا الزمن الرديء!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى