بـلادي حـرة (2 – 2)

> وفي مقطع آخر يهتف الشاعر:
(تحرر شعبي .. ففي كل بيت / ترف نجوم .. ويورق بدر / وفوق شواطئنا الراقصات / مع النور .. فاض من الخلد فجر / وضم مراعينا والحقول / جناح غمير العبير أغر / وحتى الشياه تكاد تطير / وتشدو بحرية .. لا تقر / وحتى الصحاري كأن الربيع / حواها .. وزينها .. فهي خضر / فضائي حر .. وطيري حر / وقلبي حر وشعبي حر).
لقد بدأ الشاعر المقطع بـ(تحرر شعبي) وأنهاه بـ(وشعبي حر)؛ فالجملة الأولى فعلية دلت على الحركة والإنجاز، والجملة الثانية اسمية دلت على تحقق الحرية وثباتها، وما بين هاتين الجملتين وردت صورا وجملا، ورسمت المشهد أكثر مما عبرت عنه، حيث صار المقطع كله يموج بالحرية؛ وتردد حرف (الحاء) مرات كثيرة ليشيع جو الحرية.
وفي مقطع آخر، يواصل الشاعر فرحته:
(تنفست .. اسحب كل دمي / كأني أشق من الصخر نهرا / كأني من قبل ما كنت شيئا / ولا عشت .. عمرا ولا قلت شعرا / بلادي .. ضفائرها الألقات / توزع فوق المرابع فجرا / بأسنى الزنابق تنضح عطرا / وأطفالنا أغنيات تخف / إلى غدها .. وهو يفتر بشرا / لقد أنجب الدهر أعياده / بثورتنا ..فتنفست حرا).
يقف الشاعر وقصيدته وبلاده بين عهدين عهد استعماري تولى، وعهد ثوري وطني مقبل، واستهل هذا المقطع مصورا فرحة الحاضر، ومستشرفا مستقبلا حرا سعيدا مشرقا، يحيكه بخطوط من نور خياله الشعري، وروحه المتفائلة التي تتسع لكل شيء، فيحس القارئ وكأن الشاعر ووطنه خرجا من سجن حقيقي، فكل من فقد الحرية فهو مسجون سواء أكان فردا أم جماعة أم شعبا, لقد جمع الشاعر في هذا المقطع بين الحركة واللون والصوت لنقل المشهد الوطني الفرائحي الذي امتزج بالمشهد الشعوري الذي أبرزه خياله الفنان.
ويصل الشاعر إلى ذروة حالته الشعورية في هذا المقطع الأخير من النص؛ إذ يقول:
(لك المجد ردفان كم ثائر / قذفت به لهبا يهدر / يطير على صهوات المنايا / وينتزع النصر لا يقهر / فأين القلاع مدوية / تصول .. وتردي .. وتستهتر ؟ / وأين العروش مفخمة / وأين من الشعب مستعمر ؟ / جحافله بل شياطينه / كما قيل حمر إلا فاسخروا / لقد هب ردفان في ثورة / يخلدها عيدنا الأكبر / وينشرها فوق كل (الجنوب) / ضياء سخيا .. لأول مرة / بلادي حرة).
ينتقل الشاعر هنا إلى الخطاب بعد أن استغرق الأخبار في المقاطع السابقة، وقد رافق الخطاب المباشرة والتقرير حسب الموضوع الحماسي الفرائحي، فهو هنا يلخص المشهد، ويستخلص الدرس، وهو هنا يحدد الأسماء مثل: (ردفان والجنوب) رابطا الجزء بالكل، ومشيرًا إلى ما كان يردده الاستعمار تخويفا من استنجاده بأقوى جنوده الشياطين الحمر، ولعله قد فعل ذلك لكن الشياطين الحمر تقهقروا أمام الذئاب الحمر.
إن هذا النص مكتنز بالمعاني والصور، ولكننا في هذا المقام آثرنا الإيجاز واكتفينا بالإشارة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى