الأصنـج قـامـة نـقـابـيـة وطـنـيـة وعـمـالـيـة دولـيـة وتـحـرريـة

> فيصل محمد عبدالله

> سطع في سماء عدن ـ حاضرة مدن الجزيرة العربية والمنطقة العربية في ذلك الزمن ـ نجم بارز من نجوم النضال الوطني والنقابي اليمني والعربي، وكنا حينها طلابا تشدنا تلك الزعامات إلى التعلق بها.
كنا طلابا مجدين في دراستنا، ومع ذلك كان الحس الوطني يشدنا إلى الأحداث التي كانت تمر بها بلادنا والمنطقة العربية عموما، خاصة مع سطوع شخص جمال عبد الناصر بما حمل من أفكار قومية وتحررية، كانت تجذبنا تلك الأفكار نحوها بحماس منقطع النظير.
وكان اسم الأصنج يتردد كمناضل نقابي ذاع صيته في كل الأرجاء خاصة بعد تعرضه لمضايقات الإدارة البريطانية من احتجاز واعتقال وسجن كبقية رفاقة المناضلين الآخرين وفي مقدمتهم المناضل إدريس حنبلة والزعيم العمالي الصحفي المتألق عبدالله باذيب وغيرهم ممن تعرضوا للسجن والتنكيل والعسف.
وقد برز عبدالله الأصنج كزعيم تحرري في مقاومته للمشاريع الاستعمارية في الجنوب وفي مقدمتها ضم المستعمرة عدن إلى الاتحاد الفيدرالي، وكان حقا يوم الزحف إلى المجلس التشريعي إعلانا للرفض الشعبي لهذا المشروع وكان يوما خالدا حقا.
وسقط في هذا اليوم العديد من المناضلين الأحرار روت دماؤهم تربة مدينة عدن الطاهرة، ورمي بالمئات من العمال والنقابيين في زنازين المستعمر.
لم يثنه الاعتقال والسجن عن النضال النقابي والتحرري، ومنذ التحاقه كموظف لدى شركه ايدن ايرويز وانخراطه في العمل النقابي، استطاع أن يبرز كقائد نقابي وأن يتبوأ موقعه كأمين عام لمؤتمر عدن للنقابات الذي تأسس بدعم ومساندة الجبهة الوطنية المتحدة التي كان من أعضاء قيادتها البارزين مع زملائه محمد عبده نعمان وغيرهم من المناضلين.
ورغم أن الجبهة الوطنية المتحدة مثلت الحاضنة الأساسية والسياسية لمؤتمر عدن للنقابات إلا أنها وبعد أن تم تسفير بعض قادتها ومؤسسيها كالنعمان وشيخان تفرقت تلك الجبهة الوطنية ليعود أعضاؤها ومناصروها لتشكيل أدواتهم السياسية والتي ارتبط بعضها بتيارات قومية عربية وأيديولوجيات أممية، ومع بروز تلك التيارات في إطار الحركة النقابية وسيادة حزب البعث على معظم نقاباتها كان شعار المؤتمر (وحدة حرية اشتراكية) وهو شعار حزب البعث، وأنشئ في تلك الفترة الفرع اليمني من حركة القوميين العرب ثم الناصريين المتعاطفين مع ثورة عبد الناصر، وتم التشكيل الجنيني لتيار عمالي ماركسي عام 1957م تكون بعده الاتحاد الشعبي الديمقراطي في أكتوبر 1961م والمنظمة المتحدة للشبيبة اليمنية.
وبعد أن وجد فقيدنا الراحل عبد الله الأصنج ذلك التنازع السياسي والتهافت من قبل تلك التيارات للظفر بقيادتها عبر الاستقطابات العمالية النقابية كان لا بد له من التفكير لضمان وحدة النقابات وعبر حاضنة سياسية لا تنتمي لأية إيديولوجيات خارجية.
أسس الأصنج حزب الشعب الاشتراكي مستغلا ذلك الرصيد النضالي للحركة النقابية العمالية ضد الاستعمار حاملا بُعدا مختلفا يهدف إلى ضمان التحكم السياسي للحركة النقابية ضمن هيكلية محددة تمنحه التحكم بقيادة العمل النقابي العمالي على غرار حزب العمال البريطاني والذي كان يبعث بمستشاريه وعناصره لمناصرة المؤتمر العمالي في خلافاتهم مع الإدارة الاستعمارية في ظل حكومة العمال ووعدهم بتسليم الاستقلال للحزب، ولم يستطع الأصنج كرئيس لحزب الشعب الاشتراكي المشاركة ضمن جبهة تقود ثورة مسلحة نظرا لاعتقاده وقناعته بعدم جدوى استخدام العنف.
وقد تمتع حزب الشعب في سنواته الأولى بوزن وثقل شعبي كبير في عدن والمحميات المجاورة.
ومع اختلاف البعث مع عبد الناصر احتضنت مصر حزب الشعب الاشتراكي وقيادته لتكون من خلاله منظمة التحرير ثم جبهة التحرير مع انضمام الجبهة القومية فيها، وخلال تلك الفترة برز الأصنج بعد أن غادر ساحة الوطن ليناضل من أجل كسب التأييد والدعم للثورة في جنوب اليمن بقيادة جبهة التحرير، وكذلك للاستمرار في النضال النقابي العمالي، وحشد الدعم له من مختلف الاتحادات النقابية العربية والدولية ورفد الاتحاد الدولي للعمال العرب بكوادر يمنية كان أبرزها المناضل البارز محسن العيني وناصر العرجي، ونتيجة لهذا الدور البارز الذي كان يتمتع به الأصنج كسياسي ونقابي ومناضل تحرري انتخب رئيسا للاتحاد الدولي، وقد استحدث هذا المنصب في الاتحاد تكريمًا وتقديرًا لدوره النقابي الريادي على الصعيد اليمني والعربي والدولي.
لقد استطاع من خلال تبوئه لهذا الموقع كسب الدعم والتأييد لنضال الحركة النقابية العمالية في الجنوب اليمني المحتل من قبل الاتحاد الدولي للنقابات الحرة والنقابات الأوروبية وحتى اتحاد النقابات العالمي الذي كان يمثل النقابات العمالية في البلدان الاشتراكية وبلدان التحرر الوطني، واستطاع أن يؤسس لجنة للتضامن والدعم لنضال عمال عدن والجنوب المحتل.
كان متوازنا في علاقاته وأفكاره مع الآخرين حتى الذين يختلف معهم في الرؤى، الأمر الذي مكنه خلال فترة ترؤسه للاتحاد الدولي للعمال العرب من قيادة سفينة الاتحاد بكل أريحية واقتدار وانتعاش لنشاط الاتحاد الدولي للعمال العرب في مختلف أنشطته على كافة الأصعدة.
هكذا كان فقيدنا الراحل محبًا ومخلصًا لعماله ولحركته النقابية ورغم الخلاف والبعد عن الوطن إلا أنه بشيمة المناضل المتسامح هبَّ من أجل إنقاذ وطنه وشعبه من عبث العابثين والفاسدين، أراد أن يرى الخلاص من تلك الحياة المهينة تحت وطأة الاستبداد والظلم، ورحل قبل أن يرى حلمه يتحقق في وطن تسوده الكرامة والعزة والرخاء لهذا الشعب العظيم المعطاء.. الخلود والرحمة لك أيها القائد الحر الفذ والعزاء لنا ولأسرتك ولمحبيك الذين ناضلوا معك.
** نائب الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب**
*فيصل محمد عبدالله *

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى