قـتـلـوا (أكـرم)!

> ياسـر الأعسم

> مدينة (عدن) أصبحت مسرحا للجريمة، وتهدد حياة سكانها العصابات المنظمة، والبلطجة العشوائية، ولا يكاد يمر يوم دون أن يتلون ترابها بدم إنسان بريء!.. كما أمست سوقا مفتوحة لتجارة المخدرات التي تحرك خيوطها أصابع السياسة القذرة، وتدير رحاها أذرع الفساد الكثيرة، وغايتها تفتيت المجتمع، وتجريف قيمه وأخلاقه، ومسخ جيل بكامله!.
ياسـر الأعسم
ياسـر الأعسم

فجر يوم الثلاثاء قبل الماضي كانت مدينة (كريتر) على موعد مع جريمة بشعة أخرى، وذهب ضحيتها شاب في ربيع العمر اسمه (أكرم وديع)، وذنبه الوحيد أنه كان يعمل بشرف لتوفير لقمة عيش نظيفة، ويكد لمساعدة أسرته الكبيرة!.
كانت الصدمة أكبر من الكلام ـ اللهم لا اعتراض ـ ولكن والدة الشهيد (أكرم) حاولت أن تتماسك، وقالت ـ وكل ذرة في جسدها تنتفض من شدة الحزن ـ : “أبناؤنا يقتلون في الشوارع، وقادتنا مختلفون على المناصب، ويلهثون وراء السلطة، ويصعدون كراسيها على جثث شبابنا”، وخاطبت الأمهات، والألم يعصر قلبها على ولدها محذرة من خطر المخدرات: “الحقوا أبناءكم قبل أن تحولهم المخدرات إلى مجرمين وقتلة”. ننحني أمام شجاعتها، ولا يسعنا إلا أن نواسيها، ونسأل الله أن يصبرها، ولكننا نخشى أن تمضي الأيام، وتضيع صرخة أم (أكرم) في زحمة حياة الناس اليومية، ولا يتبقى من الوجع إلا ما يعصر فؤادها وأسرتها.
قتل (أكرم) ليست الجريمة الأولى التي تكشف حجم القبح الذي يحيط بنا من كل مكان، ولكنها تتكئ بقسوة على جروحنا المفتوحة، وعلينا أن نشعر بالخطر الذي يقرع أبوابنا بقوة، ويتسلل إلى كل بيت بلا رحمة، ولن يستثني أحدا، و(عبيط) من يعتقد أن سكوته سيشفع له عند السلطة، فإذا أردنا أن نعيش حياة كريمة، ولا نصحو مفزوعين على جريمة جديدة تصفع وجوهنا وإنسانيتنا بقسوة وسخرية يجب علينا أن نثور على سلبيتنا، ولا نسمح للمسئولين الحقيقيين عن قتل وضياع شبابنا، والذين يروجون لتجارة المخدرات ويحمون عصاباتها بأن يفلتوا من العقاب، فقد يكون ابني وربما ابنك الضحية التالية.
الدولة التي تتوسل هيبتها من فوهات بنادق الجماعات والمليشيات المسلحة هي المتهم الأول في جريمة قتل (أكرم) واغتصاب الطفلة (شيماء)، وكثيرين غيرهم، وكذلك السلطة المحلية في محافظة عدن (المرقعة)، والتي اختفى (وحيدها)، وقد كان أحد أعلام فسادها، وإلى اليوم لم يصدر قرار بتنحيته، وتم تسليم مقاليدها للمسئول القديم الجديد أيضا دون قرار تعيين أو حتى تكليف، هذه السلطة التي تجر في ذيلها زمرة من الوكلاء أزهدهم يلعب بالبيضة والحجر، وطابور طويل من مدراء العموم ذمة وضمير كثير منهم حدث ولا حرج!.. هؤلاء جميعهم مشتركون في كل الجرائم التي ارتكبت بحق (عدن) وأهلها، كما أن صمت المواطن لا يعفيه من المسئولية.
إن ردة فعل الأجهزة الأمنية على حادثة مقتل الشاب (أكرم) مخزية إلى حد السفه، وتتجاوز الانفلات الأمني إلى الانفلات الأخلاقي!.. فامتناع الضابط المناوب عن القيام بواجبه، والقبض على المتهمين، وذلك بذريعة عدم وجود جنود ينفذون المهمة، لا شك تصرف فيه كثير من الاستخفاف بعقولنا وحقوقنا، وتحريض على الفوضى ودعوة لتسود شريعة الغابة، ويدفع المواطن قسرا لأخذ حقه بذراعه، وسلاحه، والمصيبة أنه لم يخرج علينا مسئول يبدي مشاعر الأسف، ويعتذر عما حدث، وكان الأمر لا يعني أحدا.
نجد صعوبة في الاستسلام للأمر الواقع، فحين يتعامل المسئولون مع موتنا ببرود فلابد أن نتساءل.. لماذا حين يكون المواطن هو الضحية يكتفي المسئولون بدور المتفرج، ولكن إذا تعلق الأمر بأمنهم الشخصي، وتهديد مصالحهم نجدهم يكشرون عن أنيابهم، ولا يترددون في إرسال جنودهم، ومدرعاتهم لتمشيط شوارعنا، واقتحام منازلنا، وغزو غرف نومنا، ومضاجع أطفالنا، ويقتادوننا إلى جهة مجهولة، ويحاكموننا بمجرد الاشتباه، والتهمة جاهزة هي زعزعة أمن واستقرار الدولة؟!.. هل الوطن للجميع أم ملكية خاصة لكبار الفاسدين، وصغار الانتهازيين.
إننا نعيش في وطن كل مسئول يحاول أن يفصله على مقاسه، ولا عزاء للمواطن البسيط الذي أصبح بلا قيمة، وأرخص بضاعة في هذه البلاد حيا، وميتا!.. هذا الواقع التعيس يدفعنا بإصرار إلى طرح سؤال آخر هو: إذا كنتم لا تستطيعون صناعة دولة تحترم آدميتنا، وتصون أرواحنا، وتعترف بحقوقنا.. لماذا تربطون مصيرنا بوحدتكم؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى