الثلاثون من نوفمبر.. الاستقلال !

> د. هشام محسن السقاف

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
لأن الثلاثين من نوفمبر 1967م لم يكن ولادة متيسرة أو حتى قيصرية على طريقة (البنج - أو التخدير) خوفاً من مخاضات الوضع وآلام الطلق، بل كان مخاضاً ثورياً تشارك في صنعه الممنهج إرادات وطنية رسمت برنامجها الثوري على ذلك الأساس وضمن خيارات محددة تفرضها ظروف موضوعية وذاتية هي بنت عصرها بما لا يسمح لنا محاكمتها بمنطق اليوم، وإن كانت هناك خيارات أنضج وأصلح لواقع بلدنا تجاوزتها أو مرت عليها ـ تغاضياً ـ الخيارات المهيمنة وسط عنفوان الصوت الثوري الطاغي والمسنود شعبياً وعربياً وحتى دولياً إن نظرنا إلى اليسار العالمي الداعم لحركات التحرر.
كانت تجربة (دولة الجنوب العربي) تلقى معارضة عارمة من القوى الثورية والشعبية وما كان لها أن تجابه المد الثوري المتصاعد في الريف والمدينة بمعزل عن الدعم الذي يقدمه الإنجليز، وعندما وجد هؤلاء أن لا جدوى من مجابهة ثورة شعبية يتشارك في تأجيج لظاها الرجال والنساء، الشباب والطلاب والعمال، وتلقى حاضناً اجتماعياً متزايداً في الريف والمدينة، حيث لعبت النقابات العمالية والجمعيات الأهلية والصحافة العدنية دوراً أساسياً نستقرئ منه عظمة هذه الثورة التي استمرت أربع سنوات بحيث لايضاهيها في العنفوان والفعل الثوري والسياسي المصاحب إلا الثورة الجزائرية والفيتنامية، إذ سجل التاريخ واحدة من أروع المعارك الثورية بشقيها العسكري - الفدائي والسياسي والاجتماعي والثقافي في مدينة عدن بحيث يكون للمدينة الباسلة عدن إرثها النضالي الذي لم يسجل بدقة أو بصدق في سجلات حرب المدن الثورية.
ويحسب للجبهة القومية أن تفاوضها مع الإنجليز كان تكافؤياً وبمقدرة من يستطيع أن يفعل أدواته الثورية لتنتقل من شرعية الثورة إلى شرعية الدولة بغض النظر أن الإدارة البريطانية قد اختارت هذا الشريك التفاوضي نكاية بجبهة التحرير القريبة كل القرب من جمال عبدالناصر العدو اللدود لبريطانيا الاستعمارية، وبغض النظر عن تخليها عن الإدارات الحاكمة في دول الجنوب العربي المرتبطة بها تاريخياً بعدما إيقنت أن تلك مرحلة انقضت وحان موعد آخر مع التاريخ.
كما يحسب للجبهة القومية الخارجة من رحم حركة القوميين العرب دون أن تقطع الحبل السري معها أنها حافظت بمساعدة الإنجليز على الحياض السيادي للدولة الجديدة التي حلت مكان 22 سلطنة وإمارة ومشيخة جلها كان منضويا تحت دولة (اتحاد الجنوب العربي) وسجل التاريخ للجبهة ذلك الاستقبال الجماهيري الحاشد لوفد التفاوض العائد إلى عدن يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م، برئاسة الرئيس الأول للجنوب المرحوم قحطان محمد الشعبي، واستمع الحاضرون إلى عضو وفد التفاوض والرجل الثاني بحسب شهادة الدكتور صالح باصرة لقناة (السعيدة) عبدالفتاح إسماعيل الذي قرأ بيان الجبهة القومية في يوم الاستقلال والذي كان خالياً من أية إشارة لثورة سبتمبر أو الوحدة مع الشمال.
ولم يكن في مقدور القوميين الحكام أن يتجنبوا إقصاء شركائهم في النضال الوطني والثوري في ظل التجريب الثوري والاحتكام إلى ما تقرره الحركة الأم في بيروت، غير مدركين أن إقصاء الآخر لاشك أنه مؤد إلى إقصاء الرفاق في الذات التنظيمية الواحدة، كما أن تفريغ الكادر الإداري المؤهل في عدن وإحلال القوى الثورية التي جربت العمل الفدائي في الريف والمدينة لم يكن بمقدورها أن تؤدي الوظيفة الإدارية بنفس المقاسات التكنوقراطية.
علينا اليوم أن نجد في الصفحات المقروءة والمخفية لحدث الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م الكثير من الدروس والعبر ليستفيد منها شعب الجنوب وشبابه الثائر، وخاصة ما يتعلق بشكل الدولة، كما كانت فدرالية قبل الاستقلال أم وطنية ثورية بعد الاستقلال، والحفاظ على الذات الواحدة من خلال الحفاظ على الآخر الوطني مهما كانت درجة الاختلاف معه، في ظل منهجية ديمقراطية حقة لا تعطي لمنطقة أو فئة أو حزب أو جهة حق احتكار السلطة والوطن، ووضع الإنسان المناسب في مكانه الإداري دون تعسف، وهي أولويات لابد أن تفهم جيداً في ظل كل الغموض الذي يكتنف حياتنا السياسية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى