استقلال العقل و (سقوط من أجل)

> علي سالم اليزيدي

>
علي  سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
كنا نبحث عن الاستقلال التام الذي يحررنا من كل قيودنا، والحصار الذي منينا به وأصابنا بما يكفي من ويلات، نعم كنا نعرف طريق الاستقلال ولازلنا نمتلك زمام المبادرة، وفتح طريق هذا الاستقلال الأول والثاني والثالث، كان لنا اتجاه يوم كانت الشعوب تنشد الاستقلال في آسيا وأفريقيا والدول العربية حين كانت القواعد العسكرية تطوق رقابنا، والجيوش المحتلة لبلداننا تفعل ما تريده، وتسكت إرادتنا وتقمع أصواتنا..
كنا نبحث عن الاستقلال عندئذ لأننا كنا نعرف الطريق لهذا الاستقلال، وكيف نشق طريقنا عبر البوارج والأساطيل والبنادق والتآمرات والأحلاف العسكرية، ويومها لم نعرف بعد احتلال القبيلة واحتلال الجهل للعقل، وكيف تسقط الفكرة الحرة في هاوية ثوب القبيلي المنتف وعقلية التقليد الدامغة السواد.
كان هذا بعيداً عنا، بل ومن سخافة عقولنا جرينا إلى كلمة نضيفها، وهي (من أجل)، وجعلناها ديناً علينا نربط رقابنا بها ونرتهن للآخرين بسذاجة بالغة الغباء، وكأننا لم ندرك كل الدروس التي مرت بها الشعوب من حولنا، وتعلمت كيف تنتزع الاستقلال من المحتل، وتسقط أفكاره لا أن تجذب أفكاره إليها وتقاليده البالية التي فتكت بالشعوب وأذلتها، ألم نتعلم كيف عرفت الثورة الفيتنامية المقاومة والانتصار، ثم داست على أفكار المحتلين والغزاة، ومثلها فعلت ثورة الجزائر العظيمة التي كنست كل الآثار (الفرنسية) وأبقت الدين الإسلامي والفكر الثوري والعروبة أساساً للجزائر الناهضة التي تشابهت في عاداتها وتقاليدها مع من جاورها، بل وفي اللهجة، ومثلها فعلت سورية ولبنان والعراق كلاً انتزع استقلاله من الانتداب ومن الأحلاف والتآمرات، وبقي الشام والهلال الخصيب على الجغرافيا والاستقلال متاخيا مع أخيه الاستقلال الآخر بسلام دام.
أما نحن فقد وضعنا (من أجل) ديناً علينا وجهلنا ماهي عواقبه، وها نحن سقطنا في تلك الحفرة يوم انخدعنا، ووقعنا في فخ التوحد المرتجف الذي أضاع كل حقوقنا وتاريخنا، ولم يرفع لا مكانة شعبنا ولا تراثه الممتد من المهرة إلى باب المندب، كل هذا لم نعرف طريقه ولم نفتح بابه لأنه - ولربما - لم نكن نملك مفتاحه، ويملك الآخرون مفاتيح جمة وضعوها في جيوبنا وتحت أيدينا ثم عبثنا بها نحن ولم ندرك حجم النعمة التي نحن فيها، وحينئذ كان السقوط وضياع حقوق الناس والتاريخ وأخطأنا في أهلنا وأسلافنا، وهذه من مصائب الزمن التي نسأل الله أن يخرجنا منها سالمين غانمين إن شاء الله.
كنا صناع الاستقلال الحقيقي في الوطن العربي، وفي الجنوب العربي، وكانت ثورة عدن وحرب التحرير في الجنوب إحدى مدارس نضالات الشعوب في المنطقة كلها من آسيا إلى أمريكا اللاتينية، وكانت الثورة الحقيقية والشعبية يملكها الشاب والرياضي والمرأة والمثقف والمهندس ورجال القبائل في كل قرى الجنوب، وحينئذ قال عنها الكثيرون من المتتبعون للثورة والاستقلال في الجنوب “إنها ثورة مكتملة وناجحة، ولكن للأسف امتدت يد من داخلنا لتسقط الاعتدال وتجرنا إلى الانحراف، وتدخل (من أجل)، وهنا بدلا من أن يكتمل استقلالنا بقينا ننتظر اليوم الذي نسقط فيه، وكأنما نحن نساق إلى قدرنا على علم منا، وحدث ما حدث في 22 مايو 1990م”.
الآن نحن في استقلال، ونجحنا في هذا الاستقلال إذ تخلص العقل لدينا ونجح في إسقاط قيد الارتهان والارتباط، وتفتت الحبال والمكائد والمصائب، وصرنا أمام درس كبير تعلمناه وقرأنا باطنه وخارجه، إننا في ذلك اليوم حينما بحثنا عن الاستقلال كنا نعرف الطريق إليه وأنجزنا هذا الطريق، وفي المنتصف كان الخطأ الذي أوجعنا كثيراً، ونحن اليوم نتجاوزه، ونجحنا في صناعة وإعادة الروح، وتحرر العقل وسقوط الجاهلية وفكر القبيلة والاندساس بالشعارات خاوية الأساس، وبها من المصائب ما يكفي لاقتناصنا وتدميرنا، وهاقد تعلمنا ونجح استقلال عقلنا وهذا هو الأهم.
كلا لم يعد لدينا ما يخيفنا الآن فقد أوجدنا قرارنا المستقل والناجح امتداداً لثورتنا السلمية من ساحات عدن وحضرموت، وفي ثورة غير مسبوقة وصلت إلى العالم كله نرفع شعار لا عودة إلى الوراء ونحن على مشارف الاستقلال وتوحيد كياناتنا في الحراك الجنوبي بعيداً عن الخلافات المتنازعة حالياً، ونعود لنصرخ نعم، قبل 47 عاما كنا نعرف الطريق إلى الاستقلال، واليوم ومنذ 2006 م لازلنا نعرف الطريق إلى الاستقلال، ولا حاجة إلى من يدلنا عليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى