الرصاصة القاتلة

> رباب محمد فرحان

> تنطفئ الكهرباء في عدن، فتذهب طفلة في السابعة من عمرها لتنام مع عائلتها على سطح منزلهم، وهي عادة عدنية قديمة كانت تتم في فصل الصيف، تتوسد الطفلة مخدتها، ثم تستلقي على الفراش بجانب أمها وإحدى أخواتها، تتفرج على النجوم معلقة في السماء و تبدأ في عدها، واحد، اثنان، ثلاثة ثم تستسلم للنوم.
يجلس بقية الأهل يتسامرون ويتذكرون كيف كانت عدن في الماضي هادئة مطمئنة، قبل أن يعبث بها العابثون، أولئك الذين يطلقون نار رشاشتهم في جوف الليل، وبها تتحول المدينة إلى ساحة قتال حقيقي بين أشباح لا أحد يستطيع أن يضبطهم، ولا يجد من يستمع لشكواه.
الجد الذي أصبح في السبعين من عمره ولكنه ما زال يتمتع بذاكرة قوية، يقفز فجأة من مكانه، مشيراً إلى ابنته فاطمة وهي بالمناسبة أم تلك الطفلة التي نامت قبل لحظات و هي تعد النجوم، قائلا لها:
- أتذكرين يا فاطمة عندما كنا نسمر في رمضان قبل حوالي ثلاثين عاما..
- قاطعته ابنته ولم تتركه يكمل جملته، نعم أذكر ومن يستطيع أن ينسى، تلك الأيام الرمضانية الجميلة والهادئة، عندما كنا نجلس معاً ونتحدث في أمور الحياة العادية ودراسة الأبناء والمشاكل التي يعانونها في حياتهم، وكنا نتناول الكعك ونشرب الشاهي والقهوة.
- لم أقصد ذلك يا ابنتي.. أقصد ذلك السكران الذي جلس تحت باب عمارتنا، عندما انطلقت من فوهة مسدسه طلقة دون قصد منه، كيف تحولت المدينة إلى ثكنة عسكرية، البوليس العام والبوليس السري ولجان الدفاع الشعبي وجهاز أمن الدولة وغيرهم من الأجهزة الأمنية، وقد كنا نتندر عليهم - هيا شوفوا تقولوا إسرائيل هجمت على البلاد - وقد أكمل الجد حديثه ليقول للجميع هيا لننام فعندكم في الصباح أشغال ومدارس.
و هكذا ذهب الجميع للنوم فقد تأخر الوقت و أخذ التعب من الجميع كل مأخذ، و ما هي إلا ساعة حتى انطلقت صليات الرصاص من رشاشات متعددة ومن أكثر من جهة، تنطلق الرصاصات عشوائية، وقد سمع القوم أصواتها ولكنهم لم يخافوا لأنهم كانوا قد تعودوا على مثل ذلك ولم يحدث بفضل الله شيء، لذلك استمروا في النوم رغم الإزعاج ورغم الرصاص.
تصاعدت الرصاصات مرتفعة تناطح السماء، وفي أثناء عودتها منتكسة إلى الأرض، اختارت إحدى تلك الرصاصات جسد تلك الفتاة البريئة، لم تشعر المسكينة بأي ألم، نزفت بهدوء دون أن ينتبه أحد من حولها لنزيفها، وعند اقتراب الطفلة من لحظة النزيف النهائية، وقد اقترب الموت من شرايينها، ارتعشت بشدة، وشهقت شهقة الوداع ثم لفظت أنفاسها الأخيرة، وفي ذلك الوقت بالذات انتبه الكل لمأساة الطفلة، فتشوها فوجدوها قد فارقت الحياة.
**رباب محمد فرحان**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى