رجـــــــــــــال في ذاكـــــــــــرة التـــاريـــــــــــخ 1 - عبده محمد الزيدي: سيرة فتوة دخل فيها المحامي صلاح الدين والسيد عمر فدعق 2 - علي أحمد يوسف: اشتهر بـ“علي أفندي” أو ذاكرة الأسر العدنية

> نجيب محمد يابلي

> 1- عبده محمد الزيدي
كنت قد خصصت حلقة عن “فتوات عدن في ذاكرة التاريخ” في حلقة 30 نوفمبر 2014، ومنهم عبدالله محمد الجبلي وعلي حيرو والحاج مرشد الرديني وأحمد سعيد ربان وغيلان الخامري وجابر أحمد جابر وناصر مريدي وعلي سعيد زنقور وناصر باشجيرة ومحفوظ فيروز وعلي العزيبي ومحمد حرسي جوليد وحسن أحمد يامي ومحمد عبدالله التيس وعيدروس صدقة، ومنهم أيضا المترجم له في هذه الحلقة عبده محمد الزيدي.
**الولادة والنشأة
الفقيد عبده محمد عبده الزيدي من سكان الشيخ عثمان، قسم (A)، ومن جيرانه الدكتور قيس غانم نعمان ومحمد عبدالله التيس وعبدالرحمن شاذلي (والد نصر) والسيد صادق وسعيد سيف (والد سمير) وبيت الشبيل (حسن شبيل) وبيت العسكري وأحمد فضل مرشد (حارس مرمى نادي الجزيرة).
الفقيد عبده الزيدي من مواليد 20 ديسمبر 1922 وبدأ مشواره العملي في سني شبابة الأولى بحاراً ثم التحق بجيش محمية عدن (الليوي LEvis) ثم التحق بعد ذلك في هيئة الاستكشافات النفطية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وساعد على توظيف اثنين من أصدقائه: إسماعيل تركي ويوسف الحجي.
**عبده الزيدي في شركة النفط الوطنية**
التحق عبده الزيدي بشركة النفط الوطنية (التي أصبحت بعد ذلك شركة النفط اليمنية) وعمل فيها مشرفاً للسائقين وربطته علاقة طيبة بعموم الموظفين والعمال عامة والسيد عمر أحمد صالح فدعق خاصة، ورغم أنه - يرحمه الله - أخذ قسطاً يسيراً من التعليم، إلا أنه كان يتقن اللغة الإنجليزية، وأفاده ذلك في التعامل مع الخبراء الأجانب وحاجتهم إلى خدمة السائقين أو قضاء حاجاتهم.
**الزيدي يجمع بين الفتوة وسعة الدائرة الاجتماعية**
كان عبده الزيدي معروفا في الوسط الاجتماعي في الشيخ عثمان على أنه من الفتوات، وكان له صولات وجولات، إلا انه نسج علاقات اجتماعية واسعة، وفي اعتقادي أنه كان معروفاً على مستوى الشيخ عثمان، ويشارك السكان أفراحهم وأتراحهم، وكنا نجده في حفلات الزواج وقد أخذ موقعه في تخزينة القات، وكنا نراه في الجنازات وهو “يتبارك” في حمل “المجنز” من أركانه الأربعة، ويساعده في ذلك جسمه القصير والمكتنز.
كان عبده الزيدي رجل نكتة ومحبا للناس خدوما متعاوناً سريع التداعي متى ما دعت إليه الحاجة، وذلك أثناء إقامته أولاً في قسم (A)، وانتقاله بعد ذلك إلى قسم (B).
**الفتوة التي دخل فيها المحامي صلاح الدين حامد**
كان عبده الزيدي يسكن منزلاً تابعاً لأسرة عبدالرحمن شاذلي (أسرة نصر شاذلي)، وكان مستأجراً للبيت، ومع صدور قانون تأميم المساكن في أغسطس 1972 تملك الزيدي السكن أسوة بكل الساكنين.
لظرف ما، آثر عبده الزيدي الاحتكام إلى شرع الله بأن السكن مالكه الشرعي أسرة الشاذلي، وأوصى أولاده بإعادة البيت إلى الأسرة، رغم صدور قرار قضائي بأحقيته في المنزل، وكان المحامي الموكل من طرف أسرة الشاذلي هو المحامي المعروف صلاح الدين عبدالله حامد، وكان من المقرر أن يأخذ حقه القانوني من المالك، إلا أنه تنازل عن حقه (قدره نصف مليون ريال) عندما رأى الزيدي يعيد الدار لأصحابه.
**الفتوة التي دخل فيها السيد عمر فدعق**
شغل السيد عمر أحمد صالح فدعق منصب مدير عام شركة النفط الوطنية، ويحسب للسيد عمر فدعق أنه هو الذي وظف عبده محمد الزيدي مشرفا على سواقي الشركة، ولا يختلف اثنان أن السيد عمر فدعق دمث الأخلاق دائم الابتسامة ومعطاء لعمله ولدائرته في العمل أو في المجتمع.
قضت إرادته تعالى ابتلاء عبده الزيدي بداء السرطان، ولم يقصر السيد عمر فدعق في تقديم الرعاية المادية والمعنوية في علاجه داخل البلاد وخارجها أكثر من مرة حتى وفاته رحمه الله في 5 مايو 1994 عن (72) عاماً.
خلف عبده الزيدي وراءه قلوباً سكنها الحزن لوفاته ورصيداً اجتماعياً طيباً، و(5) أبناء و(5) بنات.
2- علي أحمد يوسف
**الولادة والنشأة
علي أحمد محمد يوسف، واسم شهرته “علي أفندم” من مواليد العام 1929 في إحدى قرى تعز، ونزح إلى عدن في العام 1938م (أي مضى على إقامته 77 عاماً)، وكان جده محمد يوسف مدير المخبازة الحالية التي يديرها حفيده علي أفندي في الزعفران بكريتر، وأدارها بعد ذلك والده أحمد محمد يوسف.
**الأفندي والفقي محمد طه وأرض المدرج البلدي**
تلقى علي أفندي دروسه القرآنية في كتاب (معلامة) الفقي محمد طه الشيباني مع أقرانه من أبناء كريتر في المنطقة (الزعفران وحافة الشريف والقطيع والشوارع المجاورة)، وكان يلعب كرة القدم مع أقرانه على الأرض التي بني عليها “المدرج البلدي” الذي أصبح لاحقاً “استاد الشهيد الحبيشي”.
**علي أفندي: أنا من تيم محمدي**
قال لي علي أفندي: أنا من تيم محمدي (أي نادي الاتحاد المحمدي Mcc) وهناك من النوادي غير “تيم محمدي”.. هناك “باراك بوي” (أي أولاد الثكنات Barrack boys) و“نادي الحسيني”. عشق علي أفندي كرة القدم ولايزال يذكر أصحاب النوادي واللاعبين، وذكر اسم “أحمد قعطبي”، وقلت له: تعرفه يا علي؟ قال لي: كيف؟! كان وزير الإسكان ومسؤول الرياضة في عدن.
**علي أفندي والسيف أحمد**
من ذكريات علي أفندي عن عدن كانت زيارة سيف الإسلام أحمد بن يحيى حميد الدين، ولي عهد المملكة المتوكلية اليمنية لعدن في فبراير 1946، وكان أفندي في السابعة عشرة من عمره وشاهد السيف أحمد في عدن.
**علي أفندي وجمال المراقشة**
قال علي أفندي: “أذكر جمال المراقشة وهي تحمل الحطب من أبين إلى عدن، وكانت المخابيز والمطاعم والأفران تشتغل بالحطب، وبعدين دخلت الشول والغاز، وكان الحمل الحطب يكلف من روبيتين إلى ثلاث روبيات”، وأضاف أفندي “كان المراقشة وغير المراقشة مع جمالهم يرابطون في السائلة، وهذا كان قبل بناء سوق البلدية..”.
قال علي أفندي: “كنت أنقل وجبات المخبازة إلى مواقع بناء العمارات، وكان معظم عمال البناء من دبع ومناطق مجاورة لها من تعز.. أذكر أيام البراشوت (ومعناها التهريب)”، “وشرح لي علي أفندي بأن كريتر كانت منطقة حرة وكانت المواد الغذائية مثل السكر والشاي والبز (المريكن والمحمودي) رخيصة، ويهربوها من البغدة، ومش من العقبة إلى خورمكسر، ويجزعوها من جنب ايدن ايرويز” (ويقصد خطوط عدن الجوية) وشامبيون (ويقصد هنا معسكر شامبيون الذي أصبح معسكر النصر) وبعدين يجزعوها من جنب الليوي (ويقصد هنا معسكر ليك الذي أصبح معسكر عبدالقوي) وبعدين يدخلوها الشيخ عثمان وإلى أبين ولحج وغيرها.
**علي أفندي يحمل البطاقة الزرقاء**
يقول علي أفندي: “كنا نعيش بأمان وكان معنا “كرت أزرق” (ويقصد هنا البطاقة الزرقاء وهي بطاقة الإقامة Residence card أما أهل البلاد فهذون معاهم “مخالق” و“سكونية” (أي شهادات ميلاد أو وثائق إقامة وتشمل كل أفراد الأسرة)”.
يضيف علي أفندي: “كان الواحد يمشي و“الكرت الأزرق” بطرفه.. لا خرجت تشتري حاجة أو تزور أحد أو تروح ميدان الكبة FootBALL GROUND محسنهم اللعابين حق أول”، وهنا قاطعته: مثل من يا علي؟. قال: “خير الله والربيح وبازريق وإبراهيم تمباكو”.
**علي أفندي وتسعير المخبازة**
يتنهد علي أفندي عندما يذكر عدن وأيام الربابي (جمع روبية)، وقال: “الروبية تساوي 16 آنة والآنة تساوي 4 بيس والبيسة تساوي 3 أرادي، الأردي كان يجيب لك قلص ماء بمبة (مقطر) قلص كبير يرويك”.
كل واحد وله ذوقه.. واحد يشتي قرص خبز كبير، وهذا يكون مع مقلى صيد مع حلبة ومطيبة مرق.. وواحد يشتي خبز رطب مع صيد مشوي بالموفة وبرمة لحم.. الوجبة الممتازة تكلف من 3 آنات إلى 5 آنات.. وقت طيب.. لقمة طيبة.. ناس طيبين، ما قد شفناش زيهم..”.
**علي أفندي وذاكرة تتسع لكل العدنيين**
عاصر علي أفندي كل العملات التي تعامل بها أهل عدن، حيث عاصر الروبية الهندية والشلن الأفريقي ودينار الجنوب العربي، ثم دينار اليمن الجنوبي، وبعد ذلك الريال اليمني، وعاصر كل الأحداث التي وقفت في عدن حتى ما عرفت بـ“حرب اليهود”، وعاصر كل أهل عدن بمختلف أجيالهم، ولكنه يعبر عن كل ذلك بلسانه التعزي.
انحصر علي أفندي في مدينة كريتر.. سكنها وعشقها وأحب أهلها وأحبوه، وكثير من العدنيين يمزحون مع علي أفندي ويتبادل معهم التراشق بالألفاظ، الذي ينتهي بالضحك.
علي أفندي كما عرفته دائرة معارف بأهل عدن، وإذا ذكرت له فلانا من آل المكاوي بادرك بالرد: كيف ما عرفوش؟!.. يا رجَّال هذا بحافة جوهر.. وذاك من آل أمان، أو بادرك: هذا يا رجال بالقطيع.. أذكره وعاده بالاسكوول (المدرسة) اللي بالريزميت.
هذا هو علي أفندي الذي قضى السنوات التسع الأولى من طفولته في القرية وقضى بقية عمره في كريتر (عدن)، وفي نفس المخبازة، وتعاقب على عدة أجيال، وهو يحمد الله على كل هذا العمر وعلى هذه المدينة الطيبة وناسها الطيبين.. يعرفهم جميعاً ويعرفونه جميعاً، ولا يفارقهم إلا لبضعة أيام سنويا يقضيها في القرية.
علي أفندي متزوج وله ابن وابنة وعشرة أحفاد، نصفهم ذكور.
**نجيب محمد يابلي**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى