شارع جمال عبدالناصر بتعز .. شارع الاحتجاجات والثورات.. متنفس العمل المدني في السلم والحرب

> تقرير «الأيام» صلاح الجندي

> حين تعبر في شارع جمال عبدالناصر بتعز - أكبر شوارع المدينة - يلفت انتباهك مخيم نصبه عدد من المحتجين ضد الحكومة، حيث ينظم هؤلاء المحتجون اعتصاما مفتوحا لمطالبة حكومة الشرعية بدفع رواتب موظفي محافظة تعز والمنقطعة منذ ما يقارب 11 شهرا.
المعتصمون - الذين يتكاثر عددهم بشكل يومي - ينتمي معظمهم إلى النخبة المثقفة، حيث يتقدمهم قيادات حزبية ونقابية بالإضافة إلى قيادة مسيرة البطون الخاوية، التي تدعو في الغالب إلى مثل هذه الفعاليات الاحتجاجية، والتي تتنوع بين المسيرة والتظاهرة والوقفة الاحتجاجية وصولا إلى الاعتصام المفتوح.
ما أن تحدث اختلالات أمنية أو جرائم جنائة وحقوقية إلا وتجد شارع جمال هو الحامل لهذه القضايا التي يخرج لأجلها ناشطو ومثقفو تعز ليعبروا عن إداناتهم من خلال هذا الشارع الذي احتوى الجميع وأصبح رمزا ومنبرا حقوقيا وثوريا لكل أبناء المدينة .
وتشل حركة السير عن معظم شوارع المدينة إذا ما قام بعض المسلحين بقطع شارع جمال، كونه قلب تعز النابض بالحياة، والذي تعرض في الفترات الأخيرة لقطع طريقه من قبل مسلحين يحتجون على مختلف قضايا خاصة بهم، كمشاكل هذه الجماعات مع بعضها، أو مع قيادة محور تعز، أو لمطالبة رواتب العسكريين.
وقد اعتبر شارع جمال عبدالناصر - الذي يتوسط المدينة ويعد أكبر شوارعها - متنفسا للعمل المدني والنضالي في المدينة في مختلف مراحل التاريخ، فقد جاءت تسمية الشارع عقب زيارة الزعيم جمال عبدالناصر إلى اليمن في أبريل من العام 1964، حيث تجمعت الجماهير في هذا الشارع لتحية ناصر الذي ألقى حينها خطابا تاريخيا في ميدان الشهداء، طالب فيه بريطانيا التي وصفها بالعجوز الشمطاء بأن تأخذ عصاها وترحل من عدن.
احتضن الشارع كل المسيرات والمظاهرات التي شهدتها المدينة طوال فترات نضالها.. وليكتمل هذا الزخم النضالي مع ثورة 11 فبراير والذي كان للشارع شرف استضافة شرارة الثورة الممثلة بمجموعة الشباب الذين افترشوه ليلة الــ 11 من فبراير 2011 وتعرض معظمهم للاعتقال، ليتم بعد ذلك نقل فعالياتهم الاحتجاجية إلى ساحة محطة صافر والتي باتت تعرف بعد ذلك بساحة الحرية.
ومع انتقال فعاليات الثورة إلى ساحة الحرية إلا أن الشارع ظل نقطة تجمع الثوار وانطلاقهم نحو الساحة، كما أنه ظل مركزا للوقفات الاحتجاجية والتي تتعلق - في الغالب - بالجانب الحقوقي والمطلبي، كما أنه ظل ساحة الاحتفالات الرئيسية في المدينة كأعياد ثورات سبتمبر وأكتوبر وفبراير، بالإضافة إلى عيد ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو.
مظاهرات تسير في اتجاه شارع جمال
مظاهرات تسير في اتجاه شارع جمال

مع انقلاب الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح على الدولة ظل شارع جمال عبدالناصر عصيا على الانقلابيين الذين عجزوا عن السيطرة عليه، وليصبح هذا الشارع مركزا لتشكيل وانطلاق المقاومة الشعبية التي بدأت بمجاميع صغيرة لم تلبث أن كبرت مع توسع نطاق عملياتها المسلحة.
يرى الكاتب الصحفي أحمد شوقي أحمد أن شارع جمال عبد الناصر "يعد من ناحية تاريخية أشهر شوارع مدينة تعز، وهو برغم صغره النسبي يعد أكبرها وأطولها، ومن ناحية سياسية ودعائية فهو شاهد على مدينة تعز التي تأثرت بثورة يوليو في زمن امتداد الثورة المصرية إلى الأقطار العربية ومنها اليمن وفي قلب تعز مهد الثورات اليمنية المتعاقبة.
لم تتوقف الرمزيات الثورية التي حملتها تعز كمدينة، وجمال عبد الناصر كشارع كبير احتضن التظاهرات الطلابية والثورية في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم لمختلف التيارات السياسية اليمينية واليسارية والقومية وثورة الجياع الذين أغرقت دماؤهم المسفوكة قارعة الشارع العميق وأبواب المحال فيه عام 1992م، بل امتدت دلالة تعز وشارع جمال بوصفه بوصلة الاحتجاجات الثورية التي قادها شباب ثورة فبراير الذين اتخذوا من شارع جمال محرابا للفعل المدني الذي دشنه اعتصامهم الأول في ليلة سقوط حسني مبارك في الحادي عشر من فبراير 2011م للمطالبة بسقوط نظام علي عبدالله صالح في قلب شارع جمال عبدالناصر الذي يقع في قلب مدينة تعز الثائرة".
ويضيف أحمد: "وفي عام الثورة الحالمة، كان شارع جمال شاهدا على المسيرات المليونية والأناشيد الوطنية التي ضمخت البيوت والمحلات والأرصفة وتجاعيد الإسفلت، وغسلت دماء شهداء الجوع والديموقراطية الذين قتلوا في ذات الشارع على ذات العصابات النظامية التي عربدت فيه على جثث أبناء المدينة وثوارها.
وحتى دخول الحوثي إلى صنعاء في سبتمبر العام 2014م، كان شارع جمال مهوى قلوب الثوار وحراس الجمهورية من أبناء البلد الذين خرجوا كهولاً وشباناً رفضاً للمشروع الحوثي في شارع جمال عبد الناصر واغتصت بهم جنباته، إلى السائرين خفية ومداراة تحت بلكونات البيوت المطلة عليه هربا من طلقات قناصة الحوثي الذين ارتصوا على التلال المحيطة به يغتالون المدنيين السائرين في ذات الشارع، إلى احتفالات النصر الجزئي الذي احتفل به أبناء مدينة (تعز) عاصمة المحافظة، بتحريرها وفي القلب منها شريانها الأبهر وخاصرتها المفتوحة، شارع جمال، من رصاص القناصة وقذائف المدفعية الثقيلة".
ويردف أحمد: "لقد احتضن شارع جمال أوجاعنا وهمومنا وشكونا إليه آلامنا وهددنا من عليه وتوعدنا وثرنا وحلمنا ورقصنا وغنينا وما زلنا نشتكي مرارة الحرب ونبكي فيه على الشهداء، ونطالب من عليه بحقوقنا ومرتباتنا، ونحكي من على صدره مرارة الجوع والحرب والحرمان والظلم، ونحتفل به وفيه بانتصاراتنا ونكتب أحلامنا، ونسكب تعبنا وآمالنا استمساكاً بعراقة نضالنا فيه، وبدماء شهدائنا عليه، وبتاريخ من النضال لن يبور ما دام في أدمغتنا ذاكرة تحصي وشارع يتسع.
المجد لشارع جمال الذي كان المهد واللحد لمن صرخوا من أجل حق أو حقيقة، ولعل أحدنا بعد هذا ليتمنى أن يكون هذا المكان الذي انطلقنا منه لمناصرة فلسطين والعراق وقضايانا الوطنية النبيلة أن يكون مسرح الاحتفاء بانتصار الشعب وثورته وأحلامه".
ويكتسب شارع جمال عبدالناصر أهميته من وجود معظم المكاتب التنفيذية للمحافظة فيه، بالإضافة إلى مقرات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وبسبب الموقع الاستراتيجي للشارع الذي يتوسط مركز المدينة ويربط بين أحيائها الشرقية والغربية فقد ساعد هذا الموقع أبناء تعز على الالتقاء وتكوين التجمعات السياسية والثقافية والمجتمعية، وساعد ذلك على زيادة الحراك السياسي والمدني لأبناء المدينة التي تعد العاصمة الثقافية لليمن.
من أشهر المعالم الموجودة في الشارع مكتبة "الوعي الثوري" التي اشتهرت ببيع أمهات الكتب، بالإضافة إلى الصحف المحلية والعربية والمجلات والدوريات، كما أن مدرسة نعمة رسام للبنات تقع في هذا الشارع وتعد هذه المدرسة من أكبر المدارس في اليمن.
كما أن سوق "ديلوكس" يعد أيضا من أبرز معالم شارع جمال، بالإضافة إلى مبنى شركة النفط ومبنى بنك التضامن وجولة المسبح.
وقد تعرض اسم الشارع لمحاولات الطمس والتغيير، والتي كانت آخرها قبل عام من خلال مجموعة من القوى التقليدية الدينية الذين رفعوا لوحة على جسر الشارع كتبوا عليها "شارع الشهداء"، وهو ما أثار حالة من الاستياء لدى أبناء تعز الذين يتذكرون الزعيم جمال عبدالناصر وأدواره النضالية في اليمن، ويأبون إلا تخليده من باب مبادلة الوفاء بالوفاء.
تقرير «الأيام» صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى