الخلاف بين الحوثيين وصالح وفرص صنع السلام في شمال اليمن (2 - 3) الحظوظ السياسية للمؤتمر طغت على حظوظ الحوثيين والتوازن العسكري لا يزال لصالح الحوثيين

> «الأيام»/ بروكسل

> نشر مركز الأزمات الدولية - في العاصمة البلجيكية بروكسل - تقريرا معمقا عن الخلافات بين جماعة أنصار الله الحوثيين وحزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وما يمكن أن تحدثه تلك الخلافات من فرص لصنع السلام وإيقاف العلمليات العسكرية للتحالف العربي.
«الأيام» استلمت نسخة من التقرير وتعيد نشره هنا في ثلاث حلقات:
الحلقة الثانية:
في انقلاب غريب لأدوارهما التقليدية، فإن أعضاء المؤتمر الشعبي العام يتهمون الحوثيين اليوم بالفساد، وبعدم احترام قوانين البلاد، على سبيل المثال فيما يتعلق بالاعتقالات، وعدم التعامل معهم كشريك مساوٍ في الحكومة. على وجه الخصوص، فإن المؤتمر الشعبي العام مستاء من سيطرة الحوثيين على الموارد المحدودة التي تتدفق إلى الشمال على شكل رسوم جمركية، وضرائب وأجور اتصالات.
بعد تقسيم الحقائب الوزارية، تصارع الطرفان على تعيين نواب الوزراء. قد يكون الأمر الأكثر أهمية هو عدم اتفاقهم على قيادة ومستقبل الحرس الجمهوري، الوحدة العسكرية التي كانت الأفضل تأهيلاً في الجيش قبل الربيع العربي الذي اندلع في العام 2011، والتي كان يقودها ابن صالح أحمد علي عبد الله صالح، والتي كانت موالية له إلى حد كبير. اليوم باتت هذه الوحدة ظلاً شاحباً لما كانت عليه من قبل، حيث تم تفكيكها في ظل حكم هادي في العام 2012، ولاحقاً أعيد بناؤها جزئياً خلال الحرب الراهنة. المؤتمر الشعبي العام يرغب في تعزيز قوتها وقيادتها، بينما يمنعهم الحوثيون من ذلك.
الحوثيون يتهمون المؤتمر الشعبي العام بإثارة الاستياء الشعبي ضدهم بدلاً من التركيز على محاربة التحالف الذي تقوده السعودية. وبالنظر إلى أنهم يتحملون القسط الأكبر من الضحايا، فإنهم يرون في التسييس الذي ينتهجه المؤتمر الشعبي العام إهانة لتضحياتهم.
فيما يتصل بالخدمة المدنية، يقولون إن حزب صالح لا يزال يهيمن على القرارات المتعلقة بالتعيين والتقاعد، ما يعيق قدرتهم على تطبيق القانون، الذي يتطلب - على سبيل المثال - إحالة الأشخاص بعد سن معين إلى التقاعد. كما يسارع الحوثيون إلى الإشارة إلى أن إدماج أعضائهم في جميع أجهزة الدولة يشكل أحد الاتفاقات التي تم التوصل إليها من قبل مؤتمر الحوار الوطني في العام 2014، والذي يشكل حجر الزاوية في المرحلة الانتقالية في البلاد برعاية الأمم المتحدة.
يمكن القول إن الأمر الأكثر أهمية هو أن الحوثيين يشعرون أن المؤتمر الشعبي العام يحاول التوصل إلى اتفاقات مع أعدائهم المشتركين المتمثلين في الإمارات العربية المتحدة والسعودية لإنهاء الحرب لصالحه. بعض أنصار الحوثيين، على سبيل المثال، كانوا مقتنعين بأن المهرجان الحاشد الذي أقامه المؤتمر الشعبي العام في صنعاء في 24 أغسطس الماضي كان حيلة من قبل صالح لإطاحة الحوثيين من السلطة وإخراجهم من صنعاء، بمساعدة الإمارات العربية المتحدة.
حتى أغسطس 2017، نجحت قيادة كلا المجموعتين باحتواء خلافاتهما العديدة. لا تزال القيادتان السياسيتان اللتان تتعرضان لهجوم الحملة العسكرية التي تقودها السعودية تقولان إن ما يوحدهما - خصوصاً الدفاع عن أجزاء اليمن التي يسيطر عليها كل من الطرفين - أكثر أهمية مما يفرقهما. إلا أن أنصار كلا المجموعتين، وخصوصاً المتشددين منهم، لا يتفقون كلياً مع هذه الرؤية.
العديد من كوادر المؤتمر الشعبي العام، في اليمن و الخارج، لا يرون قيمة لهذه العلاقة. إنهم صريحون إلى درجة الفجاجة في عدائهم لاستمرار هذه العلاقة، بل إنهم يدعمون مهاجمة الحوثيين، إذا أتيحت الفرصة لتغيير ميزان القوى. أحد أنصار المؤتمر الشعبي العام عبر عن رأي شائع في أوساط قواعد الحزب في صنعاء حين قال:
يسيطر الحوثيون الآن على الجيش وعلى موارد الشمال. كل شيء يذهب إليهم بسبب الحرب. سيكون حزب المؤتمر الشعبي العام مستعداً لمحاربة الحوثيين، لكنه لا يستطيع فتح جبهة ثانية. يفعل الحوثيون الكثير من الأشياء التي تلحق الضرر بالشعب اليمني. إنهم يدمرون الجيش بشكل كامل. لكن إذا تحول المؤتمر الشعبي العام ضد الحوثيين الآن، فإن الولايات المتحدة والسعودية وحزب الإصلاح سيحاربون المؤتمر الشعبي العام من الاتجاه الآخر.
يُظهر التيار الحوثي على جميع المستويات خلافات داخلية حول ضرورة وملاءمة التعاون مع المؤتمر الشعبي العام. الجانب السياسي في التيار، الذي تمثله شخصيات مثل صالح الصماد، رئيس المجلس الرئاسي، يبدو أنه يثمن الشراكة ويعمل براغماتياً للمحافظة عليها من خلال التوسط في الصراع بين الطرفين. المتشددون في المجلس الثوري والأجهزة العسكرية - الأمنية، بما في ذلك محمد الحوثي، رئيس المجلس الثوري، يبدون أقل حرصاً على التعاون ويهاجمون بعدوانية وبشكل علني المؤتمر الشعبي العام.
أحد أنصار الحوثيين لخص التشكك الذي يشوب هذه الشراكة قائلاً: الشراكة مع المؤتمر الشعبي العام ليست مهمة للحرب لأن أنصار الله يسيطرون على جميع الجبهات، وصالح لا يسهم فعلياً في المعركة. التحالف هو فعلياً في مجال الحكم. وفي هذا المجال، فإن حاجة المؤتمر الشعبي العام للتحالف أكبر من حاجة أنصار الله إليه. دون التحالف، سيخسر المؤتمر الشعبي العام كل السلطة والنفوذ. كثيرون في أوساط أنصار الله يعتقدون أن الشراكة مع المؤتمر الشعبي العام ألحقت الضرر بسمعتهم في الشمال، حيث أطلق المؤتمر حملة لتشويه سمعة أنصار الله، متهماً إياهم بالفساد، رغم أن المؤتمر الشعبي العام يعرقل سير عمل الحكومة. إن فك هذا التحالف سيكون أفضل بالنسبة لأنصار الله.
رغم أن الوضع الأمني وما نجم عنه من تفكك المناطق يجعل من الصعب الحكم، فإن الرأي السائد بين طيف واسع من الأشخاص الذين تم التحدث إليهم في صنعاء، بما في ذلك أعضاء المؤتمر الشعبي العام، ومستقلين ومحللين، هو أن مجموعة من الحوثيين المتشككين والمتشددين لهم اليد العليا، وهو وضع ينذر بالسوء لمستقبل التعاون.
*أغسطس وما تلاه
لقد شاب التحالف بين حزب المؤتمر الشعبي العام والحوثيين توترات عميقة، وقد تكون أصابته أضرار يصعب إصلاحها بسبب الأحداث التي أحاطت بالمهرجان السياسي الذي أقامه المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس. في الفترة التي شهدت التحضيرات للمهرجان، انخرط الطرفان في حرب كلامية شرسة. ألقى صالح خطاباً طناناً وصف فيه اللجان الشعبية للحوثيين بأنها “ميليشيا”، وحذرها من التدخل في احتفال المؤتمر الشعبي العام أو التسبب في فوضى في صنعاء. واتهم الحوثيون صالح بـ “طعنهم في الظهر”، وبعدم التزامه بالحرب وبمحاولة التوصل إلى اتفاق مع التحالف الذي تقوده السعودية لإزاحتهم عن السلطة.
في حين جرى المهرجان دون حوادث، في اليوم التالي قُتل خالد الراضي، السياسي البارز في المؤتمر الشعبي العام، وثلاثة عناصر أمن مرتبطين بالحوثيين في تبادل لإطلاق النار على نقطة تفتيش يسيطر عليها الحوثيون. اليوم التالي شهد المزيد من المواجهات قرب منزل أحد أبناء صالح جنوب صنعاء، وانتشرت مجموعة كبيرة من قوات الأمن التابعة للحوثيين في المنطقة. منذ ذلك الحين اتفق الجانبان على إجراءات خفض التصعيد، لكن التوترات لا تزال مرتفعة. لقد زاد الحوثيون من حضورهم الأمني، وهو ما ينذر بتصاعد خلافات ثانوية إلى مواجهات.
سعى صالح، من خلال المهرجان، إلى إرسال رسالة للحوثيين والمجتمع الدولي، مفادها أنه وحزبه أقوياء سياسياً، ومحوريين في أية تسوية، ولا يجوز التعامل معهم كشركاء ثانويين في المفاوضات، وهو ما حدث سواء في المفاوضات غير الرسمية أو تلك التي قادتها الأمم المتحدة. يشير أنصاره إلى أن توقيت المهرجان استند إلى حساباته بأن الدعم السياسي الذي يحظى به والإحباط الشعبي من الحوثيين في حالة مرتفعة نسبياً.
شكلت أحداث 24 أغسطس تتويجاً لما يمكن اعتباره إحياءً للمؤتمر الشعبي العام. بعد تجاوزه محاولات السعودية لإحداث انقسام فيه وجر قيادته إلى جانب هادي، ظهر معسكر صالح أقوى، على الأقل في الوقت الراهن. أعضاء المؤتمر الشعبي العام داخل اليمن يصفون قناعة جديدة بأن المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الوحيد القادر على حماية البلاد من ويلات الطائفية والمحافظة على نظامها الجمهوري من المجموعات الدينية مثل الحوثيين أو الإصلاح.
غير أن هذه الصحوة تشكل مؤشر ضعف بقدر ما تشكل مؤشر قوة. إنها مدفوعة جزئياً بالخوف من أنه إذا استمرت الحرب، فإن اللاعبين الدينيين والميليشيات الدينية سيكتسبون قوة أكبر، في حين أن المؤتمر الشعبي العام والأحزاب السياسية ستفقد نفوذها وأهميتها.
لم تقتصر المشاركة في المهرجان على المؤتمر الشعبي العام. كثير من الأشخاص الآخرين حضروا أو دعموا المهرجان على وسائط التواصل الاجتماعي، بما في ذلك أولئك المتحالفون مع حكومة هادي وحتى حزب الإصلاح.
بالنسبة لهم، كان المهرجان فرصة لإظهار معارضتهم للحوثيين (وليس دعمهم لصالح)، وبالنسبة للبعض، لتشجيع المعركة المنتظرة بين الطرفين وإضعافهما معاً.
رغم أن حجم المهرجان - لا أقل من عشرات الآلاف، مع ظهور تقارير محلية تقول بأن العدد كان نحو 300,000 - والدعم الانتقائي قد يشيران إلى أن الحظوظ السياسية للمؤتمر الشعبي العام قد طغت على الحظوظ السياسية للحوثيين، فإن التوازن العسكري لا يزال لصالح الحوثيين بشكل واضح. سمح الحوثيون بعقد مهرجان المؤتمر الشعبي العام، لكنهم نظموا في اليوم نفسه مظاهرات أصغر على مداخل المدينة وفرضوا حضوراً أمنياً قوياً في صنعاء.
بعد المهرجان، زادت قوات الأمن الموالية لهم من حضورها حول المدينة، خصوصاً في الأحياء التي يهيمن عليها المتعاطفون مع صالح.
هم أيضاً كان لديهم رسالة مفادها أن أنصارهم ومقاتليهم المخلصين كانوا مستعدين لمواجهة أي تحدٍّ لسلطتهم. ثم أقام الحوثيون مهرجانهم الكبير الخاص بهم، احتفالاً بما يسمونه ثورة 21 سبتمبر، وهي ذكرى دخولهم إلى صنعاء (في العام 2014)، لإظهار أنهم هم أيضاً يستطيعون حشد دعم كبير، ولو كان ليس بالتنوع السياسي الذي ميّز مهرجان المؤتمر الشعبي العام.
أولئك الذين كانوا يأملون بأن صالح سيتخذ مساراً أكثر صدامية في أعقاب المهرجان خاب أملهم. بدلاً من الخروج من الحكومة الائتلافية أو القتال من أجل استعادة السيطرة على العاصمة، فإن صالح تبنى في النهاية لهجة أكثر تصالحية.
في مهرجان المؤتمر الشعبي العام، ألقى خطاباً قصيراً امتدح فيه حزب المؤتمر ودعا إلى توجه أعداد أكبر من المقاتلين إلى جبهات القتال. لكنه منذ ذلك الحين دعا إلى الهدوء، وأكد على التزامه بالتحالف.
وطبقاً لسياسي يمني بارز، ظل حيادياً خلال الحرب، فإن “أنصار المؤتمر الشعبي العام والمجموعات المعادية للحوثيين كلاهما عاشا لحظة من الاكتئاب الجماعي عندما لم يقم صالح بأي فعل. معظم هؤلاء يعزون عدم قيامه بأي فعل إلى الضعف في وجه القوة العسكرية الأكبر للحوثيين”.
في الواقع، فإن المؤتمر الشعبي العام والحوثيين وأنصار حكومة هادي يفسرون أفعاله على أنها مؤشر ضعف ودليل على أن المؤتمر الشعبي العام لا يستطيع تحدي الحوثيين في سياق الحرب. من غير الواضح ما إذا كان صالح قد غير مساره في ضوء الضغوط الحوثية أو ما إذا كان يعرف منذ البداية أنه لا يستطيع المخاطرة بفتح جبهة ثانية معهم. في كل الأحوال، فإنه يسير على خيط رفيع، ويوتر العلاقة دون أن يقطعها، وبفعله ذلك يطرح المزيد من الأسئلة، وبالخط العريض، حول مستقبل التحالف مع أنصار الله والمسار الذي تتخذه الحرب.
*الطريق إلى الأمام
لطالما شجعت السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والحكومة اليمنية وداعموهم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، انهيار تحالف الحوثي ـ صالح، إما لتمكين انتفاضة شعبية من الانطلاق في الشمال أو لتحسين الموقع التفاوضي للحكومة اليمنية (وبالتالي الموقع التفاوضي للسعودية). بعد أغسطس 2017، يقول مسؤولون أمريكيون وبريطانيون إنهم يقرون على نحو متزايد بأخطار مثل هذا الانفصال، في حين يبدو أن حلفاءهم في المنطقة مصرون على السعي لتحقيقه. إذا وضعنا جانباً مدى احتمال نجاحهم في ذلك، فإنهم ينبغي أن يكونوا حذرين من تحقق ما يتمنونه. إذا انقلب الحليفان على بعضهما، فإن النتيجة الأكثر رجحاناً هي إطالة أمد الحرب الأهلية، وتعقيد الجهود الرامية لتحقيق السلام.
*خطر قادم
يصعب التنبؤ بالمسار الذي ستتخذه معركة محتملة بين الحوثيين وصالح. في سيناريو الوضع الأسوأ بالنسبة للسعودية، يمكن للحوثيين أن ينتصروا في مواجهة عسكرية وأن يعززوا سيطرتهم السياسية والعسكرية على الشمال.
يسيطر الحوثيون أصلاً على الأجهزة العسكرية - الأمنية في صنعاء. وخلال الحرب باتت لهم اليد العليا على صالح، رغم أن مدى تفوقهم يبقى موضع نقاش كبير بين اليمنيين. رغم ذلك، فإن الحوثيين أخطأوا في حساباتهم في الماضي.
في عدن، على سبيل المثال، كانوا واثقين من أن السكان سيدعمونهم ضد ما رأوا فيه تهديداً من قبل القاعدة هناك. لكن في المحصلة، نظر الناس إليهم بوصفهم غزاة وتم إخراجهم على يد القوات المحلية، بمساعدة الإمارات العربية المتحدة، في يوليو 2015.
وفي صنعاء أيضاً، قد يبالغون بتقدير قوتهم. من المؤكد أن صالح وحزبه يحظون بالشعبية سياسياً، فعلى مدى 33 عاماً من حكم صالح، قاموا ببناء شبكات قوية داخل الأجهزة العسكرية - الأمنية. اليوم، من غير الواضح عدد هؤلاء الموالين في حزب المؤتمر الشعبي العام الذين نأوا بأنفسهم، لكنهم سيستجيبون للدعوة إذا نشبت أعمال عنف مع الحوثيين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى