الواقع المزري للتعليم في مديرية المسيمير بلحج.. تعلم في العراء ونقص في المعلمين والمدارس والكتب وعزوف كبير عن الدراسة

> استطلاع/ هشام عطيري

> مديرية المسيمير، إحدى مديريات محافظة لحج، وأكثرها معاناةً وتهميشًا في شتى المجالات منذ عقود مضت، رغم الجهود التي تُبذل من قِبل قيادة المديرية الحالية، وما تتحصل عليه من المورد الوحيد العائد من مصنع الاسمنت والذي تتقاسمه المديرية مع مركز المحافظة ومديرية الملاح إلا أنها ما زالت تئن تحت وطأة الحرمان في مجلات خدمية عديدة، يأتي في مقدمتها الجانب التعليمي والتربوي.
يُعد التعليم الركيزة الأساسية لتطور أي مجتمع من المجتمعات، غير أن الأمر مختلف تماماً في هذه المديرية، والتي يشهد المجال التعليمي فيها ترديا ووضعا سيئا ومتاعب جمة أضعفت العملية التعليمية.
«الأيام» سلطت في هذه المادة واقع التعليم في المديرية، وأبرز المعوقات التي تواجه العملية التعليمية فيها.
مدرسة “الانطلاق” في قرية الملحة أو كما كانت تُسمى في السابق بمدرسة “الشهيد محمد أحمد صالح” الذي استشهد أثناء الكفاح المسلح، وبداية الثمانينات حينما بنت الدولة المدرسة سميت باسم الشهيد علي محمد سعيد (السكري) الذي استشهد بإحداث سالمين.
وبحسب بعض المعلمين في المنطقة فإن المدرسة تم تأسيسها كبداية في عام 72م من خلال تدريس مادة القرآن الكريم حتى عام 75م لتسمى مدرسة الملحة كثاني مدرسة بعد عاصمة المديرية في التأسيس.
مدير المدرسة المعلم عبدالله علي بن علي العرف (بكالوريوس لغة إنجليزية) سرد لـ«الأيام» تاريخ تأسيس المدرسة بالقول: في عام 76 بدأت قرية الملحة بتدريس مجموعة من الطلاب في غرفة واحدة بُنيت على أساس مقر، وقد حولها السكان حينها إلى مدرسة قرآن كريم لمدة عامين تقريبًا، ثم بدأ تدريس الطلاب الصف الأول، وقد تواصلت الدراسة إلى أن وصلت إلى المستوى الثالث تقريبًا، وكانت وقتها مدرسة عادية تُمسى باسم القرية (مدرسة الملحة) وفي نهاية السبعينات قامت الدولة ببناء مدرسة بالقرب من هذه المدرسة وسميت مدرسة الشهيد السكري، وهو شهيد من أبناء المنطقة ـ لا أدري في أي ثورة استشهد ـ واستمرت الدراسة تقريبًا إلى أن وصلت إلى الصف الثامن، وفي عام 94 بعد الحرب تم إعادة تسمية المدرسة بمدرسة (الانطلاق).
يستفيد من المدرسة العديد من الطلاب في القرى القريبة والمتناثرة في وادي الفقير (الملحة، حضار، شعب القبة، كدان، الحجف، عيانة العليا، جويئف، حبيل الشمس، وغيرها من القرى).
ويُعد سكان هذه المناطق من أفقر الناس، حيث يعتمدون على رعي الأغنام والأعمال الحرة، فيما يعتمد البعض منهم على بيع القات، بالرغم من أن المنطقة تُعاني من شحة المياه.
ويبلغ عدد الطلاب في المدرسة 388 طالبا وطالبة، 244 من الذكور 144 إناثا، ويرجع قلة الطلاب بحس المختصين إلى الوضع الذي وصلت إليه المدرسة وعملية التسرّب الكبيرة من قِبل الطلاب والطالبات.
أبرز المشكلات
وكشف العرف لـ«الأيام» أن أبرز الإشكاليات التي تواجه المدرسة تتمثل بـ: نقص الفصول الدراسية والتي تضطر بموجها الإدارة إلى تدريس كل صفين دراسيين بفصل واحد، وذلك وضع حاجزا قصيرا، وهي عملية، كما قال العرف: بأنها غير ناجحة للتدريس، فضلاً عن كونها مدرسة آيلة سقوفها للسقوط، وهناك صفوف تدرس بجانب المدرس، فالصف الأول ابتدائي مثلاً يدرس تحت الدرج، فيما يتنقل طلاب الصف الثاني ثانوي بعد الظل بجانب سور المدرسة، وهناك مشاكل أخرى أيضاً كنقص بعض التخصصات من المعلمين، فما هو متوفر من المعلمين ستة فقط من حملة شهادة البكلاريوس، وباقي المعلمين دار المعلمين بإجمالي 15 معلما، وثلاثة معلمين متطوعين يدفع لهم مبالغ رمزية من قبل طلاب الثانوية.
تبعد مدرسة الانطلاق عن المديرية حوالي عشرة كيلوا متر، وبسبب الفقر وعدم توفر السكن والغذاء بمدارس المديرية دفع الكثير من الطلاب إلى التسرب من التعليم والذهاب للعمل لطلب لقمة العيش، فيما الطالبات - بحسب أهالي المنطقة وبالرغم من وجود طالبات أذكياء - لم يستطعن أن يواصلن تعليمهن الجامعي، بسبب عدم إكمالهن دراسة الثانوية العامة، إضافة إلى الفقر وتكاليف الدراسة بالجامعات من حيث السكن والتغذية وغيرها، وبسبب وضع المدرسة المزري، أغلب الطالبات يدرسن إلى الصف الخامس أو السادس فقط.

وكشف مدير المدرسة لـ«الأيام» أن دور مكتب التربية تجاه المدرسة صفر، فبحسب قوله: إن أغلب المدارس القريبة من مركز عاصمة المديرية تتحصل على دعم العديد من المنظمات، فيما مدرسة الانطلاقة بمنطقة الملحة لم تتحصل على شيء بسبب بعد القرية عن عاصمة المديرية ووعورة الطريق.
فمدرسة الانطلاق كانت إلى عام 2014م مدرسة للتعليم الأساسي، وعقب تعيين العرف مديرا للمدرسة وبجهود ذاتية تم فتح صف أول ثانوي في عام 2015م وفي عام 2016م تم إضافة صف ثاني ثانوي مع تزويد المدرسة بثلاثة مدرسين من خريجي الجامعة، بمقابل تحصلهم على مرتبات يدفعها طلاب الثانوية والمعلمون.
وحتى اللحظة لم تتمكن المدرسة من فتح فصل آخر للصف الثالث الثانوي، وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام طلاب الثانوية لاستكمال دراستهم وتخرجهم، الأمر الذي يحتم على الجهات المختصة إيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلة.
يوجد في المديرية 32 مدرسة
قيادة التربوية المديرية أوضحت لـ«الأيام» حجم الواقع الذي تعاني منه في هذا الجانب من خلال ما طرح من أرقام.
والتي تبين بموجبها أن عدد المدارس المتواجدة في المسيمير 33 مدرسة، واحدة منها مخصصة للبنات (أساسية، ثانوية)والأخرى مدارس مختلط 7 منها أساسية وثانوية مكتملة، ومدرستان إلى أول ثانوي، وثلاث أساسية مكتملة، والأخرى أساسية جزئية.
وتوجد في عاصمة المديرية مدرسة بصفوف كافية، غير أنها بحاجة لترميم نوافذ وسبورات وحمامات، و 6 مدارس فصولها بحاجة إلى إحلال، 3 مدارس بحاجة إلى استكمال بناء، ومدرسة إلى الصف الرابع يدرس تلاميذها تحت الشجر، ومعظم المدارس تحتاج إلى إضافة فصول دراسية.
نقص كبير في المعلمين
ويبلغ عدد الطلاب في المديرية ما يقارب 7200 طالب وطالبة، وهذا العدد غير ثابت، نتيجة لوجود تسرب ملحوظ، بالذات في المدارس البعيدة، وغالباً ما تكون من طلاب المرحلة الإعدادية لعدم وجود مدارس قريبة لاستكمال التعليم.

ويرجع مختصون تسرب الفتيات من التعليم في المديرية إلى عدم وجود معلمات إلا في 6 مدارس فقط من 33 مدرسة، وعدد المعلمين لا يتجاوز 540 معلما ومعلمة، كما أن مشكلة التخصصات كبيرة، حيث يوجد 4 معلمين تخصص فيزياء فقط، و 6 معلمين تخصص كيمياء، و 3 معلمين تخصص اجتماعيات، و12 تخصص رياضيات، و10 تخصص إنجليزي. ويشير المختصون إلى أن من أسباب النقص الكبير في المعلمين يعود إلى قرارات التحويل والنقل للمعلمين من قبل القيادات التربوية، الأمر الذي زاد من المشكلة التعليمية في المديرية.
مدير عام مكتب التربية والتعليم في المديرية محمد صالح عوض أوضح لــ«الأيام» أنه “ومنذ توليه إدارة التربية في نهاية العام الماضي وضع خطة لتصحيح مسار العملية التعليمية، وذلك للحد من مركزية الإدارة، ومنح صلاحيات للأقسام والإدارات المدرسية، وكذا تفعيل دور التوجيه والزيارات الميدانية للمدارس، غير أن طموحات كبيرة انصدمت بالواقع المرير، الذي تمر به البلاد، وما له من انعكاسات سلبية على وضع العملية التعليم”.
ويضيف: “ هذه الأوضاع أبقت المشكلة قائمة، فما زلنا نواجه مشكلات كبيرة منها: نقص الكتاب المدرسي، نقص المعلم المتخصص، فما يتوفر لدينا من معلمين هم من حملة دبلوم متوسط، والثانوية العامة، كما أن عملية نقل المعلمين والمعلمات من أبناء الحوطة وتُبن كان لها أثرها الكبير في هذا المجال، فضلا عن وصول كثير من المعلمين إلى مرحلة أحد الأجلين (التقاعد، والوفاة) مع توقف التوظيف، وهذه هي أبرز المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم في المديرية”.
وأشار عوض إلى أن “إدارته، وبرغم الجهود التي تقوم بها في سبيل إعادة بعض المفرغين للعمل واعتماد البدائل من ذوي التخصص إلا أن المشكلة مازالت قائمة”.
وأضاف: “أيضاً هناك معاناة تواجه المعلمين، لاسيما موظفو 2011 وعدم تسوية رواتبهم وغيرهم الكثير ممن يعانون من الارتفاع الجنوني للأسعار، وهي أمور تتسبب في عدم وجود الاستقرار النفسي للمعلم، والتي تنعكس بالتالي على عطائه”.
وواصل عوض حديثه لــ«الأيام» بالقول: “من المشكلات التي تعترضنا أيضاً تتمثل في ارتفاع عدد الطلاب في المدارس، وعدم وجود مشاريع لبناء صفوف إضافية، حيث توجد في بعض المدارس فصول تشكل خطرا حقيقيا على سلامة الطلاب؛ لتهالك سقوفها، والتي تم استبدال بعضها بظل الأشجار أو بجانب جدران المدرسة، ونقص حاد في المقاعد الدراسية والأثاث المدرسية، برغم ما تبذله بعض المنظمات مثل اليونيسف، ورعاية الأطفال وغيرها بهذا الخصوص، والتي تظل مقصورة على بعض المدارس القريبة من عاصمة المديرية، وهي قليلة العدد”.

الحرب وأضرارها على المدارس
وأوضح مدير عام مكتب التربية والتعليم في المديرية إلى جانب من التأثير الذي أحدثته الحرب على العديد من المدارس، وما لحق بها من تضرر وتلف للأثاث، نتيجة لتحويلها من قبل المليشيات إلى ثكنات عسكرية، الأمر الذي جعلها بحاجة ماسة إلى الترميم، كما تسببت المليشيات في تعريض بعض المدارس إلى قصف الطيران العربي كمدرسة منطقة عقان، وهي أساسية ثانوية، والتي يدرس طلابها في الوقت الحالي في الخيام، ومازال الخطر قائماً على المدارس الواقعة إلى الحدود مع محافظة تعز.
وعلى الرغم مما ذكر إلا أن هناك جهودا تبذل من قبل السلطة المحلية ممثلة بالمدير العام للمديرية رمزي عبدالله ناصر في حل بعض هذه الصعوبات والتنسيق مع المنظمات، وتلمس همومنا بشكل مستمر، مُبينا أن أبرز الحلول للمشاكل التي تُعاني منها المديرية - بحسب مدير التربية - وهي عدالة توزيع الاهتمام من المحافظة والتنسيق مع المنظمات لترميم وبناء صفوف إضافية، بالإضافة إلى توفير الكتاب المدرسي والطباشير وعودة المعلمين المنتدبين في يافع والموظفين على حساب المديرية وعودتهم لسد بعض من حاجة المديرية.
فيما أكد مدير عام المديرية رمزي الشعيبي أن “واقع التعليم في المديرية في تحسن، لكن بوتيرة بطيئة، نتيجة للموروث الذي سببه النظام السابق من ممارسات خاطئة نحو التعليم في الجنوب، والذي كان يرمي من ورائه إلى التجهيل”، موضحاً “بأن هناك جهوداً تُبذل في الوقت الحالي لانتشال الوضع التعليمي والارتقاء”.
بدوره كشف مدير عام مكتب التربية والتعليم بمحافظة لحج الدكتور محمد الزعوري في تصريح سابق لـ«الأيام» عن توجيه رئاسة الوزراء باعتماد بناء (6) مدارس بدلا عن المدارس المدمرة بصورة كاملة، والتي تتواجد في تُبن، والحوطة، والمسيمير، وكرش، وترميم (16) مدرسة من المدارس التي تعرضت لتدمير جزئي، والتوجيه بحل قضية معلمي 2011م لعدد 1662 موظفا، والموافقة على حل قضية المتقاعدين لعدد 710 متقاعدين، وقضية الحقوق المتعلقة بالإستراتيجية للمرحلة الثانية والثالثة، والموافقة على الإحلال الوظيفي بدلا عن الحالات المحالة للتقاعد، إضافة إلى تناول قضية نقص الكتاب والآثاث المدرسي، كما أكد عن “رفعه لرئاسة الوزراء الاحتياجات العاجلة للمحافظة، ومنها: إضافة 2500 صف دراسي، وبناء 160 مدرسة جديدة، لاستيعاب التزايد السكاني وحالات النزوح بسبب الحرب، وخاصة في المناطق الحدودية مع تعز”.
مديرية المسيمير كغيرها من المديريات تُعاني في قطاع التعليم مواجع كثيرة، بحسب أحاديث العديد من المتخصصين، وما رصدناه في هذا الاستطلاع الصحفي ينطبق على مئات المدارس في مختلف المديريات بالمحافظة، وهو ما يستدعى إيجاد خطة عمل طموحة لإنقاذ التعليم وتحسين نوعيته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى