مواطنون: حياتنا مهددة بالمرض والجوع.. عاصفة مجاعة ستضرب الفقراء في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الغذائية والأدوية

> تقرير/ مسعود المسعودي

> تقع على المواطن في عدن أزمات من حيث لا يحتسب، فأزمة تليها أزمة ترمي بالمواطن إلى حافة المجاعة، ومع انهيار العملة اليمنية خلال الفترة الأخيرة وبشكل مخيف، وانعدام صرف رواتب موظفي الدولة بانتظام، وهو ما يشكل معجزة للمواطن في كيفية تعايشه وتعامله مع المتغيرات الراهنة وارتفاع سعر صرف الدولار والذي تسبب بزيادة أسعار المواد والسلع الغذائية والأدوية ومستلزمات الأطفال.
وحين يتقوقع الأمن الغذائي باليمن في أعلى مستويات الخطر، حسب تقارير لمنظمات الأمم المتحدة، أضحت محلات التموين الغذائي (جملة وتجزئة) في حالة غليان، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، وجشع العديد من التجار في التلاعب بالأسعار من دون أن تكون هناك أدنى رقابة ومحاسبة من جهات الاختصاص الرسمية، ودون اكترث للأوضاع، التي أضحى يعاني منها شرائح الفقراء في ظل تزايد نسب الفقر والعوز.
تساؤلات تدور على ألسنة الناس واستياءات تعج في الشارع العام حيال تأثير انهيار العملة على مختلف أسعار السلع والمواد الغذائية، وانعكاساتها المستقبلية على مختلف الأوضاع المعيشية.
يقول بهذا الصدد الخبير الاقتصادي، محمد عمر باناجه: “من الأسئلة التي تلخص الوضع بشكل عام وما هو معروف في علم الاقتصاد، بأنه عندما تزيد كمية النقود ويظل الإنتاج جامدا كما هو، يتولد ما يعرف بالتضخم، أي زيادة مستمرة في الأسعار، وهذا يعيدنا إلى العبارة التي حفظناها حين بدأنا دراسة الاقتصاد ورددناها كثيرا (نقود كثيرة تجري خلف سلع قليلة)”.
*تضاؤل مستوى الدخل
يضيف باناجه: “هناك مجموعة عوامل أدت إلى زيادة الأسعار، وتظافرت مع بعضها البعض لتؤثر على القيمة الداخلية (الشرائية) للريال، وعلى قيمته الخارجية في سعر صرفه أمام العملات الأجنبية، وما يزيد الطين بلة هي سياسة التعويم الحر المتبعة للريال اليمني في سوق الصرف، حيث دفعت بأسعار السلع إلى هذا الارتفاع التي نجم عنها التضخم الداخلي بحكم أن معظم السلع الغذائية التي نستهلكها مستوردة، ناهيك عن أن السلع المنتجة محلياً تعتمد على مواد خام مستوردة أيضا”.
ويردف قائلاً: “طبعاً العبء الأكبر يتحمله المستهلك من أصحاب الدخل، الذين يعملون بأجر ثابت، والشريحة الكبرى منهم هم من موظفي الدولة، وهؤلاء تتآكل أجورهم في ظل ارتفاع الأسعار، وتتناقص وفق مقدار التغيرات التي طرأت على المستوى العام للأسعار”.

ويضرب باناجه مثالاً على ذلك: “الموظف الذي يستلم مائة ألف ريال عندما نحسبها بالسعر السابق لصرف عملة الدولار آنذاك والمقدر بـ215 ريالا نجد بأنه كان يتحصل على 465 دولارا، بينما نفس الموظف، ونفس الراتب، حينما هبطت مؤخراً قيمة الريال أمام الدولار، والذي أصبح اليوم سعره 400 ريال، فإن الموظف صار يتقاضى 250 دولارا فقط”. ويستطرد بحديثه: “تآكل الدخل يعني تدني المستوى المعيشي للفرد، والذي عكس دوره السلبي على الأسرة، مما ينعكس في تدني مستوى الإنفاق على احتياجات الأسرة، وتبدأ تتغير أوليات الإنفاق في سلة الإنفاق، بمعنى ما كان يخصص للتعليم سيؤخذ جزء منه لتغطية الغذاء، وهذا ينطبق على بقية المتطلبات والاحتياجات الأخرى”.
*مواطنون مستاؤون
في جولة قمنا بها إلى وسط أسواق عدن يلاحظ الاستياء والتذمر الشديد على ساكني المدينة، نتيجة الارتفاعات الجنونية لأسعار السلع الغذائية والأدوية، ومشتقات الألبان، ومستلزمات الطفولة، وبجانب إحدى المحلات تحدثت مواطنة ملخصة حالة الوضع المؤلم الذي تعيشه الكثير من الأسر والعائلات.
تقول فاطمة طاهر مقطري: “سعر كيس الأرز في وقت قريب كان يوازي الـ7000 ريال، أما اليوم فقد أصبح سعر الكيس الواحد لـ20 كيلو، بعشرة الآلاف ريال، وهي قيمة مرتفعة جداً مقارنة بمستوى دخل المواطنين العاديين”.
وتضيف: “إنها لم تعد تتمكن من شراء هذه السلعة الغذائية الأساسية، لكونها من ذوي الدخل المحدود، وهو ما قد ينذر بالمرض والجوع بعدما اقتصرت حياتهم على شراء الغذاء ذي الجودة الضعيفة”.
*كارثة تهدد حياتنا
يقول المواطن عبدربه صالح، من سكان مديرية المنصورة في عدن: “إن استمرار تداعيات هبوط سعر الريال اليمني وصل إلى مرحلة لا يمكن أن تصمد أمامه الكثير من الأسر من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، إلا بحلول اقتصادية جذرية من قبل الحكومة، لتدارك الانهيار الوشيك، التي تعيشه آلاف الأسر في ظروف معيشية صعبة ومعقدة”.
ويضيف عبدربه: “ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 20% خلال فترة وجيزة، فأنا كأي مواطن عادي لم أعد أشتري الغذاء الذي يكفيني وعائلتي، وهذا يعتبر بالنسبة لي كارثة قد توصلنا أنا وأطفالي إلى حافة النهاية، والموت جوعا”.
*(الدين) لضمان العيش
يتطرق المواطن أسامة محمد صالح، من أبناء مدينة كريتر، إلى وضع مهم وهو اعتماد المواطن البسيط على الدين والسلف من المحلات التموين لتأمين احتياجات عائلته من مأكل ومتطلبات، فهو كما يقولك: “إن أغلب سكان عدن باتوا يعتمدون على الدين في محاولة لتوخي الحالة الصعبة التي يمرون بها بعدما أصبحت رواتبهم تتأخر باستمرار في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانهيار العملة المحلية بصورة كبيرة”.

ويضيف أسامة: “إن المواطنين البسطاء لا يعلمون جيدا بالأمور الاقتصادية، وعما هية وأسباب الارتفاعات المفاجئة والمستمرة في بعض المنتجات والسلع الأساسية كالأرز والقمح والسكر، لأن همهم الوحيد هو الصمود بشتى الطرق والوسائل في سبيل العيش الكريم والآمن، ولو بهذه الأسعار دون ارتفاعها مستقبليا وعدم المغالاة بالسلع الأساسية كالقمح”.
*مجاعة تهدد الفقراء
من جانب آخر يحذر مدير المنتدى الوطني للطفولة والشباب، حيدرة الكازمي من قرب عاصفة مجاعة قد تضرب فقراء اليمن، حيث قال: “قمنا في وقت سابق بتوزيع المواد الغذائية على مناطق يمنية هي الأشد فقرا، وتعاني حالة شبه مجاعة، وكنا نراقب عن كثب خلال عملية التوزيع الوضع الاقتصادي الخطر، ونسب المجاعة وزيادة سوء التغذية، والذي أصبحت دائرته تتوسع في فترات قياسية في مناطق وحدود كثيرة من المدن اليمنية، ولاسيما في مناطق وحارات العاصمة عدن، دائرة المدن التي تشهد مجاعة وسوء تغذية حادة”.
*لا رقابة على الأسعار
تحدث لـ«الأيام» عدد من مالكي المحلات الغذائية الذين كشفوا من جانبهم حجم التلاعب بأسعار المواد من محل إلى محل، وجشع بعض تجار الجملة الذين يقومون باحتكار السلع الغذائية لرفع أسعارها، مستغلين تدهور الوضع وغياب الدولة، وضعف دور الرقابة الرسمية.
ويقول مالك محل: “ما قبل الأزمة كانت علبة التونة بسعر 170 ريالا، واليوم أصبح سعرها 250 ريالا، وكانت الارتفاعات في السابق تشمل معظم المواد المستوردة، أما اليوم فإنها تشهد أيضا ارتفاعا في أسعار المواد المنتجة محلياً”.
*أسعار المواد الغذائية
يسعر قيمة كيس الدقيق (خمسون كيلو) في سوق الجملة بسبعة ألف ريال، وكيس الأرز (أربعون كيلو) بسعر الجملة بـ24000 ريال، وكيس السكر (خمسون كيلو) بـ11000 ريال.
وتباع هذه السلع في أسعار التجزئة، كيس الدقيق بـ8000 ريال، والأرز 27000 ريال، وكيس السكر 13000 ريال.
يشير أحد ملاك المحلات، ويدعى عبدالقوي الشرعبي، إلى أن “من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع المواد ليس بسبب هبوط العملة فحسب، بل بسبب الأزمة العامة التي تشهدها عدن في وضع انعدام المحروقات الديزل والبترول وارتفاع سعره”.
وقال: “من يشتري من السوق السوداء أيضا يتحمل تكاليف كثيرة، وارتفاع سعر النقل، وكذا من الأسباب غياب الدولة ورفع مراقبتها للأسعار، فقد تركت سعر صرف الريال للصيارفة يتلاعبون به كما يشاؤون”.
*تحذيرات منظمة الغذاء
بحسب الموقع الرسمي لمنظمة الغذاء العالمي، والذي أشار في تقرير له إلى أن “في الشهر الماضي قد تم توزيع مواد غذائية على سبعة ملايين شخص، وهذا يعتبر رقما قياسيا للغاية”.
ويضيف تقرير ممثل برنامج الأغذية العالمي، ستيفن أندرسون: “نقوم بكل ما في وسعنا للمساعدة في تفادي حدوث المجاعة في اليمن”.
ويكشف هذا التقرير مشكلة أخرى تعرقل جهود مساعدي اليمن، حيث أظهرت بيانات المنظمة أنه خلال الستة الأشهر المقبلة سيواجه برنامج المنظمة نقصاً في التمويل بقيمة 350 مليون دولار أمريكي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى