من آثار الحرب وتأثيرها على ثقافة عدن.. تجاوز القانون تصرف دخيل يطمس خصوصية الأمن والسلام في مدينة الرقي الثقافي

> تقرير/ سيناء محمد الفقيه

> آلاف القصص والحكايات التي بتنا نسمع عنها وتشمئز لها المسامع والأبدان، وتفوق حد التصورات والتوقعات التي يستنكرها العقل الواعي، ويرفضها المنطق الإنساني الراقي.
شاركنا في هذا الموضوع مجموعة من الأشخاص الذين تربوا وترعرعوا على تربة هذه المدينة الطاهرة والمسالمة، ليكشفوا لنا كيف أثرت الحرب على ثقافة السكان، ويبينوا حجم البون الشاسع بين الأمس واليوم.
كان السؤال المطروح في هذا الاستطلاع: كيف أثرت الحرب على ثقافة وسلوك أبناء مدينة عدن؟ لنعرف الجواب..
*غياب الانضباط والنظام
يدلي أستاذ كلية الآداب والجامعة اللبنانية، مجيب الرحمن، بدلوه قائلاً: “قبل أكثر من عشرين عاما أول سلاح لمسته كان مخصصا للتدريب ولا يحشوه مخزنا للرصاص غير طلقتين وحربة من البلاستيك، وذلك حين كنت في سلك الخدمة العسكرية، ولم يكن مسموحا لنا التعامل مع الأسلحة الحية إلا بعد أن نتقن أدبيات ومهارات التعامل مع السلاح وفق شروط صارمة لا نطبقها إلا بعد أشهر في داخل المعسكرات”.
ويضيف: “أتذكر حينما كنت في دورية بمديرية التواهي قبل حرب94م، انطلقنا خلف سيارة مشبوهة، فتحنا أمان أسلحتنا كنوع من الترويع، لكن رصاصة خرجت من فوهة بندقيتي سهوا، وعند سماع صوت الطلقة انقلبت الدنيا رأسا على عقب في مديرية التواهي، لأنه لم يكن مألوفا أن يسمع الأهالي فيها صوت الرصاص يصدى في منطقتهم”، مستطرداً حديثه: “حال سماع الأهالي طلقة الرصاصة انزعجوا وظلوا يصرخون حتى بلغ النبأ إلى قيادة الأجهزة الاسلكية التي طلبت اسم المجند ورقمه، فزمان كان هناك انضباط ونظام بخلاف الآن، حيث لا يوجد لا انضباط ولا نظام”.
ويواصل: “لم أنم ليلة ذلكم اليوم،لأنها الرصاصة الأولى التي أطلقت من كتيبتنا منذ ثلاث أشهر، أي منذ بدء مهامنا الأمنية، وكنت سأتعرض للمحاكمة بتهمة الإهمال وإقلاق السكينة العامة، وإزعاج الأمن، تذكرت هذا وأنا أشاهد الآن حال هؤلاء الشباب الذين مازالوا يعبثون بالسلاح، غير مبالين بما قد يحدث بحق الآخرين من أذى وإجرام”.
*لا يوجد احترام للقانون
يسرى ردمان، وهي صيدلانية في إحدى مديريات عدن، أوضحت رأيها قائلة: “لقد أثرت الحرب على مدينة عدن بشكل عام، والتي لازالت آثارها المادية ظاهرة على المباني والممتلكات العامة والخاصة، ناهيك عن الأضرار النفسية والمعنوية التي لحقت بمئات الأسر والعائلات التي فقدت معيلها أو أحدا من أبنائها”.
وتضيف: “كل هذه الأضرار المعنوية والمادية كان لها تأثير مباشر على تصرفات الشباب الذين أصبحوا يقتنون الأسلحة ويتباهون بها، بل ويفاخرون بمدى الرعب والعنف الذي يحدثونه في المجتمع العدني، وحجم مشاهد السرقات والجرائم التي أصبحنا نسمعها كل يوم، ولا حياة لمن تنادي، فكل واحد أصبح يأخذ حقه بيده في ظل غياب الدول وضياع هيبة القانون”.
وتردف قائلة: “الكثيرون للأسف في عدن تأثروا بالهجرة المحلية الوافدة من المناطق الريفية، والتي جاءت بعاداتها وتقاليدها الدخيلة على ثقافة المدينة السلمية، وأصبحوا يجترون عادتها وتقاليدها داخل المجتمع العدني، الذي يتسم بالتحضر والرقي الثقافي، فكل واحد أصبح سلطان نفسه، لا يؤمن بالقانون، ويردد عبارة (سنلجأ لأخذ حقنا بقوة السلاح لا بسلطة القانون)، حتى الأطفال صارت ألعابهم عبارة عن مسدسات وأسلحة وحروب، علاوة على ما أراه كصيدلانية من شباب يتعاطون الحبوب، ويدخلون محلات الصيدلة لشرائها، فظاهرة تعاطي الحبوب الممنوعة أصبحت أيضا منتشرة في هذه الأيام”.
*ثقافة التباهي بالسلاح
الحياة تغيرت في مدينة عدن بعد الحرب تغيرا كليا، بهذه العبارة التمهيدية تختتم يسرى حديثها “أتذكر عندما كنت أتجول في شوارع عدن قبل فترة الحرب لم أشاهد أحدا يملك سلاحا ويسير به في الشوارع بمطلق الحرية والتباهي، فالسلاح الذي كنا لا نراه إلا بأيدي رجال الشرطة وبزيهم المخصص لهم، صرنا نشاهده في كل مكان، حتى على متن حافلات النقل العامة، حيث ترى رجلا مسلحا وبلباس مدني، وكأن الأمر أصبح اعتياديا وطبيعيا جدا”.
*البلطجة وقطع الطريق
حنان يحيى، وهي إعلامية، قالت: “أثرت الحرب على مدينة عدن وكان أثرها واضحا وجليا على سلوكيات أبنائها، فقد كان للحرب أثرها حتى بعدما انتهت، إلا أن آثارها لازالت سائدة”.
وقالت: “الحرب خلقت الكثير من أوضاع الفساد والفوضى في ظل غياب مؤسسات الدولة وغياب الخدمات الأساسية، فأصبحت مشاعر الخوف تسيطر على أبناء عدن، الذين عانوا كثيرا وخسروا الكثير، وأصبحت معيشتهم صعبة، ما أدى إلى بروز بعض السلوكيات السلبية كأعمال البلطجة وقطع الطرق والاعتداء على الناس، دون أن توجد سبل رادعة ومؤسسات أمنية وقانونية تحاسبهم على أفعالهم”.
وتزيد بقولها: “أنا لا أقول إن أبناء عدن فاسدين أو ممن يحبون ممارسة الفساد، لكن هناك ظروفا ومتغيرات قادت الكثير من الشباب المراهق إلى ارتكاب مثل هذه الحماقات، فالوضع في عدن يزداد سوءا وكل شخص يشعر بأنه فاقدا لحقوقه، ليضطر لانتزاعها بالقوة وبطريقة غير شرعية”.
وتستطرد: “لكن هناك يوجد جانب إيجابي، حيث أن الحرب ألّفت بين قلوب الكثير من الناس وزادت من حبهم لوطنهم ومدينتهم، وجعلتهم يوعون كل المخططات التي تدبر ضد مدينتهم، وينتقدونها بقوة، نتيجة الثقافة السلمية التي تربوا عليها”.
*تأثيرات الحرب
يقول محمد وهيب، وهو معلم لغة إنجليزية: “اجتاحت مليشيات الحوثي وقوات صالح مدينة عدن، التي لم يسلم منها أحد، انتشرت ظاهرة تعاطي الحبوب الممنوعة (المخدرات) وحمل السلاح والتباهي به في الشوارع والطرقات الرئيسية من قبل الكثير من شباب المدينة سواء ممن شاركوا بالمقاومة، أو ممن لم يشاركوا، حيث أصبح حمل السلاح عادة جديدة وسمة اعتيادية تطفو على المجتمع العدني السلمي”.
واختتم قوله: “لقد أتت الحرب لتغير الكثير من تفاصيل المدينة الهادئة، وترسم في كل زاوية من زواياها ذكرى مؤلمة، وأحداثا جسيمة، حفرت في قلوب كل سكانيها، فالحرب شكلت منعطفا جديدا وخطيرا في تاريخ المدينة، وأثرت على ثقافة وسلوك أبنائها”.
تقرير/ سيناء محمد الفقيه

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى