معركة تحرير الحديدة إحدى الجبهات الهادفة إلى تطويق صنعاء وتحريرها

> «الأيام» عن العرب للندنية

> تعقدت اللعبة السياسية في اليمن بمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح فيما يظهر المشهد اليمني متشابكا بشكل لن يعجل بنهاية الحرب بل سيؤدي إلى تصاعدها ودخولها منعرجات جديدة ستتطلب من التحالف العربي ومن القوى الدولية العمل على حسم الأزمة من خلال محاصرة الحوثيين، وستكون النقطة الرئيسية في ذلك، تضييق الخناق على إيران.
بعد أن تمت تصفية علي عبدالله صالح، إثر انقلابه على التحالف الهش الذي جمعه بالحوثيين لفترة قصيرة، والذي كان أحد أبرز أسباب استقوائهم وتمددهم من جبال صعدة إلى قلب صنعاء، لم يعد للحوثيين من حليف سوى إيران وحزب الله وأذرعهما.
يقول جوست هيلترمان، من مجموعة الأزمات الدولية، إن “الأحداث الأخيرة ترجح احتمال تصاعد الحرب في اليمن”، مشيرا إلى أنه “رغم أن الحوثيين قوة عسكرية مهمة فهم لم يختبروا السياسة أو الحكم. تغلغلهم… في أوساط الناس محدود ومع الوقت ستكون هذه ميزة لمحاربتهم” ضمن حرب استنزاف.
لكن هذا لن يحدث في القريب العاجل، فالحرب الحقيقية ضد جماعة الحوثي، التي غيرت اسمها إلى جماعة أنصار الله في تماه مع حزب الله بعد سيطرتها على صنعاء في صيف 2014، لن تكون من عاصمة الشرعية للبلاد التي انقلب عليها الحوثيون وسيطروا عليها بل من المناطق الاستراتيجية الأخرى في اليمن والتي ستكون الطوق الذي يحاصر الحوثيين ويمنع عنهم السلاح والصواريخ وأموال إيران، ويعيق تقدمهم نحو الوصول إلى البحر حيث موانئ الشحن الأكثر أهمية في اليمن والمنطقة.
وفاة علي عبدالله صالح تمثل تحذيرا من أنه بإمكان مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية والخاسر هو اليمن الذي يدفع ثمن سياساته.
وفي هذا الإطار، ينزّل الخبراء الحملة العسكرية التي تشنّها قوات التحالف العربي في اليمن، بقيادة السعودية، على المناطق الحيوية في البلاد، من ذلك محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، حيث يقع ثاني أكبر الموانئ الاقتصادية في البلاد، وهو الأقرب إلى العاصمة صنعاء (يبعد عنها بحوالي 226 كيلومترا).
*محاصرة العاصمة
استغرب البعض من اليمنيين والمتابعين لما يجري في البلاد من التوجه نحو الحديدة في حين أن الحوثيين يسيطرون على صنعاء ويقومون بعملية تصفية لكل حلفاء علي عبدالله صالح وأنصاره ويضيقون الخناق على المدنيين بفرض قانون الميليشيات في العاصمة.
لكن المتحدث باسم الجيش اليمني، العميد عبده مجلي، أوضح أنه بانطلاق معركة تحرير الحديدة، تكون إحدى تلك الجبهات الهادفة إلى محاصرة العاصمة صنعاء وتحريرها، مضيفا أنه سيتم فتح جبهات جديدة في أماكن مختلفة لاستعادة ما تبقى من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وتقول ندوى الدوسري، الباحثة في معهد كارنيغي لشؤون الشرق الأوسط إن الحوثيين سيحاولون في غضون الأسابيع المقبلة توطيد نفوذهم في الشمال، خصوصا من خلال القمع المتواصل للناشطين والإطاحة بقادة المؤتمر الشعبي العام وشيوخ القبائل النافذين المرتبطين بعلي عبدالله صالح. في المقابل، تتحرّك القوات اليمنية، مدعومة من التحالف العربي، باتجاه صنعاء انطلاقا من الحديدة، لمحاولة إلحاق الهزيمة بالحوثيين.
*خيارات السودان في بقاء قواته باليمن
أربك مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حسابات مجموعة دول التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، ومن بينها السودان الذي يشارك بآلاف المقاتلين هناك. كانت المشاركة السودانية، في تلك الحرب، وقبل مقتل علي عبدلله صالح تثير جدلا داخليا تراوح بين الإبقاء على مهمة القوات أو إنهائها، لكن تصفية الرئيس اليمني السابق على أيدي الحوثيين تدفع نحو تأكيد خيارات البقاء.
منذ أن بعث السودان بقواته إلى اليمن في 2015، عقب استعادة حكومة الخرطوم لعلاقاتها مع دول الخليج العربي، بعد سنوات من التوتر بسبب تقارب الخرطوم مع طهران، ظل الموقف الرسمي السوداني يؤكد دوما على أن القوات باقية إلى حين استعادة الشرعية والاستقرار في اليمن.
وكثيرا ما ردد وزير الدفاع السوداني الفريق أول عوض بن عوف، أن مشاركة بلاده في التحالف العربي باليمن تعكس “موقفا عقائديا والتزاما أخلاقيا”، وهي نفس المبررات التي قدمها السودان لتسويق مشاركته منذ البداية. وعقب مقتل علي عبدالله صالح على يد رجال الحوثي، وتفكك تحالفه معهم، لم تعلن الخرطوم موقفا جديدا.
ويؤيد السفير المتقاعد الطريفي كرمنو المشاركة في حرب اليمن مشيرا إلى أن مشاركة السودان “عودة لمحيطه الطبيعي”، وإكمال للخروج من الدائرة الإيرانية، الذي بدأ بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية بالبلاد في سبتمبر 2014، وتم إكمالها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران في يناير 2016، إثر الاعتداء على سفارة وقنصلية السعودية في إيران.
ويشكك كرمنو في جدوى الارتباط بالمعسكر الإيراني بقوله في تصريحات صحافية “طوال العلاقة مع إيران، لم يكسب السودان شيئا، وحتى وعدها بتشييد طريق يربط شمال السودان بجنوبه، تلكأت فيه حتى انفصل جنوب السودان”.
ويربط كرمنو بين ما أطلق عليه خطر “التشيع الإيراني وأهمية التصدي له” وبين الخطر الذي يمثله الحوثيون في المنطقة، وهو ما يذهب إليه أيضا الخبير العسكري والضابط المتقاعد عبدالرحمن حسن، بقوله “كان لا بد من مشاركة السودان في التحالف العربي منعا لتقسيم اليمن إلى دويلات قبلية وعشائرية والمشاركة في إيجاد حلول لتثبيت الشرعية”.
وعلى نفس اتجاه الخبير العسكري، مضى المواطن أحمد عبدالعزيز في تأييد المشاركة، بقوله إن “مشاركة السودان في حرب اليمن، أعادت له دوره الطليعي والتاريخي الذي كان مفقودا طيلة السنوات الماضية”، واستنكر ما أسماه “محاولات تثبيط القوات”، وبدلا من ذلك دعا إلى مؤازرتها.. وتأتي الحملة العسكرية الجديدة في الساحل الغربي بعد يومين من مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وبعد تسعة أشهر من استعادة حلفاء الحكومة مدينة المخا ومينائها الاستراتيجي على طريق الملاحة الدولية بين مضيق باب المندب، وقناة السويس، ضمن عملية واسعة أطلقتها قوات التحالف مطلع العام الجاري باتجاه مدن وموانئ البحر الأحمر، التي يستخدمها الحوثيون كمنفذ لتهريب السلاح.
ويؤكد المحلل السياسي اليمني عبدالله إسماعيل، في تصريح لـ“العرب”، أن لا مناص من استكمال معركة الساحل الغربي وتحرير ميناء الحديدة الذي يمثل الرئة الوحيدة للانقلابيين بعد تحرير ميناءي المخا وميدي على البحر الأحمر.
ويحذر الخبراء من أن يتحوّل الحوثيون إلى مركز قوة في الشرق الأوسط على غرار جماعة حزب الله الشيعية في لبنان، فيما طالبت الحكومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي بـ“التحرك العاجل والانتصار للإنسانية التي تذبح على أيدي المليشيات الحوثية”. وشدّدت على أن “الأرقام المفزعة لحملات التصفيات والإعدامات الميدانية والاعتقالات، لقيادات وإطارات حزب المؤتمر الشعبي العام، والقيادات العسكرية والأمنية من قبل ميليشيات الحوثي، لن يتم السكوت عنها”.
لكن، بينما تعمل قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية، على المضي قدما في الحرب لاستعادة الشرعية في اليمن واستعادة صنعاء، والتي انطلقت منذ مارس 2015، لا يزال المجتمع الدولي متذبذبا في مواقفه مما يجري في البلاد ضمن سياسة دولية أربكتها سياسات الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي يذهب خبراء أميركيون إلى التأكيد على أنها لا تختلف كثيرا عن سياسة سلفه باراك أوباما من حيث تعريض مصالح الولايات المتحدة والحلفاء في الشرق الأوسط إلى الخطر.
وعبّر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن قلقه من أن “إدارة ترامب تشكل استمرارا لجهد متنام لإبعاد الانخراط الأميركي عن الخليج وليس العكس”، فيما انتقد أنتوني كردسمان، أستاذ كرسي أرلين بورك في الاستراتيجية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، التركيز على الضحايا من المدنيين الذين تأثروا بضربات التحالف الدولي، موضحا أنه “لا يوجد معنى في إلقاء اللوم على التحالف العربي عن معظم الضحايا في القتال عندما لا تكون هناك مصادر موثوقة لتقديرات الضحايا، خاصة وأن بعض التقديرات تكتفي بمحاولة تخمين عدد الضحايا الناتجة عن القصف الجوي (دون محاولة جدية في تقدير تأثير القتال على الأرض)”.
وأضاف كوردسمان أن “الحرب بطبعها وحشية، والمآزق والحصار يخلفان أضرارا كبيرة للاقتصاد المدني مع مر الوقت. لكن هذه حرب من جانبين، وإلقاء اللوم المفرط على جانب واحد من المرجح أن يطيل الصراع عن طريق تخفيض حافز التفاوض. ويبدو أن التركيز المبالغ فيه على الحديث عن الحرب الجوية فيه غض نظر عن الطرق الحقيقية التي يدير بها التحالف العربي بقيادة السعودية”.
ويستعمل السعوديون والقوى الجوية العربية الأخرى تقريبا نفس تكتيكات الاستهداف وقواعد الاشتباك للحد من عدد الضحايا المدنيين الناتج عن الضربات الجوية مثل تلك التي تستعملها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في سوريا والعراق وأفغانستان. كما تستعمل القيادة السعودية نفس أجهزة العرض المتطورة الخاصة بالقيادة والتحكم للتحذير من وجود المدنيين والحد من القصف على المنشآت المدنية وللتركيز نفسه على الضربات الدقيقة.
*معالجة حقيقية
حسب كوردسمان فإن الفرق الأساسي بين هذه الحروب هو أن السعوديين يعتمدون أكثر بكثير على القوة الجوية، في حين تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد على القوات البرية العراقية أو الأفغانية في جزء كبير من القتال.. أنطوني كوردسمان: الحوثيون يستعملون التكتيكات التي تعتمد بشكل مكثف على الدروع البشرية ويستعملون ادعاءات مبالغ فيها تتعلق بالضحايا المدنيين كأسلحة دعائية أساسية ليضيف مؤكدا أن عدم استعداد الحوثيين للتفاوض وإصرارهم على تمديد الحرب يُعدّ توجها لا يقل تدميرا وأن أي تحليل عقلاني للحرب الجوية يحتاج أيضا معالجة حقيقة أن الحوثيين يستعملون أيضا التكتيكات التي تعتمد بشكل مكثف على الدروع البشرية ويستعملون ادعاءات مبالغ فيها تتعلق بالضحايا المدنيين كأسلحة دعائية أساسية.. ويجب لمثل هذا التحليل أن يتمعن جيدا في تعامل الحوثيين مع الحوكمة وإدارة مواردهم وتخصيص المساعدات وفي دور إيران وسعيها للتأثير على اليمن بتوفير الصواريخ والأسلحة، ودعم حرب أخرى تلحق الكثير من الأضرار البشرية.
والأهم من كل شيء هو أن وفاة علي عبدالله صالح تمثل تحذيرا من أنه بإمكان الجانبين مواصلة القتال إلى ما لا نهاية، والخاسر هو اليمن الذي يجني اليوم نتائج سياسات علي عبدالله صالح، وهو عرضة لنشاط حركات إرهابية مثل القاعدة وداعش التي أدت إلى توترات خطيرة وحروب، ومهدت الطريق لجزء كبير من البؤس في البلاد وفتحت أبوابا لم يحلم بها الحوثيون عندما كانت معاقلهم تُدك خلال الحروب الست التي خاضها عبدالله صالح ضدهم.
كان علي عبدالله صالح قد تخلى عن السلطة في سنة 2011 ثم حاول أن يسترجعها عن طريق التحول من التحالف مع السعودية إلى التحالف مع الحوثيين المدعومين من إيران. بيد أن الحوثيين تفوقوا عليه في الحيلة وكسبوا نفوذا متزايدا مقارنة بالرئيس اليمني السابق الذي ظلت القوات العسكرية اليمنية موالية له.
وإن لم يكن أتباع علي عبدالله صالح الناجون من مقصلة الحوثيين أكثر قوة مما هم الآن، فإن النتيجة النهائية ستكون ترك الحوثيين دون أي تحديات داخلية قوية في المنطقة التي يسيطرون عليها. وإذا كانت هناك أي مأساة في وفاة علي عبدالله صالح فهي أنها ستزيد من صعوبة وضع نهاية للحرب والتفاوض حول تسوية ذات معنى.
ويقول كوردسمان إنه يجب النظر إلى هذه التأثيرات في إطارها الصحيح وأن وفاة علي عبدالله صالح تزيد من أهمية ممارسة الضغوط لإنهاء الصراع. كان اليمن قبل حملة القصف الجوي والحصار يعاني من حالة اقتصادية ميؤوس منها بوجود فقر مدقع ومرافق طبية وتعليمية رديئة ومشاكل سوء تغذية خطيرة. لقد انتخبت حكومة هادي شكليا على الأقل (وإن كان ذلك في إطار انتخابات بمرشح وحيد) وحظيت باعتراف دولي واسع.
وفعل الحوثيون الكثير لتقسيم اليمن على أساس طائفي وجهوي ولهم علاقات وثيقة بإيران ولم يفعلوا شيئا يذكر للبرهنة على أنهم يستطيعون الحكم بشكل ناجع أو يقومون بجهود متماسكة للتفاوض. وفي المقابل أظهروا استعدادهم الكبير لمواصلة القتال بغض النظر عن النتائج البشرية. ولم يبرهنوا عن امتلاكهم لأي خطط أو قدرات للحكم بطرق يمكن أن تساعد اليمن على التطور أو الخروج من الحلقة الطاحنة من الفقر المتزايد أو أنهم يقدمون لليمن أي مستقبل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى