ومتى كنا عبيد ؟! وعي المقاومة والرفض في شعر لطفي جعفر أمان (2 - 2)

> د. شهاب القاضي

> *في مواجهة الاستبداد السياسي
كانت شخصية الشاعر لطفي جعفر أمان، شخصية متعددة الأبعاد، فهو الشاعر والناقد والموسيقي والفنان التشكيلي والمترجم والتربوي القدير، وكان في كل ذلك له رؤيا خاصة إلى الوجود والإنسان، فلم يعرف ماشاع عن الانفصام في المواقف بين المثقفين، أو مانسميه بالشيزوفرينيا للمثقف في البلدان المتخلفة، الذي يظهر غير مايبطن، والذي تتلون مواقفه بحسب الحاجة والمناخ السياسي.. فقد كان شاعرنا ضد الظلم وضد الاستبداد السياسي وأشكال الحكم المتخلفة. وقد ظهرت في العديد من قصائده على سبيل المثال لا الحصر : الدكتاتور، وغير ذلك من القصائد المبثوثة في أعماله الشعرية الكاملة. يقول في قصيدة الدكتاتور والتي أهداها إلى “ الحاكمين بلا دستور ولا قران ـ إلا بالسيف والسجان:
أنا لا أراك
ضعفي عماي.. فلا أراك
وأنت تزحف في قواك
عمي الضياء
وجثتي الملقاة ترجف من خطاك
في القيد
في ذلي الذي ألهته في كبرياك
ابدأ أحسك في دماي لظى
فاصرخ : لا أراك
أنا لا أراك.!
وفي تحولات القصيدة، وهي قصيدة طويلة، وفي مقطعها الأخير يتم الانتفاض على الدكتاتور بعد أن تتوحد الإرادة وتحدث الأفاقة وينتهي الضعف والعمى وتستبدل بالقوة والأبصار والرؤية:
لما يفيق أخي
وينفض سكرة الحلم المطيف
لما يبدد كوخنا المنبوذ
إعصار عنيف
لما نجازف في الظلام
ونقحم الدرب المخيف
ويدي تشد على يديه
في ارتعاشات السكون
بقوى من البعث الجديد
تضج.. توغل كالمجنون
قلبين موتورين
يجتاحان أسوار المنون
سأراك تزحف في قواك
فلا أبالي من تكون
سأصيح ـ لكن صيحة البطش
بلى! إني أراك
إني أراك!
إني أراك.. إني أراك هنا قوة الشعب، هنا قوة التغيير، هنا الوضوح، هنا شمس الانتصار.
*رفض الضعف والخنوع
من السجايا والصفات التي يتمتع بها شاعرنا الكبير لطفي جعفر أمان، إنه كان مثقفا موسوعيا، جمع الثقافة من أطرافها، فهو متفقه في تراث الأمة الأدبي والفكري والثقافي ومتبحر في الأدب والثقافة الأجنبية الأوربية، لذا لاغرابة أن نجده مثقفا ينبو عنه التخلف وضيق الرؤية، إنه يرفض ذلك ويرى إليهما سببا لتأخرنا وتخلفنا فنحن أن لم نتغير إنما نحن مجتمع من الموات.. هذا التنويري العظيم، الشاعر الجهبذ ينافح ويكافح ضد الضعف في العديد من قصائده، على سبيل المثال لا الحصر: قصيدة ثورة البركان، ليل إلى متى، الطائر الجريح، رياح، لا ضعف.
وغير ذلك من قصائده الرائعة التي ينبذ فيها التخلف والجهل والكسل وينحاز للانطلاق والإبداع والمبادأة.. نقرأ في قصيدة ثورة البركان:
على سفح “شمسان” تجثو قبور
وفي شط “حقات” تغفو قبور
وفي ربوة “العقد” تربو قبور
أهذي حياة ومن حولنا
قبور قبور.. وناس قبور
***
إذا الريح طوعي لسخرتها
إذا النار ملكي لأضرمتها
وهذي الجبال لفجرتها
براكين تسحق هذي القبور
فأزهو بأني حطمتها
ثم يلتفت إلى نفسه ويعبر عنها بصيغة الغائب، ويجعل من الحقيقة: التقدم والحرية صنوان لا يتحققان إلا في البلاد الحرة:
يثور.. يثور.. ويسكب شعره
جداول نار.. جداول ثره
لينبت في الأرض.. في كل ذره
شعاع الحقيقة يرقص حرا
كأي بلاد على الأرض حرة
الشاعر لطفي أمان.. في موكب الثورة والاستقلال
قصيدة في موكب الثورة للشاعر الكبير لطفي جعفر أمان، هي بين تلك الأعمال الإبداعية الحقيقية التي كان موضوعها حدث الاستقلال الوطني للجنوب.. ولكن بسبب المقدرة الإبداعية الهائلة لشاعرنا، أصبح معنى الاستقلال الوطني فيها كحدث تاريخي سياسي مجيد، عبارة عن بناء فني وتحديدات إبداعية خلاقة، حاول فيه شاعرنا الكبير تقديم الاستقلال الوطني كحدث متموضع تم إنجازه في 30 نوفمبر 1967 إلى مفهوم يؤطر معاني الحرية والعدالة والكرامة في نسيج الشخصية الجنوبية، بحيث لا يمكن أن نتحدث عن الحرية إلا أن نتحدث عن الإنسان في الجنوب بكل محدداته التاريخية ومشاغله وهمومه. وقد تضمنت القصيدة سفر النضال والكفاح ضد المستعمر منذ استيلائه على عدن بالقوة وحتى خروجه منها ومن الجنوب ككل بالقوة، وحينها غنى لطفي والفنان الكبير أحمد قاسم وغنينا معهما:
وهكذا تبددا
عهد من الطغيان لن يجددا
وحلقت على المدى
ثورتنا.. تهتف فينا أبدا
ياعيدنا المخلدا
غرد
فإن الكون من حولي طليقا غردا
غرد على الأفنان في ملاعب الجنان
الشعب لن يستعبدا
قد نال حريته بالدم والنيران
وقتل القرصان
* باحث وناقد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى