«الأيام» تستعرض دراسة عن (الأمن في الجنوب.. الواقع والتحديات) للباحث مساعد وزير الدفاع اللواء الركن عبدالقادر العمودي: كثير من مظاهر الاختلالات الأمنية في الجنوب هي محصلة نهائية للإرث الذي خلفه نظام صنعاء

> عدن «الأيام» خاص

> أعد مساعد وزير الدفاع للموارد البشرية اللواء الركن عبدالقادر عبدالله العمودي بحثا عن واقع الأمن وتحدياته في العاصمة عدن، ولأهمية الدراسية تستعرض «الأيام» جوانب منها.
الباحث العسكري وزميل كلية الدفاع الوطني للدراسات الاستراتيجية عبدالقادر العمودي خلص إلى أن الحياة العامة والوضع السياسي والعسكري والاقتصادي في اليمن كلها غير مستقرة، وعكس هذا الوضع نفسه على الحالة الأمنية في عدن وبقية المحافظات الجنوبية.
وتركز فرضيات البحث بشكل عام على التحديات التي تواجه الأمن في العاصمة عدن وبقية مناطق الجنوب المحررة من مختلف الجوانب، وكذا المعوقات التي تعترض عملية الاستقرار الأمني والمجتمعي.
وأشار الباحث إلى عدم إمكانية عزل التحديات الأمنية المعيقة لإعادة تطبيع الأوضاع ومعالجة آثار الحرب في عدن وبقية محافظات الجنوب عن “بقية التحديات التي لا زالت قائمة في مختلف المجالات الأخرى، مثل الفساد بمختلف أشكاله وأنواعه، وغياب دور القضاء، وإعادة تفعيل العدل في المجتمع، إضافة إلى غياب دور الإعلام والتوجيه بمخاطر التسيب الأمني والاختلالات الأمنية وغياب المساءلة”.
*واقع أمني هش
الدراسة أوضحت أن مختلف مظاهر الاختلالات والتحديات الأمنية في أي دولة أمر طبيعي عندما يغيب القانون والنظام في مختلف القطاعات والمجالات الحياتية للوطن والمواطن، وهذا ما نعيشه اليوم في عدن وفي معظم المحافظات الجنوبية في كل المجالات.
وحددت الدراسة ثلاثة مظاهر لما أسماه الباحث (واقع أمني هش) هي:
- غياب هيبة الدولة من خلال انهيار مؤسساتها المختلفة العسكرية والأمنية والقانونية والاقتصادية.
- انهيار منظومة التربية والقيم الاجتماعية والأخلاقية.
- التباطؤ في معالجة آثار الحرب ونتائج أضرارها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والإنسانية.
غير أنه عزا تلك المظاهر - التي ترتب عليها اختلال الإمن- إلى أنها محصلة نهائية للإرث الناتج عن نظام صنعاء بعد حرب 1994م. وقال: “تلا ذلك التاريخ إجراءات وأفعال متعمدة لتدمير كل ما هو جميل في عدن ومحافظات الجنوب بدءا بتدمير المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية وانتهاء بتدمير القيم وغرس قيم الفيد والفساد، وما نتائج الحرب الأخيرة 2015م إلا جزء من ذلك التدمير السابق المتعمد واستكمال له لتدمير المؤسسات والإنسان، وهذه الممارسات أثرت في الاستقرار”.
وأشارت ورقة البحث إلى أن هناك العديد من التحديات الأمنية المائلة أمام الدولة/ السلطة وأمام المجتمع تتمثل في غياب دور الدولة الفاعل في فرض هيبتها من خلال مؤسساتها المختلفة، والإرهاب كتحد دولي ومحلي، ووجود بؤر الإرهاب ونشاطه رغم مكافحته، وكذلك انتشار السلاح دون ضوابط، وظاهرة حمل السلاح بطريقة عشوائية مع انتشار أسواق السلاح وبيعه، إضافة إلى تعدد الوحدات العسكرية والمجاميع المسلحة التي تشكل مليشيات غير خاضعة للعمل النظامي، وكذا الخروقات الأمنية العابرة للحدود (تهريب المخدرات - تهريب المشتقات النفطية - تدفق لاجئين - تهريب السلاح - الاتجار بالبشر).
*غياب هيبة الدولة
ساهم غياب تنفيذ القانون في معظم مناطق البلاد بتفشي ظاهرة الجريمة، وفي تسهيل نشاط الخلايا الإرهابية والإخلال بالأمن والسكينة العامة للمواطن، فليس مطلوبا من الدولة أن تبني مركزاً أمنياً في كل شارع، كما يتصور البعض، لكن المطلوب منها هو أن يكون كل مواطن تحت حمايتها، كما يقول الدكتور قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري في جامعة تونس: “يفترض أن يكون للدولة هيبتها بمجرد وجودها ولا تسترجع الدولة هيبتها إلا حين يكون هناك تطابق بين الشرعية التي تحيل إلى القانون بمفهومه الواسع والمشروعية التي تحيل إلى تعبير القانون لنفس المفهوم الواسع عن إرادة أغلبية المواطنين”.
وأضاف: “إن الهيبة ليست بالعصا ولا بالقوة، بل الهيبة تستمدها الدولة أساسا من مشروعية المؤسسات القائمة عليها”، وإن الدولة لا تكون مهابة كما يتصور الكثيرون بفرض القانون وفرض احترامه، ولكن تكون مهابة أكثر حيثما يقبل المواطنون بهذه المؤسسات وبالقوانين التي أنشأتها وبالنصوص التي تنظمها “فهناك قطيعة في مجتمعاتنا بين الشرعية والمشروعية، حيث أحياناً لا يحترم المواطن قرارات الدولة (كحظر التجول مثلاً)”.
تفجير مبنى المالية بخور مكسر
تفجير مبنى المالية بخور مكسر

ويقول الباحث: “إن القرار في نظر كثير من المواطنين لم يعد يستند إلى المشروعية التي تمنحه القوة والنفاذ، وهذا الأمر في الواقع لا يقتصر على دولة عربية معينة، بل في كثير من الدول العربية، حيث يتم اللجوء فيها إلى دعم الشرعية المهزوزة بمجالس تسندها دون أن يكون أعضاؤها منتخبين أو متوافق عليها من قبل الشعب، على سبيل المثال ما يسمى بالحوارات الوطنية في اليمن أو تونس أو سوريا أو ليبيا، فلو كان هناك تطابق بين الشرعية والمشروعية لما تم اللجوء إلى مثل هذه الحوارات، لأن المؤسسات التي يفترض أن تكون معبرة عن الإرادة الشعبية لا تعبر عنها حقيقة، ولما كانت نتائجها تفجير الحروب واستمرار دوامة العنف، وهنا يمكننا الحديث عن أزمة شرعية في أصلها متأزمة، فهيبة الدولة لا تستعاد بقوة الأمن أو بالقنابل المسيلة للدموع أو بالرصاص الموجه للمواطن، بل تستعاد حينما يستعيد المواطن سيادته (في استعادة واختيار نظام حكمه)”.
*بؤر الإرهاب
ويشير الباحث إلى أن الإرهاب والتطرف ليس تحديا أمنيا محليا فقط، بل إنه تحدٍ عالمي ألحق الضرر باستقرار كثير من الدول، ولهذا أصبح خطرا عالميا تتضافر الجهود لمكافحته “حيث عانت اليمن منذ بداية التسعينات من خطر الإرهاب الذي ألحق بها ضررا كبيرا وباقتصادها وبعلاقاتها مع بعض دول العالم، حيث طال الضرر المجتمع اليمني في الداخل والخارج، ورسم صورة مغايرة عن الشعب اليمني عند شعوب الدول الأخرى، ورغم فداحة هذا الضرر الذي لحق باليمن، إلا أنها كدولة لم ترضخ لهذا الخطر الذي يهدد المجتمع، بل ظلت تحارب هذا الخطر وفكره المدمر بكل ما تمتلكه من إمكانيات، وبدعم وتعاون الدول الشقيقة والصديقة، واستطاعت أن تثبت رفضها للإرهاب والتطرف حتى في أضعف المراحل التي تمر بها الدولة اليمنية أثناء الحرب، ووقفت وجهاً لوجه لمقاومته.
وجود نشاط بعض الجماعات الإرهابية والمتطرفة في البلاد “المحافظات الجنوبية” وخاصة تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة، وربما أعداد محدودة من داعش (الدولة الإسلامية) يعد من أهم التحديات الأمنية الماثلة أمام الأجهزة الأمنية اليوم.
تفجير استهدف معسكر الصولبان
تفجير استهدف معسكر الصولبان

وفي هذا الخصوص يرى أن هناك شقين لهذا الوجود للجماعات الإرهابية:
الشق الأول هو التنظيم الإرهابي الدولي، المرتبط بالقاعدة كتنظيم إرهابي دولي، وفي هذا السياق فإنه ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م فقد بدأ العمل والتصدي لهذا التنظيم على المستوى الدولي، وهناك الكثير من الدول أعلنت انضمامها إلى ما يسمى التحالف العالمي ضد الإرهاب “مع التأكيد أن اليمن شهدت عمليات إرهابية قبل الحادي عشر من سبتمبر في منتصف التسعينات، وأبرزها جريمة قتل سائحة إسبانية على يد المدعو نبيل نانكلي، إسباني الجنسية زعيم شبكة إرهابية في عام 1997م في صنعاء، ثم تصاعدت جرائم الاختطاف للأجانب، وقد بلغت عددها في نهاية 1998م (125) جريمة، منها اختطاف السياح الأجانب في أبين وقتل (4) منهم من 6 - 1998/12/28 من قبل جيش عدن أبين الإسلامي، بقيادة (أبو محسن المحضار)، وتفجير المدمرة كول في ميناء عدن من قبل تنظيم القاعدة في 2000/10/2، وتفجير السفينة الفرنسية ليمبورج قبالة ميناء المكلا من قبل تنظيم القاعدة في 2002/10/6، لأن تحقيق النجاح في مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية والمتطرفة لا يتم إلا بالتعاون والتكامل الأمني بين دول المنطقة والعالم من خلال اتخاذ تدابير فعالة وحازمة ومشتركة لدول المنطقة ودول العالم، لمنع الأعمال الإرهابية بمختلف أشكالها، وذلك بالحيلولة دون اتخاذ أراضيهم مسرحاً للتخطيط أو التنظيم أو التنفيذ لتلك العمليات، كما أن تبادل المعلومات الاستخباراتية الخاصة بأنشطة وجرائم الجماعات الإرهابية المعادية والمخلة بالأمن سيكون له مردود أمني على جميع دول المنطقة والعالم.
والجانب الثاني يوضح أن الجماعات اللإرهابية وبمسمياتها المختلفة والمستحدثة من قبل النظام السياسي لليمن نفسه، والتي يمكن تسميتها (مجموعة مكافحة الإرهاب)، والتي تفننت الأجهزة الاستخباراتية للنظام في تشكيلها لاختراق المنظمات الإرهابية، وبعد ذلك استخدمتها في تنفيذ أعمال وعمليات إرهابية ضد نفسها أو ضد الدولة نفسها، وقد مارست هذه المجموعات والتنظيمات الإرهابية دوراً فاعلاً في تقويض الأمن في محافظات الجنوب، وعملت على تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية سواء من تفجيرات وتفخيخات أو اغتيالات للكوادر الأمنية والعسكرية الجنوبية.
*مكاسب حققها الإرهاب
وأوضحت الدراسة أن التنظيمات الإرهابية حاولت استغلال الأزمة السياسية قبل الحرب وأثناء الحرب لخلط الأوراق للتأثير على مجريات الأزمة والحرب للاستفادة منها، وإن لم تكن التنظيمات الإرهابية وفكرها المتطرف قد وظفت سياسياً لمؤازرة بعض الأطراف سياسياً في الأزمة التي حصلت أثناء الحرب، إلا أن ورقة البحث أكدت ظهور بعض التوافق بين أهداف التنظيمات الإرهابية وفكرها المتطرف مع أهداف بعض أطراف الحرب، وخاصة (التحالف الحوثي العفاشي)، واجتياحهم للجنوب وعدن.
تفجير مبنى البحث الجنائي
تفجير مبنى البحث الجنائي

وقال الباحث إن التنظيمات الإرهابية بدأت مبكراً في استهداف رجال الأمن وتدمير المنظومة الأمنية وإفراغها من الكوادر، وشل قدرتها المهنية والعملية، حيث ارتكبت كثير من العمليات الإرهابية والاغتيالات في الجنوب، وخاصة خلال السنوات الخمس التي سبقت الحرب (بعد بروز الحراك الجنوبي على الساحة عام 2007، وقد بلغت عدد الاغتيالات للضباط والقادة الجنوبين في الجيش والأمن والاستخبارات والأمن السياسي (115) جريمة اغتيال لضباط الأمن والأمن السياسي والاستخبارات في المحافظات الجنوبية على النحو الآتي:
عام 2009م (10) جرائم - عام 2010 (11) جريمة - عام 2011 (12) جريمة - عام 2012 (36) جريمة - عام 2013 (46) جريمة، ولا شك أن هذا الاستهداف ألحق الضرر المادي والبشري بالبنية المؤسسية للأجهزة الأمنية المختصة وجعلها غير قادرة على مجابهة الخطر والتصدي له، وهذا انعكس سلباً على علاقة أجهزة الأمن بالمواطن، وأدى إلى بروز فجوة بينهما أضعفت تدريجياً دور المجتمع في تعزيز الأمن والاستقرار في معظم مناطق الجنوب، ومنها عدن، وصولاً إلى استشراء الفساد والتسيب الإداري في هذه المؤسسة الأمنية والمؤسسات ذات العلاقة، وبذلك اهتزت ثقة المواطن بالمؤسسة الأمنية ورجال الأمن لنلاحظ تراجع دورها بعد الوحدة اليمنية.
كما أن الحرب والدفاع عن عدن وفر لها المبرر للتواجد العلني الذي أجبر المواطن على التعامل مع هذا الوضع بعد أن قدمت الجماعات الإرهابية نفسها بصورة مزيفة للمواطن بأنها المدافع عن العرض والدين، لتغالط وتضلل وعيه أثناء سير المعارك، ولإثبات هذا التضليل لم يسقط أي قيادي من التنظيمات الإرهابية بنيران مليشيات الحوثي وصالح في مناطق الجنوب، ومنها عدن حتى تبينت للمواطن حقيقتها واتضاح الرؤية بأنها كانت تنفذ أهدافا وأجندات تخدم الطرف الآخر في الحرب من جهة، ومن جهة أخرى تبحث عن تحقيق مكاسب مادية وبشرية لتعزيز وجودها على الأرض.
وأشار الباحث العمودي إلى أن التنظيمات الإرهابية استغلت الحرب على الجنوب وحققت بعض المكاسب أهمها:
- تمكنها من مغالطة المجتمع واستمالة عاطفته لغض الطرف عن تواجدها وظهورها العلني في المجتمع وجبهات القتال.
- تجميع وتخزين السلاح واستغلال وضع الحرب في مزاولة أنشطة السوق السوداء للمشتقات النفطية وزيادة مصادر تمويلها.
- الاستفادة من ظروف الحرب المادية والبشرية لاستقطاب الشباب ونشر فكرها المتطرف في أوساط المجتمع.
- تقديم نفسها ككيان موازٍ للدولة ووريث للسلطة لملء الفراغ الذي خلفته الحرب في عدن.
- الاستفادة من الحرب لإنتاج مواد ترويجية ومقاطع فيديوهات دعائية مؤثرة لدفع الشباب للالتحاق بهم.
- ترك أثر نفسي خطير لرسم صورة مغايرة لحقيقتها في عقول الأطفال والشباب “المراهقين” يسهل عملية استقطابهم مستقبلاً لثقتها بأنه لم يأتِ أي عمل توعوي لمحو هذه الصورة من عقولهم على المدى القريب.
ولهذا فإن التنظيمات الإرهابية استفادت بشكل كبير من أوضاع الحرب وما بعدها، خاصة أزمة الخدمات وتعقيداتها المتكررة، واستغلت هذه العوامل للاستفادة منها لزيادة مصادر تمويلها من السوق السوداء لبيع المشتقات النفطية وتشجيع هذا السلوك لجر بعض الشباب غير المنتمين لها بالاشتغال في السوق السوداء الذي تحول إلى مصدر إثراء للتنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة وأمراء الحرب.
ويمكن القول إن تنظيم (القاعدة) وأمراء الحرب هم أكثر المستفيدين من الحرب، كما أكدت كثير من التقارير الإعلامية، وآخرها تأكيد الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية السيدة (أبريل لو نغلي آلي) الخبيرة في شؤون اليمن التي قالت: “إن الرابحين في النزاع المستمر في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات في البلد الفقير هم تنظيم القاعدة (قاعدة الجهاد في شبه جزيرة العرب) الفرع اليمني لتنظيم القاعدة ومجموعة صغيرة من أمراء الحرب من مختلف أطراف النزاع”، في تصريحات نشرتها صحيفة «الأيام» العدنية في العدد رقم (6031) الصادر يوم الخميس 21 سبتمبر 2017.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى